الطريق الدائرى يعد واحدا من أهم الشرايين المرورية ليس فى القاهرة والجيزة بل دون مبالغة فى مصر على الإطلاق، فإن كنت متجها شمالا فى اتجاه الدلتا والإسكندرية فهو طريقك ذهابا أو إيابا نحو الطريق الزراعى أو الصحراوى، وإن كانت وجهتك الجنوب فالدائرى أيضا يفتح ذراعيه تجاه طريق الصعيد انطلاقا من المنيب، لو كانت وجهتك شرقا أو غربا دون شك فستجده منفذا مهما من وإلى قلب العاصمة والجيزة وكذلك المدن الجديدة.
لذلك يشهد دائما الطريق الدائرى كثافات مرورية عالية جدا على مدار اليوم تصل إلى درجة السكتة المرورية فى أوقات الذروة. وقد عانى ذلك الطريق حتى فترات قريبة من مشهد شبه متكرر لحوادث السيارات التى يقع ضحيتها مصابين ووفيات، ويقف وراء معظمها إن لم يكن كل تلك الحوادث سيارات النقل الثقيل وبشكل خاص المقطورات، ويجمع تلك الحوادث عامل رئيسى وهو رعونة سائقى تلك الشاحنات العملاقة وتهورهم غير عابئين بأرواح من حولهم. من هنا كان القرار المهم الذى اتخذته الحكومة نهاية عام 2018 بمنع مرور سيارات النقل الثقيل على الطريق الدائرى من الساعة السادسة صباحا حتى الثانية عشرة مساء.
وشهدت الفترة الأولى من تطبيق القرار رقابة قوية من قبل إدارات المرور، وبالفعل استقرت الأوضاع بشكل كبير على ذلك الطريق، إلا أنه مع مرور الوقت يبدو أن بعض القطاعات المرورية تناست ذلك القرار وتسللت عشرات الشاحنات الثقيلة إلى الطريق الدائرى مرة أخرى، ليس ذلك فحسب بل مارس قائدوها أبشع صور التهور والرعونة فى القيادة بل ارتكاب العديد من صور المخالفات المرورية الصارخة التى تتسبب فى العديد من الكوارث المروعة، لعل من بينها واقعة تدلل على مدى الاستهتار بأرواح البشر لدى سائقى تلك الشاحنات وذلك عندما أقدم سائق مقطورة استطاع كغيره اختراق وقت منع المرور على الرغم من ان اليوم كان فى بدايته عند التاسعة صباحا وفى غياب كامل من أى مراقبة ليس ذلك فحسب بل إنه بمنتهى الاستهتار بأرواح البشر فرغ حمولة سيارته من «الزلط» بالكامل فى نهر الطريق غير عابئ بما قد تسببه فعلته من كارثة مرورية مروعة قد تحصد عشرات الأرواح، وفى غيبة تامة من جانب أجهزة مرورية تركته دون مراقبة، خاصة فى ظل اختراق سيارات النقل الثقيل قرر منع السير على الدائرى إلا فى أوقات معينة. ورغم تلك السلبيات فإن الصورة لم تكن قاتمة فمن رحم الأزمات تولد البطولات.
المصادفة التى قادتنى لأكون شاهدا على تلك الواقعة هى التى حركتنى لأكون إيجابيا وأحاول إنقاذ الموقف قبل وقوع الكارثة، فقررت الاتصال برقم النجدة «122» لتحرير بلاغ بالواقعة وفى يقينى أن الاتصال «تحصيل حاصل» وهو ما لمسته بادئ الأمر عندما طال انتظار الرد قليلا إلى أن رد على أحدهم وتلقى بلاغى وطالبنى بتحديد دائرة القسم المختص وهو ما اعتبرته تسويفا للبلاغ، فكيف لى أن أعلم دائرة الاختصاص وانا مجرد «عابر طريق» ثم تلقى بياناتى وأغلق خط الاتصال بعد ان ردد عبارة اعتقدت انها عبارة دارجة لكل بلاغ «تمام يا فندم سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة» أنهيت المكالمة ويقينى انه لن يتفاعل أحد مع الأمر لكنى أرضيت ضميرى وأديت ما على ولم اتعامل بسلبية.
لم تمر سوى عدة دقائق لأفاجأ باتصال من النجدة للاستفسار عن معلومات تفصيلية بخصوص بلاغى وما هى إلا عشر دقائق لأفاجأ باتصال من ضابط سعى إلى محاولة تحديد الموقع بدقة اكبر، هنا تأكدت أن البلاغ بالفعل أخذ على محمل الجد واعتقدت أن الأمر انتهى، لكن المفاجأة التى ازهلتنى حقا عندما تلقيت اتصالا أخيرا من ضابط عرف نفسه لى بأنه النقيب محمد طاهر من قسم شرطة أول مدينة نصر يخطرنى بأن الحماية المدنية تقوم برفع كميات الزلط التى ألقاها سائق السيارة النقل، وتوجه لى بالشكر على تعاملى مع الأمر بإيجابية لنحول بذلك دون وقوع كارثة، فوجدتنى أنا الذى وجب عليّ توجيه الشكر على إيجابية فى التعامل مع الواقعة وأخذها على محمل الاهتمام.
التفاعل السريع الذى تعاملت به شرطة النجدة مع البلاغ هو السمة الغالبة والنهج الذى تتعامل به أجهزة الداخلية بمختلف قطاعاتها خلال أدائها مهام عملها، الذى نطمع فى ان تكون ادارات المرور على القدر نفسه من التفاعل والتحرك السريع، وهذا لا يقلل من جهودها ولكن المأمول أكثر.
رابط دائم: