ط.ت.ا: يجب على المرء أن يتقن فن التعامل مع الآخرين؛ لاختلاف طبائعهم وعاداتهم، إذ ينعكس التعامل الجيّد مع الناس على الفرد نفسه أولا، حيث يستشعر حُبّهم له، وتسابقهم لمصاحبته ومخالطته، ثم ينعكس عليهم، فيجعلهم سعداء ومستمتعين في تعاملهم معه، ويختلف التعامل معهم حسبِ طباعهم وميولهم، إذ إنّ ما ينفعُ مع فئة من الناس قد لا ينفع مع غيرهم، وقد أرسى رسول الله مبدأ الاختلاف بين الناس، فقال: «النَّاسُ معادِنُ كالفضَّةِ والذَّهبِ، خيارُهم في الجاهليَّةِ، خيارُهم في الإسلامِ إذا فقِهوا، والأرواحُ جنودٌ مجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائْتَلف، وما تناكَر منها اخْتَلف».
ومن أهم العوامل التى تساعد المرء على التعامل الصحيح مع الناس، الإصغاء والاستماع الجيّد لهم، والتحلّى بالابتسامة دائما، والتركيز على كل جميل، فلكلّ إنسان مزاياه وعيوبه، وعلى الشخص المُتّزن التركيز على الجيّد فيمن يتعامل معه، وحتّى لو أراد أن يتحدّث عن عيوب ما به، فعليه أن يعرضها بأسلوب لبق مؤدّب، كأنْه يتحدّث عن شخص ما فى خياله.
ومن الضرورى الوضوح فى التعامل، إذ لا يُحبّ الناس التعامل مع المتلوّنين الذين يظهرون بأكثر من وجه، بل يُفضّلون الواضحين، كما أنّ المتلوّنين مهما نجحوا في تلوِّنهم ستُكشف أقنعتهم يوما، وتُهدم كلّ علاقاتهم، كما أن التواضع يرفع الإنسان ولا يُقلّل قيمته، ويُظهره بمظهر أكثر جمالا ويمنحه الثقة بالنفس، مما ينعكسُ إيجابيا على تعامل الناس معه ومحبّتهم له.
أيضا يجب على الإنسان أن يكون مُتعاونا قدر الإمكان مع غيره، وأن يختار الوقت المناسب لزيارة معارفه، ومن المُحبّذ أن تكون الزيارة تلبية لدعوة من المُضيف الذى قد يكون مرتبطا بأعمال وأمور لا يستطيع التصريح بها أمام زائره، مع الالتزام في المواعيد، وانتقاء أفضل الكلمات في الحديث معه، ومن الأمور الواجب تجنبها مع الآخرين، الإلحاح فى طلب الحاجات، إذ لا يُحب الناس من يُحرجونهم، ويُحبّون من لا يربطون بين استمرار علاقتهم وتنفيذ حاجاتهم، ومن يُبدون لهم تقبّلهم أعذارهم إذا لم يُنفّذوا ما طُلب منهم.
أيضا ينبغي تجنب الغيبة والنميمة والثّرثرة، وإذا التزمت بهذه الصفات الحسنة في تعاملك مع الآخرين، ستكون أكثر رضا وراحة وسعادة.
............................................
ت.ل.ف: من الضرورى مراقبة الله في السر والعلن، بمعنى أن يعبد المرء الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه عز وجل يراه، ومطّلع عليه، وعالم بحاله، والمراقبة تعنى الخوف من الله في الخلوة إذا دعت المرء نفسه إلى المعصية، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاء فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِب وَجَمَال إِلَى نَفْسِهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَة فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعلَمْ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ.
فإذا خلوت بنفسك، ولو لحظة واحدة فإن الله معك، فلا تجعله سبحانه أهون الناظرين إليك، فإن فعلت ذلك فقد ارتكبت أمرا عظيما، وخطرا جسيما، وجرما كبيرا.
إن الله عز وجل يسمع جميع الأصوات، ويبصر كل الأشياء، فاحذر أن تغفل عن ذلك، فتختفى من الناس وتستتر عنهم لترتكب معصية، وتنسى أنه سبحانه يسمعك ويراك، قال تعالى: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً» [ النساء 108].
وقد ورد أن امرأة راودها رجل عن نفسها فأبت فأكرهها، فأرادت أن تعظه بأعظم موعظة، وهي مراقبة الله ، لأنه لم يجن هذه الجناية إلا لأنه لم يراقبه عز وجل، ونسي أنه يراه، وبعد الإجبار قالت له: أغلق جميع الأبواب، فأغلق جميع أبواب منزله، فقالت له: هل أغلقت جميع الأبواب؟ قال: لم يبق باب إلا وأغلقته، فقالت له: بقي باب مفتوح لم تغلقه! قال: أى باب؟! قالت: بقي الباب الذي بيننا وبين الله مفتوحا، ألا تخاف الله؟ فارتعد الرجل وتركها خوفا من الله الذي يراه حيثما كان، وتاب واستقامت أحواله.
إن باب الله مفتوح إلى يوم القيامة، ويجب أن تعلم أنه لا يسترك منه سبحانه ظلام ولا سحاب ولا سقف ولا غطاء، فأنت مكشوف له على الدوام.. ألا تستحي منه؟ فالاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ هو أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ، وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى.
ولو راقب كل منا ربه لاستقامت حياته، فنحن مأمورون بمراقبة الله على كل حال لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَاَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، وتذكر دائما قول الشاعر:
إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل
خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعة
ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
ولمراقبة الله ثمار عظيمة يكسب العبد بها رضا الله عنه، وهى من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات، وتعين المرء على ترك المعاصي والمنكرات، فهيا بنا نراقبه عز وجل في السر والعلن.
رابط دائم: