عندما نكتب نحن أولياء أمور طلاب أولى وثانية ثانوى عن امتحاناتهم وفق نظام التقويم الجديد، وأنها لا تلبى مبدأ «تكافؤ الفرص» وهو معيار أصيل من معايير «عدالة» أى امتحان طلابي، فنحن لا «نصرخ» كما وصفنا بعض المسئولين فى تعبيرهم «الصادم» .. وإنما ننقل لهم معاناة أبنائنا كما يعيشونها، ومع ذلك لن نتوقف كثيرا عند هذه «الخروقات» للغة التخاطب لكى لا نعطى أحدا الفرصة للخروج عن الموضوع.. ونقول مجددا إن «تكافؤ الفرص» فى الامتحانات لا يعنى أبدا مجرد وضع جميع الطلاب فى المرحلة الدراسية نفسها أمام الأسئلة نفسها، هذا فهم خاطئ ومعتل لمبدأ تكافؤ الفرص فى الامتحانات، والصحيح كما أعتقده وفق ما جمعناه من خبرات العمر هو أن «تكافؤ الفرص» للطلاب لا يبدأ فقط لحظة مواجهة ورقة الأسئلة فى الامتحان، وإنما هو أن توفر لجميع الطلاب الفرص نفسها فى كل مراحل العملية التعليمية التى تسبق لحظة الامتحان.. تكافؤ فرص فى مستوى المدرسة ونظام التدريس والمواد الدراسية وإتاحتها، فى بيئة الطلاب الداعمة.. فتكافؤ الفرص هو كل ذلك وليس فقط تعريض الطلاب للأسئلة نفسها أو مجرد منحهم «تابلت» ثم نتركهم وشأنهم بعد ذلك.
وأضرب مثلا بسيطا، وهو أن القول بتكافؤ فرص جميع الطلاب عندما نضعهم على خط البداية نفسها فى مسابقة العدو ١٠٠ متر هو قول يجافى الحقيقة وهو غير صحيح على الإطلاق .. لأن تكافؤ الفرص فى هذه الحالة يعنى أن توفر للطلاب جميعهم الفرص نفسها من الإمكانات الرياضية (منشآت وملاعب وتدريبا)، والغذائية (مأكل ومشرب ورعاية صحية)، والاجتماعية (اقتصاديا ونفسيا وثقافيا) فى المرحلة التى تسبق وضعهم على مضمار السباق .. هذا هو قياس «تكافؤ الفرص» كما نفهمه وليس كما تفعل الامتحانات إياها عندما تطلب من «سمكة» أن تتسلق شجرة وهى طول عمرها تتعلم كيف تغوص فى الأعماق!! أو عندما تطلب من «عصفور» صغير أن يغوص فى الأعماق وهو طول عمره يتعلم كيف يطير بين الشجر!!
إن للامتحانات معايير وأصولا أهمها معيار «الصلاحية» وهو يعنى أن الامتحانات تقيس بالفعل ما هو مطلوب منها قياسه من مخرجات التعلم وفق المنهج الذى تتم دراسته، ووفق مستويات «بلوم» الشهيرة، والتى تبدأ بقياس القدرة على التذكر، وهى أدنى مستويات التفكير وتنتهى بالابتكار والإبداع، وهى أعلى مستويات التفكير، وبينهما طيف واسع من ستة مستويات للتقويم الطلابى وقياس مخرجات التعلم، ثم معيار «الموثوقية»، وهو يعنى أن الطالب إذا دخل نسخة أخرى من الامتحان نفسه، يحصل على الدرجة نفسها تقريبا، وأخيرا معيار «العدالة» يعنى توفير الظروف نفسها لكل الطلاب وفق هذا المبدأ من «تكافؤ الفرص».
د. أحمد الجيوشي
رابط دائم: