رئيس الوزراء يعلن ميلاد «فجر جديد»..وكوربن فى وجه العاصفة..واستقالة زعيمة الأحرار الديمقراطيين
أكد رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون ميلاد «فجر جديد» للبلاد، وذلك بعدما حقق فوزاً كاسحاً فى الانتخابات العامة هو الأكبر لرئيس وزراء محافظ منذ زمن رئيسة الوزراء الراحلة مارجريت تاتشر 1987. ونال حزب المحافظين 364 مقعداً، بزيادة 47 مقعداً عن انتخابات 2017، مقابل 203 لحزب العمال، بتراجع 59 مقعداً، فيما حصل الحزب القومى الأسكتلندى على 48 مقعداً، والأحرار الديمقراطيين على 11 مقعداً، مقابل 8 مقاعد للحزب الديمقراطى الأيرلندي، و15 مقعداً للمستقلين.
وصرح جونسون، وسط أنصاره بعد إعلان النتائج: بأنه سيعمل دون توقف من أجل رد ثقة الناخبين، قائلا: «سننجز البريكست فى الوقت المحدد بحلول 31 يناير بدون أعذار أو تحفظات أو احتمالات». وتعهد جونسون، الذى أصبح لديه غالبية 78 مقعداً فى البرلمان، بقيادة ما أسماه «حكومة الشعب» بعدما أنزل بحزب العمال المعارض أسوأ هزيمة له منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.
وأضاف أن هذا التفويض الجديد القوى يمنح هذه الحكومة الجديدة فرصة احترام الإرادة الديموقراطية للشعب البريطاني. كما تعهد جونسون، الذى أعيد انتخابه فى دائرة «أكسبريدج وويست رايسليب» بغرب لندن، بحماية نظام الرعاية الصحية وتنفيذ وعوده الانتخابية، قائلاً لمن صوتوا له: «لن نخذلكم» وأكد أن إنجاز البريكست يفترض أن يسمح بطى الصفحة والعمل على أولويات البريطانيين مثل قطاع الصحة والأمن والبنى التحتية.
وقابل جونسون الملكة اليزابيث الثانية فى قصر باكنهجام، حيث كلفته بتشكيل الحكومة الجديدة. ومن المقرر أن يجرى جونسون تعديلاً ثانوياً على حكومته بعد غد الأثنين، لكن التعديل واسع النطاق فى الحكومة لن يتم إلا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى رسمياً بنهاية يناير المقبل. وسيبدأ النواب الجدد مهامهم اعتبارا من الثلاثاء المقبل، وسيقدم لهم جونسون برنامجه التشريعى عبر الخطاب التقليدى للملكة الخميس. وقالت مصادر «دواننج ستريت» إن جونسون يريد تمرير اتفاقيته للبريكست بحلول الجمعة المقبلة.
وصوت الناخبون البريطانيون بأغلبية كبيرة لجونسون الذى تعهد تنفيذ البريكست وإنهاء التقشف وتعزيز الانفاق على نظام الرعاية الصحية وتعزيز الأمن وتقييد الهجرة وعدم رفع الضرائب.
ومع إغلاق صناديق الاقتراع وبدء ظهور النتائج الأولية وضح أن مانفستو حزب المحافظين لاقى دعماً كبيراً فى المعاقل التقليدية لحزب العمال فى شمال انجلترا، حيث خسر الحزب بزعامة جيرمى كوربن دوائر تُصوت له منذ عقود ومن بينها ويجن، ودارلينجتون، وويريكنجتون، وبيشوب اوكلاند، وستوك اون ترانت. وحتى فى جنوب انجلترا تمكن المحافظون من استعادة السيطرة على مقاعد مهمة على رأسها «إيشر» جنوب لندن، حيث فاز وزير الخارجية دومنيك راب بفارق ضئيل. أيضا تمكن الرئيس السابق للحزب آيان دنكان سميث من الفوز فى دائرته «وودجرين» بعد منافسة ضارية مع مرشحة حزب العمال فايزة شاهين.
فى المقابل، شكلت النتائج ضربة قاسية لحزب العمال وزعيمه جيريمى كوربن (70 عاما). وأعرب كوربن عن شعوره بخيبة أمل كبيرة، قائلاً إنه لن يقود الحزب إلى الانتخابات المقبلة. وعبر عن أمله فى أن يبدأ حزبه التفكير فى نتيجة الاقتراع وسياسته المستقبلية. ورفض كوربن، الذى أعيد انتخابه كنائب للمرة العاشرة فى دائرته اللندنية ايسلنجتون، تحديد موعد مغادرته لمنصبه على رأس حزب العمال.
وإذا كان جونسون هو المنتصر الأول بعد اعلان تلك النتائج الكبيرة، فإن زعيمة الحزب القومى الأسكتلندى نيكولا ستورجين كانت ثانى أكبر المنتصرين بعدما عززت عدد مقاعد حزبها من 35 مقعداً إلى 48 مقعداً. واعتبرت ستورجين أن فوزها الكبير بمثابة تفويض من الشارع الأسكتلندى لمطالبة برلمان ويستمنستر بالموافقة على إجراء استفتاء شعبى ثان لانفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. وقالت ستورجين، أمام أنصارها أمس، إن جونسون لا يستطيع أن يجبر اسكتلندا على مغادرة الاتحاد الأوروبى على الرغم من إرادة الاسكتلنديين. وكانت غالبية 62% من الاسكتلنديين قد صوتت لصالح البقاء فى الاتحاد الأوروبى فى استفتاء 2016.
وأخذاً فى الاعتبار أن البريكست هو الأولوية الأساسية لجونسون فمن المؤكد أن يتواجه جونسون وستورجين حول مسألة استفتاء استقلال اسكتلندا. وأعلن رئيس الوزراء من قبل رفضه موافقة البرلمان فى ويستمنستر على طلب الحكومة الاسكتلندية إجراء استفتاء ثان للاستقلال، إلا أن هيمنة الحزب القومى الاسكتلندى على المشهد السياسى فى اسكتلندا قد تصعب خيارات جونسون خلال الفترة المقبلة.
وإلى جانب كوربن، عانت جو سونسون زعيمة حزب الأحرار الديمقراطيين من نتائج سيئة، وخسرت حتى مقعدها فى اسكتلندا أمام مرشحة تنتمى للحزب القومى الأسكتلندي. وأعلنت سونسون استقالتها من منصبها وسيتولى نائبها، اد ديفي، الذى انتخب عن دائرة «كينجستون وسرابتون» إدارة الحزب بشكل انتقالى حتى يتم انتخاب زعيم جديد فى مطلع العام المقبل. وتعيد النتائج تشكيل الخريطة السياسية فى بريطانيا على نحو جذري، فمعاقل العمال فى شمال انجلترا أو «الحائط الأحمر» كما تسمى تحولت كلها تقريبا للون الأزرق وصوتت للمحافظين بكثافة غير مسبوقة.
وقال جون كيرتس، أبرز متخصصى استطلاعات الرأى فى بريطانيا: إن الانتخابات تكشف أن حزب العمال أصبح أقوى فى مدن الجنوب الثرية منه فى الشمال الصناعي، بينما جنى المحافظون مكاسب لم تكن متصورة قبل أشهر قليلة وسط الطبقات العمالية والفقيرة. وأكدت النتائج تراجعا واضحا للعمال فى معاقلهم التاريخية، حيث خسر العمال فى دوائر صوتت للبقاء فى الاتحاد الاوروبي، كما خسروا فى دوائر صوتت لمغادرة الاتحاد الاوروبي. ودفع هذا كثيرين إلى الإعراب عن اعتقادهم بأن المشكلة لم تكن فحسب فى موقف حزب العمال من ملف البريكست، وانما شخصية جيرمى كوربن نفسه. ورفض جون ماكدونالد وزير الخزانة فى حكومة الظل مناقشة مصير كوربن فوراً، إلا ان هناك عددا من الأسماء التى بدأت فى الظهور لخلافة كوربن عندما يستقيل ومن بين هذه الأسماء النائبات ربيكا اولدبيلي، وجيسى فيليبس، وأميلى ثورنبيري. وخلال الحملة، وعد جونسون (55 عاما) بعرض اتفاق البريكست على النواب قبل عيد الميلاد بهدف تنفيذ بريكست فى الموعد المحدد فى نهاية يناير. وهذا الموعد كان مقررا أساسا فى 29 مارس الماضى لكنه أرجئ ثلاث مرات. وحصل جونسون على دعم من حزب بريكست بزعامة نايجل فاراج، بعدما انسحب من مئات الدوائر لتجنب تشتت أصوات مؤيدى بريكست. لكن مقابل هذا تشتت أصوات معسكر البقاء بين عدة أحزاب على رأسها العمال والأحرار الديمقراطيين والخضر والقومى الاسكتلندي. كما فشلت استراتيجية «التصويت التكتيكي» فى منع المحافظين من تحقيق انتصار كاسح. ووفقاً للإحصاءات، فإن العمال والاحرار الديمقراطيين بخوضهما السباق على نفس الدوائر فتتا أصوات معسكر البقاء فى الاتحاد الأوروبى مما أدى الى انتصار مرشحى حزب المحافظين.
وتقضى الانتخابات بذلك على حلم إجراء استفتاء شعبى ثان على البريكست مع هزيمة العمال القاسية وإخفاق الأحرار الديمقراطيين المرير. كما تقضى أيضا على حزب البريكست، الذى أخفق فى الفوز بأى مقعد والذى سيصبح وجوده بلا مغزى بعد تنفيذ البريكست مطلع العام المقبل.
رابط دائم: