تلعب المليشيات أو القوات المدعومة إيرانيا في الشرق الأوسط دورا كبيرا كقوى مسلحة على الأرض، فهم الطرف الثاني في أي معادلة بمنطقة صراع، وما أكثر هذه المناطق في ظل حالة الفوضى التي تعيشها دول المنطقة سواء بسبب الحرب الأهلية أو الصراعات مع الجيوش النظامية وعدم وجود توافق سياسي. وبعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أو من يعرف بـ «القائد الظل» ، أصبحت الحروب بالوكالة تفرض تهديدا مباشرا ليس لدول المنطقة فقط، بل ولأهداف أمريكية محتملة.
سليماني كان قد تولى قيادة فيلق القدس في نهاية التسعينيات، وأصبح مهندسا لعمليات التوسع في دول المنطقة من سوريا إلى اليمن إلى لبنان والعراق وغيرها. فرجال الظل الإيرانيون أو ميلشيات طهران هم البصمة الوراثية لاستراتيجية نظام المرشد في التوسع بالمنطقة بهدف مقاومة الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
وتمثلت مهمته في تنظيم وتدريب المقاتلين في ميليشيات متحالفة مع طهران وتجهيزهم بالسلاح. كما استخدمت طهران «القوة الناعمة» لتحفيز التحالف الاقتصادي مع دول مثل العراق، حيث دعمت الميليشيات المسلحة في مواجهة الغزو الأمريكي في 2003 وفي وقت لاحق للتصدي لتنظيم داعش الإرهابي. وقبيل ظهور داعش، تمكنت إيران من استغلال حالة الفوضى بعد اندلاع موجات الثورات العربية في 2011، للتدخل في شئون هذه الدول.
وبدلا من التدخل المباشر، واستخدام جيشها النظامي الذي يعتبر من بين أقوى الجيوش في العالم، وما يعنيه ذلك من تكلفة على جميع الأصعدة. فإن إيران ــ مثل أمريكا الآن- تلجأ إلى شركاء محليين، وتمدهم بالدعم لتقوية شوكتهم في العمليات ضد أهداف محددة سلفا. وتمكن الدعم الإيراني من تشكيل كيانات مثل حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي وغيرهم، ليشكلوا خط الدفاع الأمامي لها في المنطقة. ومع تضييق الخناق على إيران، عبر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن سياسة «الضغوط القصوى» لمعاقبة طهران اقتصاديا، وهو ما تسبب في اضطرابات داخلية واحتجاجات غير مسبوقة، اتجهت إيران إلى رجالها في المنطقة. وبدأت ميليشيات الحوثي في استهداف الأراضي السعودية.
وبالطبع كانت إيران المتهم الأول بالوقوف وراء «هجمات سبتمبر». ومع استمرار سياسات ترامب الرمادية تجاه طهران، بين الوعد بإجراء مفاوضات ورفع العقوبات، وبين التهديدات التي تتحقق بالفعل، بدأت حالة «نزع الأقنعة» بين الجانبين. وجاء إعطاء ترامب الضوء الأخضر لاغتيال سليماني، وإصدار خامنئي أوامره بتدخل الجيش للثأر بعيدا عن استخدام الوكلاء أو العملاء، ليشكلا مرحلة جديدة من المواجهة بين الدولتين للمرة الأولى منذ 1979.
ومع استمرار محاولات استعراض القوة في هرمز، واشتعال المظاهرات في العراق وتدهور الوضع السياسي ومهاجمة القاعدة «كي 1» مما أسفر عن مقتل مقاول أمريكي وإصابة آخرين وصولا إلى الثأر لمقتل الجنرال بقصف قاعدتي عين الأسد وأربيل، وتهديد إيران باستهداف كل ما هو أمريكي أو حليف أمريكي، وتهديد واشنطن بفرض جولة رابعة من العقوبات الاقتصادية ضد طهران، فقد وضع الطرفان بعضهما وفقا للمصطلح الفارسي في لعبة الطاولة في «خانة اليك»، ولم يصبح أمامهما سوى التراجع خطوة عن المواجهة المباشرة، والعودة لحروب الظل.
رابط دائم: