الأزهرُ الشريفُ قبسٌ من أنوارِ الإسلامِ، وهو غرةٌ فى تاجِ مصرَ وأهمُ قواها الناعمةِ.. من هنا كان تشوف الأمةُ للأزهرِ ليُمسك بزمام المبادرةِ ليرسمَ خريطَة طريقٍ لبناءِ رؤيةً لإعادةِ صناعةِ العقلِ المفكرِ لجسدِ الأمةِ لينطلقوا نحو المستقبلِ، وقد كانت استجابةُ الأزهر سريعة حين دعا لمؤتمر حول (تجديد الفكر والعلوم الإسلامية)، الذى سيعقد خلال هذا الأسبوع.. لذا فإننا نضع الأفكار التالية أمام المؤتمرين، عسى أن تسهم فى خروج رؤية جامعة للتجديد:
< يجب أن ننفصل عن الدوران فى دائرة الآخر، وأن نتصل اتصالا عميقا بتراث أسلافنا من خلال الوقوف على مسالكهم لا مسائلهم، فنحن فى حاجة للانفصال والاتصال والاستكمال، (اتصال) يربط بين الماضى والمستقبل، و(انفصال) يبرز شخصية الأمة وتميزها، و(استكمال) يجعلها تلحق بالركب الحضارى الإنسانى حتى لا نكون عالة.
< عمل مداخل للتجديد، وهي: (التنخيل) لما نقل إلينا من تراث الأمة، و(التعليل) مع المزاوجة بين العقل والنقل فى البلاغ وهذا ما يعرف بالجمع بين المعقول والمنقول، ثم يأتى مدخل (التنزيل) وهو مهم جدا فى تأسيس القواعد التى تضبط تنزيل النص على الواقع، ثم مدخل (التشغيل) بإعادة تشغيل ماكينة العقل المسلم، وأخيرا مدخل (التكميل) بأن نكمل عطاء أسلافنا بعطاء إنسانى يبرز كمال وجلال هذا الدين فى العالمين.
< يجب أن ينشغل القائمون على قضية تجديد الفكر والعلوم الإسلامية بتأسيس ثلاثة أنواع من الفقه: «فقه الإحياء» و«فقه الائتلاف» و«فقه الريادة» لإعادة الحياة للجسد المسلم والحيوية لعقله المفكر ووضع رؤية لإعادة بنائه وتماسكه والقضاء على بؤر الصراع التى انتشرت بين ربوعه، ويتأسس بهذه الأنواع رؤية متكاملة للتعاون والتفاعل والتكامل الاقتصادى والعلمى بين المسلمين وإدارة الخلاف وتأسيس قيم الائتلاف.
< صوغ مدونة فكرية كبرى لصياغة قانون للفكر الإسلامي، وهناك محاولة جادة فى هذا الشأن قام بها الدكتور عبد المنعم القيعى رحمه الله - مؤلف كتاب (قانون الفكر الإسلامي).
< تشكيل فرق بحثية تنبثق عن المؤتمر لرصد الظواهر والمشكلات التى توجه الفكر الدينى والعقل المسلم، مثل: التطرف والغلو، التكفير والإرهاب، الإلحاد والفوضي، التخلف الحضاري، البطالة وانعكاساتها وتعاطى المخدرات وتأثيرها...إلخ، ووضع رؤية للعمل على المواجهة والمعالجة.وفى هذا الإطار يمكن إصدار سلسلة (موسوعات المواجهة)، لمواجهة مشكلات الواقع وتجلياته وكذا الأفكار المنحرفة التى أسست للعنف والخرافة والإلحاد، مع إصدار موسوعات لتصحيح المفاهيم المغلوطة والتأويلات المنحرفة والأفكار الشاذة.
< صناعة برامج تدريب غير تقليدية للدعاة لإكسابهم المهارات العلمية والتكنولوجية لتفنيد الشبهات ودحض الشبه والمقولات الكاذبة، وأن يفتح الدعاة قلوب الناس بإحسانهم قبل بيانهم، وأن يقدموا صحيح الإسلام بصورة سهلة ومحكمة وأن ينطلقوا فى تجمعات الشباب فى النوادى ومركز الشباب وقصور الثقافة، بل والمقاهى لتبصيرهم بقيم الإسلام.
< إنشاء «علم المراجعات التراثية» لجمع المسائل التراثية التى تم توظيفها على غير «مقاصد الشارع» أو على غير مقاصد مؤلفيها أو لحقت بها تفسيرات وتأويلات منحرفة واعتمدت عليها عقول هشة علميا ومتطرفة فكريا والقيام بمراجعتها وبيان الفهم الصحيح لنصوصها.
< عمل موسوعة «لفهم مداخل علوم التراث»، والسعى إلى تقعيد منهجية للتعامل مع النص التراثى لكى تكون حكما فاصلا بين أدعياء العلم والعلماء بحق فى هذا الشأن وأن نحتكم إليها عند النزاع، وهذا يحتاج لجهد مجمعى لا يقوى على القيام به فرد بعينه.
علم «أصول الحضارة»
< نحن فى أمس حاجة لتوليد علم «أصول الحضارة» على غرار علم «أصول الفقه»، لتقعيد الرؤية الحضارية للإسلام وكيف تكون صناعة الإنسان وعمارة الأكوان، علم يبحث فى السنن الإلهية بناء الأمم وهلاك الشعوب وزوال الحضارات.. نريد أن نقف طويلا مع مفهوم القوة من خلال قصة ذى القرنين فى سورة الكهف، وأسس الحفظ العمرانى كما فى سورة يوسف، وبناء منظومة الشورى كما فى شأن بلقيس فى سورة سبأ، ومعالجات القرآن للخلل الذى يتسبب فى انهيار الحضارات وهلاك الشعوب كما هى الحال فى شأن شعيب ولوط عليهما السلام، وبيان أسس الكفاية والاعتماد على أرباب الكفاية كما فى قصة طالوت ويوسف وموسى مع شعيب ...إلخ. ونعيد قراءة القرآن قراءة متأنية من خلال هذه النظرة التأسيسية لبناء قواعد وأصول علم أصول الحضارة.
< وضع رؤية لتفاعل الفكر الدينى مع معطيات العالم الإلكتروني، وأن نتوسع فى برامج الحماية الفكرية لشبابنا فى التعاطى مع هذه التكنولوجيا، وأن ننشئ منصات إلكترونية لنشر صحيح الإسلام وبيان الخلل الذى يطرأ على الفهوم والعقول، مع صناعة برمجيات تجعلنا أكثر تواصلا وتفاعلا مع هذا المتغير وهذا تحد عظيم.
أخيرا: يجب إعادة بناء وتشجير خريطة العلوم وربط العلوم الإسلامية بغيرها من العلوم الطبيعية والتطبيقية حتى يكون مخرجنا العلمى ومنتجنا المعرفى موسوعيا من ناحية ومتعاطيا مع لغة العصر وتجلياته من ناحية أخرى.
أحمد ربيع الأزهرى
الباحث فى شئون الدعوة وتجديد الخطاب الدينى
رابط دائم: