رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه: أحمد البرى..
الاعتراف الأخير!

يكتبه أحـمــد البــــــرى
بريد الجمعة

ترددت كثيرا فى الكتابة إليك، ولكن بعد تفكير عميق قررت أن أرسل لك قصتى أنا وشقيقى الأكبر، عسى أن تجد فيها ما تبصّر به الآخرين، وتكون هاديا لهم إلى سواء السبيل، فنحن ثلاثة أشقاء، نشأنا فى منزل متهالك لا يصلح للحياة الآدمية، وأسرة بسيطة جدا، حيث كان والدنا عامل نظافة بإحدى الشركات، ويتقاضى راتبا صغيرا لا يكفى متطلباتنا، واضطر للعمل فى الزراعة أحيانا، وفى أعمال أرزقية أخرى خلال وقت فراغه، حتى يستطيع الإنفاق علينا، وكانت والدتنا ـ سامحها الله ـ تشعر بالحرج من عمله، وتلعن اليوم الذى تزوجته فيه، مع أنه لم يخرجها للعمل كما يفعل الكثيرون، وكان حريصا على أن تعيش مرتاحة، لدرجة أنها لم تعرف عن الحياة سوى الأكل والشرب، وللأسف عهدتها دائمة السباب على أعمامى وعماتى أو أى شخص من طرف والدى برغم أن «جمايلهم» علينا كثيرة، ففى كل عام كانوا يساعدوننا فى الملبس، فنسمع منها كلاما غريبا بأنها من عائلة ثرية، دون أن نرى لأهلها وجودا، أو نعرف لهم طريقا، وكانت تحرضنا دائما على أبى وأعمامى وعماتى، بلا أسباب، فلم نعرف الحنان، إلا معهم، ولم يهتم بأمرنا سواهم.

ومرت الأيام، والتحقنا بالمدرسة الابتدائية فى القرية، ثم الإعدادية والثانوية، والتحق شقيقى الأكبر بكلية الطب بأحد الأقاليم، وكان أبى يوفر متطلبات المعيشة والدراسة بطرق مختلفة، مرة يقترض من أعمامى، ومرة يلجأ إلى عمل بحث اجتماعى لإعفاء شقيقى من المصاريف الدراسية، أما أنا فكنت أعمل فى الإجازات بأى عمل شريف لمساعدة والدى، وسعدت كثيرا بحديثه عنا أمام الآخرين، فقد كنا مبعث فخر له، وتطلع إلى اليوم الذى يصبح فيه ابنه الأكبر طبيبا، ولا أستطيع أن أصف سعادته، وهو يتحدث عن شقيقى، إذ كان يردد كثيرا أنه سيكون سنده فى الحياة، وتخرج أخى الأكبر فى الكلية بتفوق، وعمل معيدا بها، ثم حصل على الماجستير.

وذات يوم، فاجأ أخى الجميع بطلبه من أبى أن يحضر حفل عقد قرانه على زميلة له تصغره بثلاث سنوات، فارتسمت علامات الدهشة على وجوهنا، ولم ينطق أحد بكلمة، وتركنا أخى ذاهبا إلى عروسه، ولم يشأ أبى أن يكسر بخاطره، وحضر عقد القران، ولم يهتم أحد به، فحضر كديكور فقط، وكان يوم قرانه هو يوم عيد ميلاد عروسه، وبعد شهور سمع أبى من الناس أن ابنه الدكتور تزوج، وأن الذى حضر الفرح هم خالاته وأولادهن، واشتغلوا «تريقة» وإهانة لوالدى بأن ابنه لم يدعه لحضور حفل زفافه، ولم يخبر أعمامه وعماته، أو يوجه الدعوة إليهم، والمدهش أن أمى هى وأهلها الذين حضروا الحفل، ولمّا عاتبت أمى على موقفها المخزى، قالت لى: «شكل أبوك يجيب العار، ولا يشرف ابنه فى فرحه وسط أهلى وأهل العروس»!.. نعم ـ يا سيدى ـ قالت هذا الكلام القاسى عن شريك حياتها الذى تعب وشقى لكى يوفر لنا لقمة عيش شريفة، ولا يمد يده لأحد، فالتزمت الصمت، وتوقفت عن الحديث معها فى هذا الأمر، وحرصت على عدم نقل كلامها إلى أبى، حرصا على ألا أوغر صدره تجاهها، ويكفيه المعاملة الفظة التى تعامله بها.

وبعد فترة علمنا أن أخى اشترى شقة وكتبها باسمه واسم زوجته، ولم يخبر أبى بمكانها، وزاد انكسار قلب أبى حزنا وهما وغما، وأصبح لا يستطيع مقابلة الناس من الخجل، وكان أحيانا يخرج عن صمته بكلمات قليلة، ومنها أن ابنه الدكتور تربية أمه وخالاته، وأن زوجته هى من أوصلته لذلك، ويستنكر أن أهلها لا يسألون عن أبيه، وعندما اشتاق لرؤية ابنه طلب منى أن أذهب معه إلى المدينة التى يقيم فيها أخى حيث أعرف محل سكنه من القريبين منه، لكنى لم أزره، وعندما وصلنا فى الساعة الرابعة عصرا، فتحت لنا زوجة أخى الباب، وقالت أن الدكتور غير موجود، وعلينا انتظاره عند البواب أسفل العمارة، فأخذت أبى وعدنا إلى القرية، ووجدت أبى يردد لأول مرة: «حسبى الله ونعم الوكيل» وهو يبكى، وحاولت التدخل لدى أخى ليغير معاملته معنا خصوصا مع أبيه الذى ضحى من أجله بكل شىء، فأدركت أنه أصبح كارها لنا، وصار أبى مسارا للسخرية والتهكم من أقرب الناس إليه، وخاصة أهل أمى، ومرت سنوات وأنجب شقيقى ابنيه الأول والثانى، وكانت أخباره تأتينا من أهل أمى، وتصورت وقتها أن أبى سيأخذ موقفا منه، ويسقطه من حساباته، لكن أبى من شدة حبه له، كان يذهب إلى المدينة التى يقطن بها أخى، ويقف بعيدا عن المستشفى الذى يعمل به حتى يراه ويطمئن عليه دون أن يشعر به، وذات مرة وقف فى الشارع، ولم ينتبه لما حوله، فصدمه توك توك، وانكسرت ساقه، ونقله أهل الخير إلى المستشفى الذى يعمل به أخى طبيب تخدير، وهناك سجّل أبى بيانات غير بياناته الحقيقية مثل الاسم ومحل الإقامة حتى لا يحرج ابنه!، وتم بتر إحدى ساقيه نظرا لإصابته بمرض السكر، ولم يتمكن الأطباء من إيجاد حل له، وصار طريح الفراش، ولم يسأل أخى عن أبيه، وكأن شيئا لم يحدث برغم ما وصله من الآخرين عما حدث له!.

وبعد عدة أشهر فوجئت بأبى يطلب منى تسجيل اسمه واسم أخى فى طلبات حج القرعة، فتعجبت لطلبه، لكنى نفذت طلبه، وكانت المفاجأة فوزهما بالحج، ثم طلب منى زيارة أخى، وإبلاغه بأن أبى سيدفع تكلفة الحج، وذهبت إليه، وليتنى ما وافقت أبى على طلبه، فلقد وجدت أخى إنسانا غريبا ومتعجرفا، ولا يعرف الله، وليست عنده أخلاق ولا دين، إذ رفض إعطائى جوازه، قائلا: إن أبى بتاع حركات، وأنه يحركنى بـ «الريموت كنترول»، وأن رجله مقطوعة ويحتاج إلى من يحمله ويساعده فى مكة والمدينة، وأن شكله «وحش» ولا يشرفه، وأنه يحتاج إلى أكل وشرب ومشقة فى السفر والتحركات، وأنه ليس مستعدا أن يضيع وقته مع أبيه فى موضوعات «هايفة»، ونقلت إلى أبى ما قاله، وبعد أيام طلب أبى أن أصطحبه إلى جامع القرية لأداء صلاة العشاء، حيث أنه لم يذهب إلى المسجد منذ بتر ساقه، وبعد انتهاء الصلاة رفع أبى يده، ودعا على أخى بدعاء مازلت أتذكره جيدا وهو ألا يكرمه الله فى صحته وماله وأسرته لأنه امتنع عن السؤال على أبيه المريض، وأصبح قاطع صلة رحم، ولم يؤد أبى فريضة الحج، إذ صعدت روحه إلى بارئها بعدها بأيام، وهو غير راض عن أخى الذى لم يره منذ عقد قرانه وحتى مماته.

ومضت شهور، وفى أثناء قيام أخى بإعطاء مريض «حقنة بنج» فى مستشفاه الخاص الذى أسسه بعد سنوات من تخصصه فى مجال التخدير، تمهيدا لإجراء عملية جراحية له، توفى المريض نتيجة خطأ أخى فى جرعة التخدير، وتمت محاكمته فى الدعوى التى رفعها أهل المتوفى ضده، وقضت المحكمة بحبسه ثلاث سنوات، فاستأنف الحكم، وأيّدت محكمة الاستئناف حبسه، وحاولنا وأعمامى أكرمهم الله إجراء صلح مع أهل المتوفى، لكنهم رفضوا حتى لو دفعنا لهم أموال الدنيا ـ على حد تعبيرهم ـ ، ودخل أخى السجن، وفى السنة الثانية فى محبسه وصله إعلان من المحكمة يفيد بأن زوجته طلبت الخلع لأنه غير أمين، وأنه مسجون وأصبح عارا عليها، وحكمت المحكمة بما أرادت.

وخرج أخى من السجن، فوجد أن الجامعة فصلته، كما انهار مستشفاه الخاص بعد أن لحقته سمعة سيئة، وجاءه ابنه الأكبر، البالغ خمسة عشر عاما، وطلب منه مصاريف الدراسة والمأكل والمشرب، وعلم منه أن زوجته الدكتورة التى خلعته تزوجت عرفيا بشاب أصغر منها بعد أن أحبته بجنون، وأنها هى التى تصرف عليه لأنه عاطل، ولا يعلم أهلها أنها تعوله، كما أخذ منها الذهب الذى كان أخى قد اشتراه لها لينفقه على ملذاته الخاصة.

وبعد فترة قصيرة تم استدعاء أخى إلى قسم الشرطة، بعد ضبط ابنه الأكبر فى شقة مشبوهة، وكانت معه كمية من المواد المخدرة، وتم الحكم عليه بالسجن، أما ابنه الأصغر، وعمره ثلاثة عشر عاما، وطوله خمسة وستون مترا، فيتجول فى الشوارع وينام أمام المساجد والطرق، وقال لأبيه إنه يكرهه، وكان يتمنى أن يرى جده، لكنه حرمه وأخوه منه، كما أن أمه لا تسأل عنه.

ولما شاعت حكاية أخى فى القرية، ذهب أعمامى إليه، وطلبوا منه فتح عيادة فى القرية بدلا من البهدلة التى هو فيها، وأعطوه قطعة أرض من أملاكهم الخاصة، وبنى أخى منزلا من شقتين، إحداهما للسكن، والأخرى لاستخدامها عيادة للكشف على المرضى مع أن تخصصه «التخدير»، وذهب يوم الجمعة إلى مسجد القرية لأداء صلاة الجمعة، فوجد أن الخطبة عن بر الوالدين، وعقوق الأبناء، وكان إمام الجامع يعرف قصة أبى مع أخى، ولمّا رآه ازداد حماسا، وقال كلاما مؤثرا، فبكى المصلون، وبكى أخى كثيرا ندما على ما فعله مع أبى رحمه الله، وكأن الله قد استجاب لدعاء أبى، إذ فقد أخى صحته وأسرته وماله، وسرعان ما أغلق عيادته، وتطوع للعمل خادما بالمسجد، وصار عبرة لكل شاب يهين أبيه أو يذله أو يسبه، ولكل قاطع صلة رحم، وأصبحت قصته، ونكرانه الجميل وحقده على أبيه مضرب الأمثال فى القرية والقرى المجاورة.

أما أخى الأصغر فقد حصل على ليسانس آداب وعمل بالتدريس فى محافظة ساحلية هربا من الكلام عن «أخيه الدكتور»، أما أنا فصرت مهندسا مدنيا فى شركة كبيرة مشهورة، وأصبحنا أنا وأعمامى وعماتى أكرمهم الله وأولادهم على صلة جيدة، وأما أهل أمى فمنذ دخول أخى الدكتور السجن لم يزرونا أو يتحدثوا معنا، وتبقى أمنا، وهى مازالت رغم كبر سنها وموت أبى رحمه الله تكرهه كرها شديدا، وتتهمه ظلما بما لم يقترفه، وكلها اتهامات باطلة فى حق أبى، لأننا نعلم أنها تكذب، كما تصف أعمامى وعماتى بهتانا بأنهم «لصوص ونصابون»، وتدّعى أنها من عائلة ثرية وتفوق عائلة أبى اجتماعيا، برغم أن أباها تم فصله من عمله كأمين مخزن، واشتغل عامل نظافة بأحد المستشفيات الخاصة، ثم جاء الاعتراف الأخير لأخى الطبيب بأن أمه وأخواتها وزوجته هن من جعلوه يفعل ذلك بأبيه وبنا، ولكنه اعتراف بعد فوات الأوان.. وهذه دعوة إلى الشباب والفتيات بألا يرتكبوا إثما فى حق والدهم ولا يحقروه، أو يخذلوه، لأن الأب مهما كان دخله وعمله له أفضال كثيرة على الأولاد، ويكفى أنه الوحيد الذى يريد أولاده فى مناصب ومقامات عالية، وليكن فى قصة أخى عظة وعبرة للجميع.

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

 

إنه مؤلم حقا أن ينظر الإبن إلى أبيه، النظرة المتدنية التى نظرها شقيقك إلى أبيكم، سواء أكان ذلك بتأثير أمك، أو زوجته أو الاثنتين معا، فلولاه ما كان لشقيقك وجود فى الحياة، ولا استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه، وقد أخطأ لأنه انجرف فى تيار الجحود، وهو ما لم تفعله لا أنت، ولا شقيقكما الأصغر، إدراكا منكما بالفطرة ما يترتب على العقوق من نتائج، وأقلها أن يشرب العاق أبويه من الكأس نفسها التى تجرعاها بسببه، فيعانى مرارة جحود أبنائه، فيما بعد وهو على قيد الحياة، وما فعله شقيقك الأكبر، ذاق مرارته ربما بصورة أكبر من مرارة أبيه فيه، ففقد كل شىء، المنصب الكبير، والمستشفى الخاص، والزوجة والأبناء، وتعرض للحبس، وصاروا جميعا يخجلون منه، ويا له من «خجل»، فما فعله هو الذى لا يشرف أحد أن يقدم عليه، أما أبوه فكان رجلا شريفا مكافحا يستحق التقدير والاحترام، ولو كان يعقل الأمور، لتباهى به أمام الجميع، ولرفع رأسه يوم حفل القران، والزفاف قائلا للجميع: إن هذا الرجل أبوه، ولانحنى على قدمه وقبلّها، ولو فعل ذلك، لكبر فى نظر الجميع، وكان على زوجته إما أن تقبل بالوضع الصحيح لما يجب أن تكون عليه العلاقات الأسرية، أو ترفض إتمام الزواج من أساسه، ولو حدث هذا لكان خيرا له.

لقد تجاهل شقيقك، ما نعرفه ونردده جميعا من أن «رضا الرب فى رضا الوالد، وسخط الرب فى سخط الوالد».، كما جاء فى الحديث الشريف، وقلبه لا يعادله قلب، فهو هبة الله الرائعة للأبناء، وطيبته أعلى من قمم الجبال، ويغيب عن الكثيرين أن الحياة بوجود الأب هى السعادة والرضا والحب والأمان والطمأنينة، والتقرب إلى الله والفوز بالجنة، وهو نعمة من الله، فإذا أراد المرء أن يحصل على الدنيا والآخرة، فعليه إرضاؤه، والقيام على خدمته وقضاء احتياجاته، فلا حُب إلا حبه، ولا أمان إلا أمانه، ونصائحه نورٌ يسير عليه فى حياته، وابتسامته ثلجٌ يُطفئ خوفه وألمه.

أما عن نظرة الإبن إلى مهنة أبيه، فإن كل من يخجل من الوظيفة التى يمتهنها أبوه إنسان مهزوز الشخصية، ويعانى أزمة ثقة، إذ أنه لا يقدر تعبه وتربيته له، وأن كل ما وصل إليه من مراتب ووظائف عليا يرجع سببها الأول والمباشر إلى تعب أبيه وسهره على راحته، وبدلا من أن يرد الجميل لأبيه، ويتحمل المسئولية عنه، يخجل من وجوده فى مجالسه، وهذا غبن شديد للأب، فكل وظيفة، مهما تكن طبيعتها تقدم خدمة للآخرين، والمهم فى النهاية هو الكسب الحلال، وعلى الإبن أن يزرع بداخله الفخر بمهنة أبيه الشريفة، وأن يهزم المشاعر والأحاسيس التى يحاول البعض غرسها فيه، وتقع على الأم مسئولية كبيرة فى ذلك، حيث أنها مصدر ثقة لأطفالها، وما حدث من حالة التحوّل الغريب لأخيك عقب تخرجه من كلية الطب، وانخراطه فى عالم جديد، سببه يرجع إلى أمكم التى انساقت وراء مظاهر كاذبة، فتباهت بمهن غير حقيقية لأهلها، واستعرت من مهنة أبيك، ولا أدرى لماذا ارتبطت به مادامت تنظر إليه هذه النظرة القاسية والظالمة، وما فعلته معه أمر لا يقره دين، وتأباه الفضائل، وترفضه العلاقة الصحيحة بين الزوجين، إذ لا يحق لها أن تسبه، والواجب عليها أن تحترمه، ولا ترفع صوتها عليه، لأنها مأمورة بطاعته، واحترامه لما له عليها من الحق، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قيل لرسول الله: أى النساء خير؟، قال: «التى تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فى نفسها ولا مالها بما يكره».

وليعلم كل ابن عاق أن «الجزاء من جنس العمل»، وكما يدين يدان، وهى قاعدة عظيمة مطردة فى جميع الأحوال، وبالتأمل فى القرآن الكريم، والسنة النبوية، نجد شواهد ذلك، فقد عاقب الله المنافقين بجنس ما أذنبوا وارتكبوا، فقال: «وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ»، فعاقبهم على استهزائهم بدين الله عقابا من جنس عملهم، فقال سبحانه: «اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» (البقرة14-15)، وقال فى سورة التوبة: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (التوبة79)، ومما وعد الله به عباده المؤمنين قوله تعالى: «هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» (الرحمن60)، ويقول رسول الله: «ارحَمُوا مَن فِيْ الأَرضِ يَرحَمْكُمْ مَن فِى السَّمَاءِ»، ومن ذلك أيضا ما جاء عن أبى هريرة رضى الله عنه فى قول الله تعالى للرحم حين تعلقت به سبحانه: (أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قَالَت: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ).

إذن المؤكد أن «الجزاء من جنس العمل»، وذلك من مقتضى عدله وحكمته سبحانه وتعالى، فمن عاقب بجنس الذنب لم يظلم، ومن دانك بما دنته به لم يتجاوز.

فَلا تَجزَعنَ مِن سُنَّةٍ أَنتَ سِرتَها

وَأَوَّلُ راضى سُنَّةٍ مِن يَسيرُها

ولعل الجميع يستوعبون الدرس، ومنهم أمك التى مازالت تتفوه بكلام سيىء عن أبيك الراحل، وأغلب الظن أنها مريضة نفسيا، وأرجو أن تسعى أنت وشقيقك الأصغر إلى لم شمل الأسرة، وأن تشرح لأمك بهدوء كل ما ذكرته لك، وأن تحاولوا جميعا استعادة شقيقكم إلى جادة الصواب، وأن يدعو لأبيه بالرحمة والمغفرة، ويعلن للجميع ندمه الشديد على ما كان من أمره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق