إذا ما بدأ موسم أعياد الميلاد واحتفالات الكريسماس، تذكر علي الفور «أسواق الكريسماس» الألمانية وتحديدا تلك التي تحتضنها العاصمة برلين، فأسواق الكريسماس الألمانية تعد الأشهر في أوروبا ومن الأقدم أيضا، إذا يقدر تاريخها بعدة قرون، وخلال تلك القرون تطورت فكرة «سوق الكريسماس» وانتشرت لتعكس أمزجة مختلفة لمواطني ألمانيا وزائريها خلال هذا الموسم الساحر.
«أسواق الكريسماس» التي تفتح أبوابها علي مدي الأسابيع الأخيرة من العام بدءا من النصف الثاني لشهر نوفمبر وحتي نهايات ديسمبر، عرفها الألمان وغيرهم من الأوروبيين في نهايات العصور الوسطي بمسمي «أسواق الشتاء»، دون التركيز علي فكرة «احتفالات الكريسماس» تحديدا.
كانت « أسواق الشتاء» تمتد لأيام محدودة وتفتح أبوابها في بدايات الفصل «الأبيض» ليلتقي السكان ويتبادلون بيع منتجاتهم من حرف يدوية ومواد أساسية سيضطرون إلي تخزينها قبيل بدء أسابيع الشتاء القارس الذي كان يتسبب في قطع الطرق وتعليق التواصل بين الأفراد. لكن من قبل قيام الدولة الألمانية رسميا في 1871، كانت المقاطعات المتحدثة بالألمانية قد بدأت تعرف فكرة «أسواق الكريسماس» التي تركز علي منتجات أعياد الميلاد من أطعمة احتفالية وألعاب ومشغولات صوفية وحرف يدوية تقليدية، وكانت مدينة «دريسدين» هي صاحبة أول سوق كريسماس رسمي في ألمانيا، تم تنظيمه اعتبارا من عام 1434، واستمر وقتها ليوم واحد لا أكثر، ليعرف علي مدي أكثر من 580 عاما باسم «اشتريزل ماركت» ويشهد كل عام إعداد أكبر كعكة كريسماس بطول يتجاوز الـ 14 مترا وفقا لوصفة تقليدية.
أما مدينة «نوريمبيرج»، ثاني أكبر مدن مقاطعة بافاريا الألمانية، فهي صاحبة أحد أشهر أسواق الكريسماس الألمانية والمعروف باسم «كريستكيندلس ماركت»، الذي يعكس السمعة التقليدية للمدينة كأحد أشهر مراكز تجارة التوابل، بتقديم أشهي المعجنات المعدة بالقرفة، وتوقف سوق «نوريمبيرج» خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ليعاد افتتاحه عام 1948، ومن وقتها يعد من الأشهر في ألمانيا، إذا استقبل 2,2 مليون زائر العام الماضي.
ووفقا لتقديرات خبراء التاريخ الشعبي في ألمانيا، فإن «أسواق الكريسماس»هناك بدأت في أوائل القرن العشرين تقدم عروضا ترفيهية وموسيقية، يركز جانب منها علي التراث والتاريخ الألماني. برلين وحدها تضم أكثر من 80 «سوق كريسماس»، وتتحول العاصمة الألمانية في هذا الوقت من العام إلي جزء من «قصة خيالية» بزينة الكريسماس المضيئة واحتفالاته في كل ركن.
الأشهر علي الإطلاق بين أسواق كريسماس برلين، هي «جيندرمين ماركت»، وشهرتها ترجع في جزء منها إلي موقعها الذي يتوسط العاصمة ويربط عددا من معالمها الشهيرة، السوق الشهيرة تفتح أبوابها لهذا العام مجانا من الساعة 11 صباحا وحتي 2 ظهرا، ويستوجب علي الزائر دفع تذكرة بقيمة يورو واحد عند الدخول من بعد الثانية وحتي منتصف الليل.
جولة سريعة داخل تلك السوق، تطلع الزائر علي عدد من أبرز الحرف اليدوية الألمانية مثل الأشغال الصوفية والمنحوتات الخشبية. منافذ البيع تنتشر علي هيئة «خيام مضادة للأمطار»، الحضور الأمني واضح خاصة عقب الاعتداء الإرهابي علي سوق «برتشايباد بلاتز» البرليني عام 2016، مسقطا 12 قتيلا و55 جريحا. ولكنه حضور غير ثقيل لا يمكن أن يفسد علي الوافد تجربته.
وذلك لا يمنع أن آثار اعتداء 2016 ما زالت حاضرة، فقد شهدت « جيندرمين ماركت» والملقبة بــ «الأفضل» بين أسواق العاصمة، إجراءات أمنية إضافية علي مدي السبت والأحد الماضيين إثر ذيوع مخاوف من تكرار الاعتداء علي سوق «بريتشايباد بلاتز»، وإن تأكد عدم صحة تلك المخاوف لاحقا، كذلك أغلقت السوق أبوابها يوم الجمعة الماضية احتراما لذكري ضحايا اعتداء 2016 وذويهم.
برلين تفتخر أيضا بسوق «سباندو» المصنفة كإحدي أكبر أسواق العاصمة وتقع بالقطاع القديم لسباندو، وتشتهر بتقديم حفلات موسيقية مبهجة،. أما سوق « لوسيا»، فحاز اسمها نسبة إلي آلهة الضوء عند دول الشمال الأوروبي وتقع في منطقة «كالتربراويري» وارتبطت بمعصرة النبيذ العتيقة التي تميز المنطقة.
رابط دائم: