هاهى ورقة أخرى تتساقط لواحدة من عمالقة السينما المصرية، إذ رحلت عن عالمنا الفنانة القديرة ماجدة الصباحى يوم الخميس الماضى عن عمر يناهز الـ 89 عاما.
وبرغم غيابها الطويل عن ساحات السينما والفن بعد آخر أفلامها «ونسيت أنى امرأة»، عام 1994، إلا أن موتها سبب حالة حزن للجميع، وأعاد للأذهان رحلة عطائها الطويلة لنتذكر من جديد روائعها من الأفلام الخالدة التى لا تنسي.
فماجدة واحدة من أهم نجمات الزمن الجميل التى نجحت فى أن تجعل لنفسها بصمة خاصة وشخصية مستقلة عن كل نجمات جيلها.
فبخلاف ما قدمته من أفلام متميزة وأدوار متنوعة تميزت أيضا برقتها المفرطة ودلعها الهادئ وصوتها المبحوح.
جاءت بداية عفاف على كامل، وهذا هو اسمها الحقيقى وهى مازالت فى سن الـ 15 سنة عندما «عرض عليها المخرج» سيف الدين شوكت المشاركة فى فيلم «الناصح» عام 1949 أمام إسماعيل ياسين، ووافقت على الفور ولكنها اشترطت تغيير أسمها إلى ماجدة حتى لا يعرف أحد من أسرتها.
وحسب ما جاء فى مذكرات ماجدة إنها عانت كثيرا فى أثناء تصوير الفيلم لدرجة أنها كانت تهرب إلى غرفتها بمجرد ظهور أى صحفي، خشية أن يعلم أهلها، وبالفعل وبمجرد معرفة أسرتها واجهت ثورة كبيرة منهم حيث ضربها شقيقها الأكبر وصمم والدها على قتلها، واستطاعت والدتها أن تقنع الأب بأن موتها ليس حلا.
غير أن والدها رفع قضية على منتج الفيلم واتهمه بأنه استغل قاصرا دون الرجوع لولى أمرها، فتوقف عرض الفيلم عاما كاملا، وبعد محاولات وتوسلات عدة من المنتج تنازل الوالد عن الدعوي، وعرض الفيلم وحقق نجاحا منقطع النظير.. إلا أن ماجدة ظلت بعدها حبيسة فى منزلها عاما كاملا حتى رق قلب والديها خاصة والدتها التى ظلت ماجدة تدين لها بالفضل فى دخولها واستمرارها بالفن، وبالفعل وافق والدها على عودتها للتمثيل ولكن بشروط من بينها ملازمة أحد أفراد أسرتها لها. الغريب أن اهتمامات ماجدة كانت بعيدة تماما عن المجال السينمائى وبمجرد بدايتها السينمائية، وجدت نفسها عاشقة للسينما حتى النخاع لدرجة أنها وكما صرحت وهبت نفسها وكرست حياتها للسينما منذ ذلك الوقت بل وتزوجتها أيضا. وكانت ماجدة الصباحى قد لقبت بالفعل لوقت كبير بأنها عذراء الشاشة، لأنها ظلت لوقت كبير دون زواج، وكانت لها خطبة وحيدة مع الفنان سعيد أبو بكر المعروف بـ «شيبوب» شقيق عنترة ابن شداد، ولكن توقف المشروع دون إبداء أى أسباب.
وتزوجت ماجدة مرة واحدة عام 1963من الطيار الخاص بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر وأنجبت منه ابنتها الوحيدة غادة، واتجه إيهاب نافع للتمثيل وقدما معا ثنائيات ناجحة فى عدد من الأفلام ومنها الحقيقة العارية وظهور الإسلام والقبلة الأخيرة والنداهة، ورغم وقوع الطلاق بين النجمين بعد وقت قصير إلا أن نافع ظل هو الحب الوحيد فى حياة ماجدة ولم تتزوج بعده أبدا. أما الحياة الفنية لماجدة فبرغم براءتها وعفويتها وملامحها الطفولية الهادئة، إلا أن ذلك لم يمنع تمتعها بالشخصية المستقلة الواعية وظهر هذا جليا وهى مازالت تخطو أولى خطواتها السينمائية، فلم تستسلم لرغبة المنتجين بحبسها فى أدوار البنت البريئة الشقية الدلوعة، وبوعيها وثقافتها التلقائية وجدت أن الحل للخروج من تلك الأدوار النمطية لن يأتى إلا عن طريق إنتاج أفلامها بنفسها.
وجاءت أهم خطوة فى حياتها بتكوين شركة إنتاج أسمتها «أفلام ماجدة» وأسفرت هذه الشركة عن 12 فيلما من أهم روائع وكلاسيكيات السينما المصرية والعربية، وقدمت من خلالها جميع الألوان السينمائية سواء الدينية فى ظهور الإسلام ومن عظماء الإسلام والوطنية من خلال »العمر لحظة«، كما قدمت واحدا من أهم الأفلام الوطنية بعنوان «جميلة»، ويتناول الثورة الجزائرية والمناضلة جميلة بو حريد.. حرصت ماجدة أيضا على تقديم الروايات فى أفلامها فقدمت »السراب« عن قصة لأديبنا العالمى نجيب محفوظ، كما قدمت واحدا من أهم أفلامها والأفلام المصرية عموما وهو «أين عمري» للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذى اشتهرت فيه بترديدها للكلمة الشهيرة «عمو عزيز». وقد تناول الفيلم قضية كانت ومازالت حتى وقتنا هذا وخطيرة جدا وهى زواج الفتيات الصغيرات من الرجال الأثرياء المسنين، كما قدمت لإحسان أيضا واحدا آخر من أهم الأفلام وهو »أنف وثلاث عيون«.
إسماعيل ياسين أيضا يعتبر من أوائل النجوم الذين شاركوا الدلوعة ماجدة حيث قدما معا عددا من الأفلام الشهيرة وأهمها طبعا »الآنسة حنفي« الذى يعد من أقدم وأوائل الأفلام التى ناقشت موضوع التحول الجنسي، وشارك النجمان أيضا فى ليلة الدخلة وفلفل.
ماجدة أيضا واحدة من النجمات التى غنى لها المطربون خصيصا ومنهم عبد الحليم حافظ الذى غنى لها أهواك فى فيلمهما «بنات اليوم»، وغنى لها أيضا فريد الأطرش «ليه أنا بحبك» فى فيلم «من أجل حبي»، وكان لها فيلم آخر مع فريد وفاتن حمامة وهو «لحن الخلود».. يحيى شاهين يعتبر هو الآخر من أكثر النجوم الذين شاركوا النجمة الراحلة من خلال أفلام مثل «الغريب» «وهذا الرجل أحبه» «وأين عمري» «ومرت الأيام» «وعشاق الليل». عمر الشريف شاركها هو الآخر فمن منا ينسى ماجدة وهى تنطق بصوتها المبحوح باسمه «ممدوح» وهو دوره معها فى فيلم الرعب والإثارة الرائع «شاطئ الأسرار» الذى غنى لها فيه المطرب محمد قنديل أغنيته الشهيرة «يا حلو صبح يا حلو طل».
ويرجع لعمر الشريف أيضا أنه كان سببا فى إلغاء لقب «عذراء الشاشة» عن ماجدة بسبب القبلة التى فاجأها بها فى أثناء التصوير باتفاق مع مخرج الفيلم عاطف سالم، مما أدى إلى وقوع شجار كبير بينهما، وأصرت على حذف المشهد من الفيلم ولكنها أمام إصرار المخرج عادت ووافقت بعد ذلك. وهكذا كانت نجمات الفن الجميل عندنا اللاتى حرصن على تقديم كل الأدوار والأنماط البشرية ووجدن أن خدمة وطنهن تبدأ من خلال تقديم كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية والوطنية ومشكلات المرأة والمراهقات والفروق الاجتماعية. وكانت ماجدة واحدة من هؤلاء فقدمت الفلاحة والمناضلة والمراهقة والمعقدة والأرملة والقاصر والمرشدة السياحية وغيرها من الأدوار الهادفة.
رحم الله «جميلة السينما المصرية» المراهقة «المناضلة» «النداهة» التى نسيت أنها امرأة بسبب حبها وعشقها الأول والأخير للسينما.
رابط دائم: