مازال إميل عريان ( 54 سنة ) هو ذلك الطفل المتمرد الذى أجبره عمه على غسل وجهه فرجع ولوثه مرة أخرى نكاية فيه. كبر وجرب الدنيا وعمل فى مهن كثيرة وتجرأ على تسلق الجبال، وسقط مرة من قمة جبل عتاقة فتكسرت عظامه، لكنه لم يتدرب أبدا على الخضوع لشيء. خطب وأحب، غير أنه لم يتزوج. بقى وفيا للعيش بمفرده حتى وإن كان الثمن هو الوحدة.
يترك لقدميه زمام يومه.. يركب أية مواصلة لأية وجهة، وما إن يستقر حتى يفرش أكياسه ويبدأ فى صنع ميداليات على هيئة سمك صغير ملون، يصنعها بفرح كأنه هو نفسه سمكة ستحرك ذيلها بعد قليل فى الأيدى عوضا عن الماء. إنه لا يتحرر إلا عندما تبدأ يداه فى الحركة. ينام وهو يفكر فى الشيء الذى سيصنعه فور أن يصحو.
حتى لقد خيل إليّ، وأنا أراقبه من الوضع واقفا فى الأوتوبيس، أن يديه عضو لوحده يعمل مستقلا عنه. إميل يصبح حقيقيا عندما يعمل.
عشقه للسمك يعود إلى السبعينيات، عندما شاهد مسلسلا أجنبيا بطله دولفين، ثم ما لبث أن قفز من الشاشة إلى حياته.. أقصد أنه تأثر به لدرجة أنه أصبح واحدا من الفاعلين فى مجرى شعوره وأحلامه.
حكى لى كيف كان يغطس فى أحد الأحلام تحت الماء متقمصا روح دولفين وعندما انتهى النفس المحبوس فى صدره استيقظ من النوم. ما بين الواقع والهروب منه، ألّف إميل نسخة فانتازية من شخصيته حين تفحص باطنها تجده مزيجا من جده الشمّاس بإحدى الكنائس فى السويس والفنان الذى يجرى وراء يديه كأنها دليله إلى نفسه.
رابط دائم: