لن ينسى التاريخ إنجازات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر،- الذى تحل ذكرى ميلاده الـ102 فى 15 يناير الحالى - فى تطوير بلاده. ومن أبرز هذه الإنجازات توجيهاته عام 1963 بإنشاء »واد جديد« محاز لوادى النيل بالصحراء الغربية، والذى بات «الوادى الجديد».
قديما وفدت قوافل التعمير من سلاح المهندسين للمحافظة، وقامت بانشاء عدد من القرى على خط »الخارجة باريس« وتم إطلاق اسماء عدد من الدول العربية عليها، وأبرزها كانت قرية »ناصر الثورة«، على اسم الزعيم الراحل، ومنها الخرطوم والجزائر وصنعاء وجدة وفلسطين وبغداد وعدن. وخلال جولة »الأهرام« بعدد من هذه القري، كان اللقاء بأخر المصريين الأحياء الذى شارك مع 85 مصريا آخرين شكلوا أول وفود المواطنين الذين انتقلوا عام 1963 للإقامة بقرية ناصر الثورة.
الحاج شهاب، «أبو الأسد»، التقاه «الأهرام» بمنزل أكبر أبنائه، ليبدأ حديثا، تتخلله الدموع، بالدعاء للرئيس الراحل عبد الناصر. ويوضح أن عمره لم يكن يتعدى الـ 25 عاما عندما وصل »الوادى الجديد«، وكان من أصغر المنتفعين بالمشروع الجديد. كان »أبو الأسد« وقتها متزوجا ولديه من الأبناء ابنة واحدة. أصوله ترجع إلى محافظة سوهاج. ويحكى أنه كان يشعر بالقلق إزاء إمكانية الانتقال إلى »الوادى الجديد «لما كنا نسمعه من صعوبات عن الاستقرار فى منطقة صحراوية». ،لكن القلق غلبه الحماس إزاء الإمكانات التى كانت تتيحها التجربة الجديدة.
ويشير إلى ما كان من رحلة السفر، مع باقى الأسر الشابة التى تحقق لها أن تكون باكورة المجتمع الجديد. « تم توفير سيارات لنقل العفش الخاص بنا، لأننا كنا جميعا متزوجين وتم توفير اتوبيسات للأسر». محطة الاستراحة خلال هذه الرحلة كانت بمحافظة أسيوط، حيث استقبل الأسر المحافظ بشكل شخصى وقدم لهم وجبات ومشروبات غازية، قبل استكمالهم الرحلة إلى «الوادى الجديد».
«كان فى استقبالنا مهندسون من هيئة تعمير الصحاري، قاموا بتوزيعنا على مواقع السكن وفقا لرغبتنا»، يحكى «أبوالأسد»، موضحا أنه بالرغم من بساطة مقار السكن المتاحة، إلا أنها كانت تتسم بالنظافة وتوفر مختلف التجهيزات الأساسية . لاحقا، تلقى «أبوالأسد» ورفاقه نصيبهم من أراض تم توزيعها بغرض التعمير، بالإضافة إلى ماشية ودواب. فتبدأ التجربة الفعلية لتعمير صحراء الوادى الجديد. ويعترف أن البداية لم تكن هينة بسبب «قساوة وملوحة» الأراضى الجديدة. لم تكن هذه الصعوبات الوحيدة، فيحكى «أبوالأسد» عن حملات تطهير لمكافحة العقارب والثعابين، وغياب خدمة الكهرباء، و«المشي» على الأقدام لمسافات طويلة لعدم توافر وسائل مواصلات.
لكن تجاوز أبوالأسد ورفاقه معاناة البدايات بفعل عامل «التنافس»، فقد كان الجميع حريصا على الاستمرار وتملك الأراضى الجديدة. وحول تسويق الإنتاج خلال السنوات الأولي، يحكى عن دور هيئة تعمير الصحارى فى تسويق وبيع المحاصيل الزراعية أو الإنتاج الحيواني، مع خصم نصف العائد لسداد أقساط الأرض والمقار السكنية. أمنيات «أبوالأسد» تتلخص حاليا فى أن تنعم مصر بالخير والأمان، مبديا سعادته بأن «الأيام الصعبة»، كما يصفها، قد ولت والقرى تحولت إلى مدن حضرية.
أما أكبر الأبناء الذكور لـ «أبوالأسد»، ويدعى حسن، فيحكى أنه عاش بعض أيام البدايات الصعبة، لكونه من مواليد 1966. ويؤكد حسن، الذى يعمل بقطاع الصحة، ضرورة الحرص على تذكر هذه الأيام حتى «تكون سلاحا للقادم، لإدراك أن كل المراحل الصعبة يمكن تجاوزها لصالح مستقبل البلاد ومواطنيها».
ووفقا لأبوالفتوح محمود عبدالقادر، وهو أحد أبناء المنتفعين، الذى جاء مع والده من بلدتهم بسوهاج وكان عمره لم يتجاوز 11 عاما ليكون أكبر أولاد المنتفعين خلال تلك الفترة، ما مكنه من استيعاب التجربة. فيحكي عن حرص واجتهاد المهندسين الذين عملوا بجد لإنجاح المشروع فى بدايته. التحق عبد القادر بالجيش 6 سنوات، شارك خلالها فى حرب الاستنزاف، وتحقيق نصر 1973. وعند قضاء إجازة الجيش بالوادى الجديد، كان يضطر للسفر من قريته إلى الخارجة مشيا على الأقدام ليستقل أتوبيس أسيوط حتى يصل إلى وحدته. ويكشف التنافس الإيجابى بين الأسر المنتفعة، حتى في تسمية ابنائهم، فمنهم من أطلق على ابنه «صحراوي» أو «الأسد»، أو غيرها من الاسماء التى تعبر عن الصمود وتحمل المسئولية. ويطالب عبد القادر بانتهاء هيئة التعمير من تحرير العقود النهائية لملكية الأرض، التى تم توطينها، خاصة أن الأقساط قد تم تسديدها قبل فترة.
رابط دائم: