رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل بدأ «العصر الجليدى» للدبلوماسية العالمية؟

إيمان عارف

منذ قرن تقريبا، كتب الدبلوماسى البريطانى هارولد نيكلسون بعد مؤتمر باريس للسلام 1919 عقب الحرب العالمية الأولى، أن دبلوماسية الهواة تقود إلى الارتجال، وأنه لا يوجد شيء أكثر خطورة على العلاقات الدولية من اللقاءات الشخصية بين قادة العالم، وهى القناعة التى توصل إليها فى ظل الأطر والمعطيات السياسية السائدة فى تلك الفترة، والتى كان من أبرزها انعقاد القمم الدبلوماسية عقب انتهاء الحروب والنزاعات، ومن خلالها كان يتم تشكيل مستقبل دول وقارات بأكملها.

ولكن اللافت، أنه بعد مرور قرن تقريبا على كتابة هذه الملاحظات، يبدو أن الوضع لم يتغير كثيرا، بدليل الاتجاه الحالى - الذى يعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أبرز أمثلته - من توجه عدد كبير من قادة العالم لإدارة السياسة الخارجية من خلال وسائل التواصل الاجتماعى مثل تويتر وانستجرام وواتس آب، فترامب على سبيل المثال يرتجل الدعوة لعقد قمم مع الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون، ويغرد بعبارات حادة لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان، ويعلق على أداء الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا إن المستقبل لا ينتمى للعولمة، والأمثلة لا تنتهى، بينما على الجانب الآخر من الأطلنطى يعلق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على بيانات قمة السبع الكبار بأن «لا أحد يقرؤها».

هذه الأمثلة وغيرها دفعت دورية «بوليتيكو» الأمريكية المعنية بالقضايا السياسية والدبلوماسية لطرح تساؤل منطقى حول دور الدبلوماسية التقليدية أو المحترفة فى مواجهة ثورة الاتصالات فى العصر الحالى، وهل سيتراجع هذا الدور فى مقابل الميل الواضح لتفضيل اختيار شخصيات مسيسة أو قادمة من عالم المال والأعمال لتتولى مناصب قيادية فى العمل الدبلوماسي؟ وهل الوضع الحالى يمكن وصفه بـ»العصر الجليدي« للدبلوماسية، خاصة أن نسبة واسعة من الدبلوماسين المخضرمين أو المحترفين ممن يمتهنون هذا المجال يشعرون الآن بقدر كبير من الاستبعاد أو التهميش فى ظل عصر دبلوماسية اللقاءات الثنائية.

هنا يشير أحد كبار المسئولين بالخارجية الأمريكية إلى أن الدبلوماسية التقليدية فى طريقها لأن تصبح شيئا قديما مهجورا، وهو أمر مقلق، ولكن الأكثر إثارة للقلق أنه يجد تقبلا لدى البعض، فليس كل شخص فى واشنطن أو لندن أو بروكسل يعتقد بأن هذا التطور أمر سيئ بل مجرد قضية جدلية تقبل النقاش، ومع ذلك فالإجابة على مثل هذا التساؤل تبدو ضرورية فى ظل التناقضات التى تظهر بين الحين والآخر، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبى جوردون سوندلاند الذى مثل أمام لجنة الاستماع بالكونجرس مؤخرا لتوضيح دوره فى أزمة أوكرانيا، فقد كانت هناك حالة من التندر وربما الشماتة فى بروكسل حيال ذلك، والسبب تلميح البعض بأن مهمته كانت تدمير الاتحاد الأوروبى وليس تدعيم العلاقات معه، بما يناقض مهمته كدبلوماسى.

هذا التناقض بين أساليب سوندلاند واستراتيجية الدبلوماسيين المحترفين فى التصرف بحكمة واحتواء، ألقى الضوء على الجوانب السلبية لميل الرئيس ترامب لتهميش دور أبناء المهنة لمصلحة السياسيين ورجال الأعمال المعينين من قبله، المستعدين لتنفيذ طلباته دون مناقشة. وهنا تشير رابطة أمريكية تضم العاملين بالسلك الدبلوماسى إلى أن 45% من أصل 166 سفيرا رشحهم ترامب هى ترشيحات سياسية، مقابل 55% من الدبلوماسيين المهنيين، وهى نسبة مرتفعة مقارنة بما كان يحدث فى ظل إدارات أوباما وبوش وكلينتون، حيث كانت هذه النسبة 30%، رغم التحذيرات من أن العمل الدبلوماسى لا ينبغى أن يتم تسييسه.

ولكن يبدو أن هذا التحذير جاء متأخرا، وربما لم يجد آذانا صاغية، فعلى سبيل المثال، خفض ريكس تيلرسون أول وزير خارجية فى إدارة ترامب ميزانية الخارجية إلى الحد الذى دفع رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى الكونجرس إلى القول إن الإدارة تنفق على ميزانية الجيش والاستخبارات أكثر من 20 ضعف إنفاقها على الدبلوماسية، واصفا ما يحدث بأنه سوء إدارة بالتأكيد، أما خليفته مايك بومبيو الذى تعهد لدى توليه المنصب عام 2018 بأنه سيعيد للوزارة مكانتها فلم يغير شيئا للأفضل فيما يخص العاملين بها، الأمر الذى دفع ويليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأسبق لأن ينتقد فى مذكراته التى صدرت فى يونيو الماضى أسلوب استراتيجية الصدمة والرعب الذى يتبعه ترامب فى القضايا الدولية فى مواجهة معالجة الدبلوماسية المحترفة للأزمات الدولية.

والواضح أن هذه المخاوف لا تنتاب المهتمين بالشأن الأمريكى فقط، فالقلق يظهر على السطح فى بريطانيا مع مأزق البريكست وما سيترتب عليه من تداعيات اقتصادية ستؤثر حتما على ميزانية هذا القطاع الذى يعمل جاهدا على تحديث نفسه والتكيف من أجل البقاء فى عصر تسيطر عليه ثورة الاتصالات، وهو ما دعا توم فليتشر الدبلوماسى البريطانى المخضرم إلى الدعوة لإجراء تطوير ثورى فى مهنة أثقل كاهلها بالوسائل الإجرائية كعقد القمم وإصدار البيانات وغيرها من أساليب عمل وضعت منذ نهاية القرن التاسع عشر فى ظل ظروف ومعطيات دولية مختلفة تماما، وهو أمر أصبح متفقا عليه فى بروكسل عاصمة الدبلوماسية الأوروبية، فالتنبؤات بتراجع دور الدبلوماسية أصبحت أكثر وضوحا الآن بالتوازى مع التراجع الثابت فى ميزانية وزارات الخارجية بالمقارنة مع ملفات دولية أخرى كالتجارة والتكنولوجيا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق