انطلق نحيب الخادمة فجأة بعد صمت طفلها الرضيع عن بكائه المتواصل ونهضت فزعة لتخبر مخدومتها «المضيفة بإحدى شركات الطيران» بهول الكارثة التى جنتها على رضيعها البالغ من العمر 6 شهور، فقد أنهكها التعب وثقل عليها النوم، فلم تشعر بنفسها وهى تتقلب على فراشها فى الغرفة المخصصة لنومها، فكتمت أنفاس الطفل الذى يرقد ملتصقا بها فغاب عن الوعى وكف عن بكائه.
أصيبت المضيفة بالفزع من مشهد الطفل المسكين وأسرعت مع ابنتها فى محاولة لإنقاذه ولكن قبل اتخاذ قرار الإسراع به إلى المستشفى، كانت قد تحققت من موته.
بدأت مأساة الخادمة تحمل ثلاثة أوجه بشعة عبرت عنها ثلاثة أسئلة مفزعة، فمن ذا الذى يتحمل ولو بدون قصد، أن يكون سببا فى إيذاء طفل رضيع لا يعى شيئا عما حوله؟!.. فكيف إذن لو وصل الإيذاء إلى الموت؟!.. وما الأمر لو كان الطفل ابنا للمتسبب فى وفاته؟!
كان لابد من إبلاغ أجهزة الأمن حيث أمر اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام بسرعة التحريات لكشف غموض هذه الجريمة، وتم الوصول إلى أن الأم هي المتهمة فى الجريمة. وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفن جثة الطفل، هكذا تصرفت المضيفة حسب ما يوجبه القانون وكان لابد من أمرين مهمين على الأقل أولهما: عرض جثة الطفل المتوفى على مفتش الصحة لوضع تقرير عن سبب الوفاة والثانى مناقشة الأم فيما حدث؟!
كان مشهد الأم حزينا وهى جالسة تنتحب ولا تكف عن لوم نفسها بينما تحاول المضيفة وابنتها أن تخففا عنها وقع ما حدث وأن الأمر قضاء وقدر وليس على النائم حرج!.
وقبل أن يحرر الطبيب مفتش الصحة تقريره، بدا الأمر ملغزا مع سؤال الأم عن اسم الطفل!
ومن هنا بدأت الشكوك تساور ضباط فريق المباحث الذى قاده اللواء أشرف الجندى مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن القاهرة واللواء نبيل سليم مدير الادارة العامة لمباحث القاهرة، ففى أثناء الاستماع لأقوال الأم «فاطمة.ع» البالغة من العمر ثلاثين عاما، كان يبدو فى أعماق عينيها أنها تخبئ شيئا ما بدا جليا عند السؤال المعتاد عن اسم الطفل بالكامل!.
فقد ارتبكت وتلعثمت وكان يمكن تبرير ارتباكها بأنه من هول ما حدث لهان لكن تقرير الطبيب كان قد صدر مثبتا أن الاختناق الذى تعرض له الطفل لم يكن عرضا «إذ أن كتم أنفاسه كان بطريق اليد وليس من جراء الاتكاء العرضى على جسده» كما ادعت أمه، فقد ظهرت كدمات وسحجات كآثار للضغط باليد على الفم والأنف مع وجود تجمع دموى فى الرقبة مما يجزم بوقوع جريمة قتل مع سبق الإصرار بتعمد إزهاق روح الطفل.
وانجلى الموقف مع اعترافات الأم «فاطمة.ع» بأن الطفل كان ثمرة علاقة غير شرعية مع شخص «عبدالحليم. ع» كان قد وعدها بالزواج ولكنه ماطل فى إتمامه وبدأ يتهرب منها عندما أنبأته بحملها منه، فتنكر كالعادة وطلب منها التخلص من الجنين ولكنها قررت استكمال الحمل، فعساه إذا ما رأى طفله الذى من صلبه، أن يلين قلبه ويسرع بزواجها لتنعم معه بحياة طالما حلمت بها لتنقذها من الضياع الذى تعيش فيه لاسيما وأنها خطت فى الثلاثين من العمر وهى سن ترى كثيرات من مثيلاتها فيها، يشرعن فى تجهيز بناتهن للزواج!.
كان الشاب الذى تورطت معه آخر فرصة لتحقيق الحياة الكريمة وهى تطارد حلمها فى الزواج والأمومة لكنه خذلها ورفض الاعتراف بالطفل، فلجأت إلى السيدة المضيفة التى تتردد على شقتها للقيام بأعمال النظافة المنزلية ولم تشك السيدة فى الأمر وتعاطفت معها فسمحت لها بالعمل كخادمة مقيمة لديها مع المبيت فى الشقة ولم يدر بخلدها أن الطفل الذى تحمله كان ثمرة علاقة آثمة. ولكن فى لحظة اختلط فيها اليأس بالندم بالقسوة، قررت فاطمة التخلص من وليدها بعد فشل كل محاولاتها فى إقناع أبيه باستخراج شهادة ميلاد له كأى طفل.
كان يمكن أن تفعل مثل كثيرات على شاكلتها وتضع الطفل فى مكان ما ليعثر عليه أحد ليسلمه إلى أى مؤسسة للرعاية بأى وسيلة أو يتبناه أحد أو حتى تتركه لمصيره، لكنها فى غفلة من مخدومتها قررت أن تكتب مصيره بيدها وهى تراه سببا لكل ما حدث وسيحدث لها، فعمدت إلى كتم نفسه والضغط على رقبته الرقيقة التى لم تتحمل أصابعها فزهقت روحه وصمت للأبد ثم قامت لتدعى أنها اتكأت عليه فى أثناء نومهما وظنت أن تظاهرها بالفزع مع حسن ظن السيدة وابنتها بها، مع حالة المسكنة التى تجيدها، كل هذا سوف يساعدها على إخفاء جريمتها ولكن كشف تقريرا مفتش الصحة والطب الشرعى جريمتها، فقررت النيابة حبسها بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار.
رابط دائم: