بعد رفض المشير خليفة حفتر التوقيع على وثيقة موسكو لوقف إطلاق النار فى ليبيا باتت فرص نجاح مؤتمر برلين المزمع عقدة الشهر الحالى محدودة للغاية .. وأصبحت جميع السيناريوهات مفتوحة, والتى يأتى على رأسها استمرار المواجهات العسكرية بين حكومة طرابلس والجيش الوطنى مما يعقد فرص ألمانيا فى إنجاح المؤتمر. قنوات اتصال عديدة فتحتها المستشارة أنجيلا ميركل مع رؤساء الدول الذين أعاقوا إطلاق عملية برلين-كما وصفتها-لإحلال السلام فى ليبيا.. وذلك فى محاولة منها لإشراكهم فى البحث عن صيغة يتوافقون حولها وتكون طريقا لإنجاح مؤتمرها..ولكن تدخل تركيا على خط النزاع أدى إلى خلط الأوراق وضبابية فرص الحل.
ولذلك يبدو أن الجهود التى بذلتها الحكومة الألمانية منذ أكثر من شهرين لجمع الفرقاء المتصارعين فى ليبيا والأطراف الداعمة لهم حول طاولة حوار واحدة .. قد تبددت على أعتاب الكرملين وزادت الموقف تعقيدا الذى لم يكن فى حسبان المستشارة ميركل, التى اعتقدت أن روسيا الداعمة للمشير حفتر المسيطر على شرق ليبيا وجنوبها.. وتركيا الداعمة لفايز السراج رئيس حكومة طرابلس قادران على إقناع طرفى النزاع بوقف إطلاق النار تمهيدا لمؤتمر برلين وإحلال السلام النهائى بينهما.. ولكن واقع الأمر أثبت أن مفاتيح الصراع الليبى ليست فى يد الدولتين فقط وان هناك دولا كثيرة يجب أن تشارك فى رسم المشهد النهائى للأزمة الليبية وفقا لمصالحها.
لا تبدو فرص نجاح مؤتمر برلين كبيرة ومن المتوقع أن تبدأ المستشارة ميركل وهايكو ماس وزير الخارجية إجراء مفاوضات مكثفة مع جميع الأطراف لضمان عقد المؤتمر وإنجاحه, ولكن المشهد الحالى لا يحقق هذه المعطيات فما زالت حكومة طرابلس كما اكد كثير من المراقبين تطالب بأن تلعب تركيا دور المراقب لوقف إطلاق النار وترفض فى الوقت نفسه نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إسطنبول.. بالإضافة إلى تمسك السراج برئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهو الأمر الذى رفضه حفتر والدول الداعمة له.
خلال الأيام الماضية كانت هناك تعقيدات وتحديات كثيرة أدت إلى إرجاء إعلان موعد عقد المؤتمر أكثر من مرة..وقد أرجع المراقبون هذا التأخير إلى تدخل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وتوقيعه مع طرابلس اتفاقية لترسيم الحدود البحرية لتأمين موارد غاز فى شرق البحر المتوسط.. كذلك قيامه بإرسال قوات عسكرية لمساعدتها فى حربها مع الجيش الوطني..الأمر الذى أدى إلى إشعال الموقف بين الدول المطلة على البحر المتوسط التى رأت أن وجود تركيا بالمنطقة سوف يهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية.
هذا المشهد الذى تلبد بدخول تركيا .. دفع وزير الخارجية الألماني..هايكو ماس إلى إطلاق تحذير من أن تتحول ليبيا إلى ساحة حرب بالوكالة.. كما قال خبير الدفاع من الحزب الاشتراكى الديمقراطى فريتس فيلجينتروى فى تصريحات صحفية إنه يخشى من خلال تأثير القوى الخارجية حدوث عواقب على الأمن فى البحر المتوسط وعلى موجات اللاجئين ..
أما خبير الشئون الخارجية من الحزب المسيحى الديمقراطى «يورجن هارت» فقد أكد أن الاتحاد الأوروبى مهتم بتحقيق الاستقرار فى البلاد.. خاصة أنها تحولت منذ سنوات إلى نقطة عبور لمهاجرين أفارقة فى اتجاه أوروبا.. مشيرا فى تصريحاته إلى أن موازين السلطة غير الواضحة تشكل أيضا أرضية خصبة لظهور مجموعات .. فالحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات وتهريب الأسلحة المرتبط بها يزعزعان الاستقرار أيضا فى منطقة الساحل الحدودية.. الأمر الذى قد يتسبب فى موجات هجرة جديدة. مضيفا أن الأمر يتعلق أيضا بمصالح اقتصادية فى ليبيا، حيث تمتلك موارد كبيرة من النفط والغاز مما تسبب فى وجود إنقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.. وذلك فى إشارة إلى فرنسا التى دعمت لفترة حفتر.. وإيطاليا التى ساندت فايز السراج رئيس حكومة طرابلس للحصول على صفقات تجارية مميزة.
أما الخبير فى الشئون الخارجية من الحزب الاشتراكى الديمقراطي.. نيلس شميت فقد اتهم تركيا بتعقيد الموقف من خلال إرسال جنود إلى ليبيا .. وهو الأمر الذى اتفق عليه المراقبون الذين أكدوا أن فرص مبادرة الوساطة الألمانية سوف تتحسن حال انسحاب تركيا من المشهد تماما وترك الدول ذات المصالح المباشرة التفاوض حول طرق الحل قبيل مؤتمر برلين..مؤكدين أيضا أن إصرار المشير خليفة حفتر على نزع سلاح الميليشيات وتوحيد الجيش يصب بالتأكيد فى مصلحة الشعب الليبى الذى بات ضحية الميليشيات المسلحة.
وقال المراقبون إنه من حق مصر الدفاع عن حدودها ومقاومة وجود فصائل مسلحة مدعومة من دول تريد أن تهدد أمنها القومى .. وأشاروا إلى أن هذه التخوفات كانت الدافع الأساسى لقيام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالاتصال بالقاهرة وفتح حوار مباشر مع الرئيس عبد الفتاح السيسى والذى سيكون داعما رئيسيا لإنجاح مؤتمر برلين.
رابط دائم: