رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ألفر يد فرج..
وجذور الأب الفلسفية

نبيل فرج

والده «مرقص فرج» صاحب أول كتاب عن فلسفة «نيتشه»

قدم لقراء العربية أفكار الفليسوف الألمانى شديدة العمق

والتعقيد بشرح مبسط ولغة راقية

 



.. لم يأت ألفريد فرج بكل إبداعه المتميز من براح الموهبة وحدها ليصنع عالما متميزا من الإبداع، بل جاء ألفريد حاملا جينات أب مهموم بالثقافة والفلسفة.. ومتشبعا من تربة ثقافية خصبة أثبتت هذه القامة الإبداعية المتميزة.

ربما ألوم قليلا على تاريخنا الثقافى إهماله لتأثير الآباء والأمهات على إبداع أبنائهم، وربما اعتاد كبار مبدعينا أن تكون ذكرياتهم عن سنوات التكوين الأولى قليلة، اعتمادا على أن القارئ يبحث عن الجديد وعن إبداع الكاتب لا عن تاريخه، وهكذا ظلم التاريخ «مرقص بشارة فرج» هذا المثقف الفريد من نوعه الذى نبت فى تربته الخصبة مثقف ومبدع آخر هو «ألفريد مرقص بشارة فرج».

........................

كان الآب هو البداية كاتبا صحفيا متميزا فى عدد من الجرائد والمجلات المهمة فى عصره الزاهر بمثقفيه وكتابه بينما كان سابقا لكثير من كتاب عصره «فى الربع الأول من القرن العشرين عندما تصدى لقراءة احدث المدارس الفلسفية وقتها وأكثرها جرأة، حيث عرض لفلسفة نيتشه الفيلسوف الألمانى الكبير، قارئا وشارحا بل ناقدا أيضا، سابقا بذلك مثقفى عصره من المصريين».

فى الكتيب الصغير الذى لاتتعدى صفحاته الثلاثين يأخذ مرقص بشارة فرج القارئ المصرى ليتعرف على عالم فلسفة نيتشه، بشكل مبسط وهادئ بعيدا عن مساحات الخلاف والاختلاف الفكرى التى ربما تصدم القارئ الشرقى المتدين من أفكار فيلسوف يأتى على رأسها اتهامه بالإلحاد والعدمية واحتقار الأديان.

مرقص فرج وبمقدمة بسيطة وهادئة كتب إهداءه شديد الوضوح قائلا: «قراء هذا البلد فريقان: قراء متفهمون مستبصرون. وآخرون متفكهون متسلون. وللأولين عنيت بتأليف هذا الكتاب، فإن أرضيتهم به. فأنا أسعد الناس. وإن لم أرضهم.. كنت شقيا».

كما كانت مقدمته أيضا رسالة واضحة للقراء حيث كتب:

»لست بإخراجى هذا الكتاب للناس إلا ناقلا لقراء العربية أكبر أثر من آثار النهضة العلمية الحديثة فى أوروبا. والمعنى بالأثر هو «نيتشه» الفيلسوف الجبار الذى هز أوروبا بفلسفته هزة عنيفة حوَّلت إليه أنظار الفلاسفة والعلماء والأدباء فى جميع نواحى المعمور. ولكن الغيرة والحسد أخذا يأكلان قلوب الكثيرين. فانقضوا عليه يناوئونه بالمحاولة والتشهير ويناوئهم بالحجة الناصعة والدليل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. حتى ظهر عليهم، وانقلب كثير من خصومه أتباعا مظاهرين».

ويضيف: وقد رمى الرجل فيما رمى به بالعدمية وحب الذات واحتقار الأديان. على أن القارئ المتثبت لايرى شيئا من ذلك فى كتاباته مطلقا.

ولكن تطرفه فى الكتابة الناشئ عن أمراضه التى لازمته طوال حياته أعمى كلال النظر عن حبه للحرية المطلقة غير المقيدة بقانون، وعن احترامه الأديان وإقراره وهو ملحد بأنها تملأ المتدين سعادة وقناعة وأملا.

يبدأ مرقص فرج بعد تلك المقدمة فى تعريف القارئ بنيتشه قائلا: ولد «نيتشه» فى ألمانيا من أبوين المانيين. ومع ذلك يمقت أمته مقتا شديدا.

فهو ينعى عليها آدابها وأنظمتها وعلومها ومعاهدها وكل شىء على أرضها وتحت سمائها. ولو كان حيا وهذه الحرب الضروس كاشفة عن ساقها كاشرة عن أنيابها لكان حكمه عليها قاسيا شديدا.

ورأيت بمناسبة الضجة التى قامت حول المرأة فى العهد الأخير أن أذكر رأى «نيتشه» فى هذا الموضوع الجليل ليرى كتابنا الفضلاء حكم هذا النابغة الفذ فى قضية المرأة فيلزموا السكوت أو ينصرفوا الى مانحن إليه أحوج أما بعد. فأرجو ألا يرتاع أنصار القديم للآراء المودعة فيه. وأن يروضوا أنفسهم على تفهمه غير مغرضين. فإن للجديد روعة تهول وتذهل بادئ بدء. ثم لا يلبث أن تألفه الناس فترتاح إليه. فعسى أن يكون هذا الشأن مع ذلك الكتاب.

بعد تلك المقدمة يبدأ مرقص فرج فى تعريف القارئ بنيتشه ونشأته قائلا:

.. «ولد فردرك نيتشه» فى بلدة روخن من سكسونيا فى أواخر سنة 1844 وكان أبوه قسيساً مات بعد مولده بخمسة سنين. فارتحلت به أمه إلى نومبرج، حيث يقيم أهله وأهلها. ولم يكد يبلغ أشده حتى أُرسل إلى مدرسة ابتدائية تلقى فيها علومه الأولى. ومن ذلك الحين ابتدأت بوادر فلسفته تتراءى فى معاشرته لرفاقه التلاميذ وفى جنوحه إلى الوحدة والإنزواء فى أغلب الأحايين فظنوا ذلك منه زهداً فى الدنيا. وذكروا أن أباه كان قسيساً وقالوا إن الولد سر أبيه فسموه «القسيس الصغير» غير أن قليلين من رفقته ظنوا كبرياء ذلك الازورار فمقتوه وسخروا منه. ثم كادوا يقضمون أصابعهم ندماً على سوء ظنهم به يوم سمعوه بعد خروجه من المدرسة ببضع سنين يقول: «ما أشهى الوحدة فى عالم مثل هذا. لقد كنت منذ طفولتى لا أنشد إلا إياها».

وكان أسعد أوقاتى تلك الساعة التى ألتفت فيها يمنة ويسرة فلا أرى بشراً سواى فأنشأ أطلق لخواطرى الأعنة فى فدافد هذا السكون الشامل ليس فيه شائبة من شوائب الاجتماع.

ومن تلك المقدمة اللازمة ينتقل مرقص فرج لشرح فلسفة نيتشه بشكل بسيط قائلاً تتجه فلسفة «نيتشه» إلى غرض واحد هو ترقية النوع الإنسانى. فهو يقول صريحاً «كل شيء يساعد على ترقية الإنسان هو عندى صواب. وكل شىء يقف بالنوع الإنسانى عند حد أو يرجع به القهقرى عماية وضلال»

وسبب كرهه للأديان مرجعه هذا لأن الآداب عنده عادات واصطلاحات يتفق عليها الناس فيما بينهم ثم يختصون بعضها بالأقوياء. وبعضها بالضعفاء. مراعين فى ذلك كله حالة البلد من حيث المعيشة والطقس إلخ. ولذلك اختلفت الآداب باختلاف الأقطار. فالكرم الذى يعده العربى رأسا لجميع الفضائل لا يعده الفرنسى أو الإنجليزى أو الألمانى كذلك.

لأن هذه البلاد ليس فيها من الشمس المحرقة والصحارى المقفرة والأرض الجدباء ما فى بلاد العرب مما يستلزم قرى الضيف وإيواء أبناء السير.

ثم يشرح أفكاره فيما يتعلق برفضه للأفكار الدينية المعتادة والراسخة قائلاً ولما كانت أحوال البلدان أبدا فى تغيير تبعا لمرور الزمن وإتساع دائرة المطالب البشرية وجب أن تتغير الآداب معها. بل وجب أن تنسخ بآداب أرقى وأوفق وأكثر ملاءمة. ولا يكون ذلك إلا إذا انفصلت الآداب عن الأديان انفصالا تاما. لأن الأديان لا تقبل التغيير لما فيها من معانى القداسة والألوهية. فهى لا تقف بالنوع الإنسانى عند حد فقط بل ترجع به القهقرى كلما مرت الأجيال. ولولا ذلك لكان الفرق بيننا وبين ما نحن عليه الآن كالفرق بيننا الآن وبين ما كان عليه آباؤنا منذ مائة جيل أو يزيد.

ويضيف فى كتابه شارحا فكرة القوة التى يعبدها «نيتشه» ويسبح بحمدها فى الأصائل والبكور والغدو والرواح لها من المزايا الكبرى كل مليحة غراء تستدنى الإنسان إلى الكمال البشرى الذى ينشده الفيلسوف العظيم.

فالصراحة والصدق والإقدام والنخوة والثبات والعزيمة والشمم والعفة لا تنبت إلا حيث القوة مشدودة الأطناب ممدودة الرواق. وترى شنعاء الخلال وعوراءها كالغش والكذب والجبن والخور والخبث والمذلة والإستكانة والمراوغة والجزع والدناءة وغيرها تنشأ فى البيئة الضعيفة الساقطة كما ينشأ خبيث الحشرات فى الأقدار.

ومن هنا نشأ التباين فى المعاملات والأخلاق والميول والأهواء بين الأمم القوية والأمم الواهنة.

إن الغرض الذى ترمى إليه فلسفتى هو «أى الأمم أحق بسيادة العالم» وكل ما تقرأونه من خواطرى وأدائى يوضح السبيل إلى هذه السيادة.. وبين الشرح المبسط والعرض الوافى بقدر ما سمحت به صفحات الكتاب ينهى مرقص بشارة فرج كتابه الرائد ببعض من مقولات نيتشه الخالدة بينما ينوه إلى أن هذا الكتاب ليس سوى تمهيد لدرس فلسفة «نيتشه» المجملة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق