رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بعد زيارة جونسون لشمال إنجلترا..
«الحزام المحروم» فى انتظار هدايا البريكست

رسالة لندن منال لطفى
> جونسون خلال زيارته لشمال انجلترا بعد الفوز

لم يُضع رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون أى وقت بعد فوزه الكبير فى الانتخابات البريطانية، وتوجه ثانى يوم فوزه إلى شمال انجلترا ليشكر الناخبين هناك على «إعارتهم أصواتهم» لحزب المحافظين من أجل «تنفيذ البريكست»، متعهدا بأن يجعل «إعارة تلك الأصوات للمحافظين دائمة». وبمعايير كثيرة أحدث جونسون زلزالاً انتخابيا فى بريطانيا، فاختراق أصوات «الجدار المحروم» أو «الحائط الأحمر» فى شمال ووسط انجلترا، وهى المناطق العمالية الفقيرة التى تصوت لحزب العمال أباً عن جد، والتى يطلق عليها «الحزام المحروم» كان مقامرة كبري. لكن المقامرة نجحت بامتياز. فالمقاعد التى حصدها المحافظون فى الشمال الفقير فاقت ما خسروه فى الجنوب الثرى المؤيد للبقاء فى الاتحاد الأوروبي.

وفى دائرة «سيدجفيلد»، المقعد السابق لرئيس الوزراء الأسبق تونى بلير، تعهد جونسون بإنشاء صندوق بـ80 مليار جنيه استرلينى لتعزيز البنية التحتية فى المناطق التى ساعدته على تحقيق انتصاره فى الانتخابات، قائلاً: «سوف أرد ثقتكم...يمكننى أن أتخيل أن القلم فى أيديكم كان يتردد قبل أن تصوتوا لحزب المحافظين فى ورقة الاقتراع... أنا أعلم أن الناس ربما كسروا تقاليد عبر الأجيال للتصويت لنا». وتابع:«لا أحد يريد انتخابات فى الفترة التى تسبق عيد الميلاد، ولكن ما هو الشيء المذهل الذى قمت به...لقد غيرت المشهد السياسي. لقد غيرت حزب المحافظين للأفضل، وقمت بتغيير مستقبل بلدنا للأفضل. أود أن أشكر جميع سكان سيدجفيلد ، وبيشوب أوكلاند، وسكوتون ساوث، ودارلينجتون - حيث جاء أجدادى ، كما تبين - شمال غرب دورهام ، وبليث فالي، وريدكار»، مشيراً لعشرات المدن فى شمال ووسط انجلترا التى صوتت للمحافظين لأول مرة فى تاريخها.

وبعد عقود من الإهمال والتراجع وضعف الاستثمار، يجد جونسون نفسه مضطراً للتحرك بسرعة لإقناع الناخبين فى شمال ووسط انجلترا انهم كانوا على حق عندما هجروا عقودا من التقاليد السياسية وصوتوا لأول مرة لحزب المحافظين. ولدى الحكومة نحو 80 مليار جنيه استرلينى قالت خلال الحملة الانتخابية إنها ستخصصها لدعم وسط وشمال انجلترا. وسيتم تخصيص عشرات المليارات فى الميزانية الأولى لإدارة جونسون على مشروعات ترمى لتعزيز وضع مدن وسط وشمال انجلترا، بما فى ذلك «صندوق المدن» وبرنامج «رأس المال الثقافي»، بالإضافة إلى مخططات الطرق والسكك الحديدية.

لكن المسألة ليست فقط انفاق أموال طائلة، فالاتحاد الأوروبى وحكومات عمالية سابقة انفقت من قبل لتحسين الأوضاع فى شمال انجلترا لكن بلا نتائج كبيرة تذكر.

فالفجوة فى بريطانيا بين الشمال والجنوب هائلة وازدادت اتساعا على مدى عقود عندما فقدت المدن الساحلية التى كانت موانئ تجارية نشطة مثل «ستوك» و»بوجنا ريجيس» و«بولموث» أهميتها، وفقدت المدن الصناعية مثل نيوكاسل وسندرلاند وشيفيلد وبريستول مكانتها تدريجيا منذ السبعينيات. بينما تحولت لندن وجنوب انجلترا لمركز مالى عالمى وقلب لاقتصاد الخدمات الذى يدر 80% من الناتج القومى البريطاني.

لا شيء نخسره

تصويت «الحائط الأحمر» لجونسون هو استكمال منطقى وطبيعى لمسيرة كان لا يمكن أن تقف فى منتصف الطريق. فمن صوت للبريكست 2016 ليس لديه سبب قوى لعدم التصويت للمحافظين فى 2019 طالما وعدوا بتنفيذ البريكست وطالما أن الناحبين هناك يعتقدون ان الخروج من التحاد الأوروبى سيعيد للمدن مجدها الغابر.

وحول مائدة فى مطعم شعبى للسمك المقلى والبطاطس فى «بوجنا ريجيس»، على بعد 100 ميل تقريبا من لندن، كان ثلاثة متقاعدين يتبادلون أطراف الحديث حول الانتخابات والتصويت لحزب المحافظين. وتوضح لويز، وهى سيدة فى نهاية السبعينيات من عمرها صوتت لجونسون ،إن الأوضاع فى المدينة تعنى أنه ليس هناك بدائل أخري: «نحن نصوت لحزب العمال منذ عقود ولم يحدث أى شيء. المشكلات يتم نقلها من حكومة لأخرى دون حل. إذا صوتت للبريكست 2016 ستجد أنه لا مفر من التصويت للمحافظين لأن العمال لم يكونوا ملتزمين بالبريكست».

وبرغم المرارة التى يشعر بها البعض من التصويت للمحافظين فإن الخيارات كانت ضئيلة أمام الناخبين. وتوضح لويز: «لم يكن من السهل التصويت للمحافظين لأنهم منذ سياسات مارجريت ثاتشر هم مسئولون عن هدم الصناعات البريطانية وتحويل الاقتصاد لنظام مالى وخدماتى فقط. كما ان حكومات محافظين هى المسئولة عن أسوأ سياسات تقشف خلال السنوات العشر الماضية، لكن طالما فشل العمال فى تغيير أى شيء للأحسن بالرغم من أننا ننتخبهم منذ عقود، أعتقد أنه آن الآوان أن يتحمل المحافظون العبء ولأنهم سبب الكثير من المشكلات من الأساس، فقد يكونوا أقدر على حلها».

ورغم أن الكثيرين يترقبون «هدايا البريسكت»، فإن الناخبين فى تلك المناطق يدركون أن الأمور لن تسير دون مطبات.

فجولة النصر التى قام بها جونسون وفريقه فى بعض مناطق الشمال كشفت تضاريس جغرافية واقتصادية وديموجرافية لن تجعل عودة تلك المدن لمجدها القديم مسألة سهلة أو سريعة.

فالكثير من هذه المناطق يعانى نقصا حادا فى الاستثمارات منذ عقود، وبسبب ضعف الاسثمارات وقلة العمل هجر الكثير من الشباب تلك المدن وبالتالى غالبية من يعيشون بها هم من متوسطى وكبار السن. كما انه بسبب ضعف الاستثمار الحكومى تعانى مدارسها سوء المستوى اجمالاً ولكى تستطيع أن تجذب صناعات واستثمارات لتلك المناطق، عليك أن تجذب مستثمرين جددا وتدرب الشباب وتنفق المليارات على البنية التحتية فى المواصلات والانترنت. وحتى إذا كان لدى الحكومة الأموال والرؤية، فإن الوقت عنصر مهم. فالكثير من هذه المشروعات تأخذ أعوام طويلة حتى تتبلور على الأرض ويبدأ السكان فى جنى ثمارها أو الشعور بفوائدها. بعبارة أخرى قبل أن تجنى جنيها واحدا عوائد لتلك الاستثمارات المرجوة ،عليك ان تنفق أولاً 100 جنيه فى مدارس وجامعات أفضل، ومستشفيات أحسن، وطرق ومواصلات وانترنت أفضل.

ثورة التوقعات

إذن حول حزب المحافظين نفسه لحزب عمالى والتهم مقاعد الشمال التى صوتت للبريكست ،وتقف بريطانيا أمام خريطة سياسية جديدة ومناطق لم يدخلها حزب المحافظين فى تاريخه. وكل هذا سيعيد تعريف حزب المحافظين نفسه، كما سيعيد تعريف حزب العمال الذى فقد البوصلة تماما ولم يعد يدرك هويته ولا ايديولوجيته وهل هو حزب الطبقة الوسطى الليبرالية الكوزموبوليتان فى الجنوب أو حزب الطبقات العمالية فى الشمال.

وأمام سؤال كيف سيتعامل جونسون مع ثورة التوقعات و«حجم الآمال» ؟يبرز سؤال كيف سيتعامل جونسون مع البريكست نفسه؟ هل سيتعامل معه كمشروع ايديولوجى أو بنهج براجماتي؟

وتشير كل الأدلة إلى انه سيميل للنهج البراجماتى وهذا سيظهر بوضوح مع التغيير الحكومى واسع النطاق الذى سيجريه جونسون مطلع العام المقبل. فالاحتفاظ بشخصيات مثل مايكل جوف وإعادة شخصيات مثل جيرمى هانت، والتخلص من شخصيات مثل دومنيك راب وبريتى باتال سيكون دليلاً على تعامل براجماتى مع البريكست ربما يؤدى لبريسكت ناعم تبقى فيه بريطانيا على علاقات وثيقة مع الاتحاد الاوروبى حتى بعد الخروج الرسمي. فجونسون لا يريد ان يحكم بريطانيا فقيرة لأن هذا سيكون بداية متاعب كبيرة له. وبالتالى التحدى الأساسى بالنسبة له ان يُنفذ البريكست لكن دون أن ينتج عن ذلك تغيير جذرى فى الوضع الاقتصادى فى بريطانيا نحو الأسوأ، وهذه هى المعادلة الصعبة، فالخروج من الاتحاد الاوروبى وفرض أى نوع من القيود الجمركية بين بريطانيا وشركائها الأوروبيين قد يكلف الاقتصاد البريطانى كثيرا مما يجعل «هدايا البريكست» مثل «هدايا بابا نويل» فى الكريسماس مجرد أساطير!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق