يشعر الغرب، وأوروبا علي وجه الخصوص، بقلق استثنائي من التطورات في ليبيا، مع مغامرة تركيا المتهورة بالتورط أكثر فأكثر في النزاع الليبي وقرارها نشر قوات تركية في ليبيا ما يمثل مرحلة جديدة في تدويل القتال في ذلك البلد المتاخم لأوروبا، وبوابة تصدير المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين وأحد مراكز مافيا الاتجار البشري في العالم.
وتهدد الحرب في ليبيا بالتدهور خلال الأشهر المقبلة. فمنذ عام 2016 انقسمت ليبيا بين حكومة فايز السراج في طرابلس وحكومة خليفة حفتر في شرق ليبيا. كما أقام «داعش» موطئ قدم صغيرا لكن تم تطويقه. وتتقاتل الميليشيات علي البنية التحتية النفطية الليبية علي الساحل؛ إضافة إلي اشتباكات قبلية تزعزع المناطق الصحراوية الجنوبية الشاسعة. لكن القتال لم يتجه إلي مواجهة أوسع، غير أن دخول تركيا علي مسرح الأحداث وإرسالها قوات علي الأرض وقيامها بعمليات عسكرية لصالح حكومة السراج ينذر بعام عصيب في ليبيا التي لطالما كانت ساحة للمنافسة الخارجية منذ الفوضي التي أعقبت الإطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي عام 2011. وتوضح كارين فون هيبل «إلي جانب التصعيد بين أمريكا وإيران، لا شك أن التطورات في ليبيا تشكل مصدر قلق هائل لأوروبا. فدخول قوات تركية تعد بداية تأجيج جديد للصراع». وليس للأوروبيين سياسة محددة في ليبيا وأهم أولوياتهم التحقق من عدم تدفق المهاجرين. وأدت الخلافات بين الزعماء الأوروبيين حول كيفية الموازنة بين منع أزمة مهاجرين وحل الأزمة بتأجيج الصراع في ليبيا.
وإلي جانب مصر، تحذر الإمارات وروسيا وأمريكا من خطورة المقامرة التركية في ليبيا. فأنقرة تهدد بتوسيع تدخلها العسكري في ليبيا بشكل كبير في 2020. ونتيجة لذلك، لم يعد النزاع مقصوراً علي قوي محلية بل يتجه لحرب اقليمية جديدة بالوكالة ما يضر بالأمن القومي لدول الجوار الليبي إلي جانب تعريض الأمن الأوروبي والدولي لخطر محدق. كما أن تعدد الجهات المنخرطة علي الساحة يعيق الجهود الرامية إلي إنهاء الأزمة المتفاقمة وسط تلاشي امكانيات عودة الأطراف المتحاربة لمائدة التفاوض. ولا أحد يعرف ما إذا كان مؤتمر السلام الذي تأمل الأمم المتحدة وألمانيا في عقده في أوائل عام 2020 سيعقد أم لا. ولإنهاء الحرب، يتعين علي القوي الدولية والأمم المتحدة الضغط علي تركيا لمنع إرسال قوات وعتاد لمنطقة مشتعلة بالفعل والضغط علي الأطراف المحلية للانخراط في مفاوضات تسوية، لكن احتمالات حدوث ذلك تبدو باهتة بسبب سوء العلاقات الأوروبية -التركية من ناحية، وتقاعس ترامب عن الضغط علي أردوغان برغم مغامرات الرئيس التركي الاقليمية المكلفة ومن ضمنها اجتياحه لشمال شرق سوريا العام الماضي ومواجهاته الدامية ضد أكراد سوريا. وفي الحالة الليبية، فإن مقامرة أردوغان أخطر من تدخله في سوريا، وقد تفتح الباب لحرب طويلة في البلاد، بل وتقسيمها ما يترتب عليه تكلفة كبيرة للأمن القومي العربي.
رابط دائم: