يقدسونها فى مناطق كثيرة، غرب، ووسط، وجنوب إفريقيا، حتى من قبل أن يروا صورتها مرسومة على سفن الغزاة. وازداد اقتناعهم بوجودها، وبقوتها عندما سمعوا الحكايات التى يرويها عنها بحارة السفن المغامرة والسفن الغازية، وعن الكيفية التى أنقذتهم بها من الغرق، ومن الرياح العاتية التى كادت تعصف بسفنهم. لم يكن الأمر يخلو من مبالغة فى تصويرهم لظهورها المباغت لهم، ولاختطافها بعض البحارة إلى عالمها الساحر فى عمق المياه، ثم إعادتهم ليزدادوا قوة وثراء خلال فترة وجيزة. الشيء المثير للدهشة هو أن الحكايات عنها من قبل التجار لم تنته، يتناقلونها عبر القارة من السنغال حتى زامبيا. تتعمق أهمية وجودها الروحى لتجذر أسطورتها فى الثقافة والمعتقدات القديمة خاصة فى الشريط الساحلى لجنوب شرق نيجيريا. يطلقون عليها الكثير من الأسماء، ولكن أكثرها شهرة مامى واتا، وهى مشتقة من الإنجليزية مامى ووتر mammy water «أمنا المياه».
...........................
تظهر فى الصور بنصفها العلوى على هيئة أنثى، وينتهى نصفها السفلى بالزعنفة الذيلية لسمكة، وحول جسدها يلتف ثعبان كبير الحجم. وهى مصدر إلهام لكثير من الفنانين التشكيليين، وتتخذ رسوماتها أشكالا متباينة، أحيانا تكون انسيابية الشعر، وفى حالات أخرى تكون مجعدة. تحمل بين يديها أشياء رمزية مثل العملات والمرايا والساعات، المعبدالمخصص لها فى بعض البلدان الإفريقية يكون مزينا بزخارف هندية وأيقونات، ومباخر. محبوها ومريدوها من النيجيريين يرتدون الملابس باللونين الأبيض والأحمر تعبيرا عن الطبيعة المزدوجة لمامى واتا، التى تقابل الطبيعة المتقلبة للماء. فاللون الأبيض كرمز للأنوثة والرخاء والطهارة والنقاء الروحى، بينما اللون الأحمر كرمز للرجولة والقسوة والدمار والموت. فى إحدى القرى النيجيرية المطلة على نهر أويميه الذى يجرى فى دولتى بنين ونيجيريا ويصب فى المحيط الأطلسى، تتجمع مجموعة من النساء من عشاق ماما واتا ومريديها بملابسهن البيضاء الفضفاضة، يرقصن وينشدن لها على دقات الطبول فى انتشاء واستغراق شديدين، بقناعة روحية بأن من تتلبسه روح ماما واتا سوف يشفى إذا كان مريضا أو سيغتنى إذا كان فقيرا. وعلى ضفاف النهر يلقى فى مياهه بالأشياء التى تحبها ماما واتا، الحلوى، والعسل، والكحول. تذبح القرابين فى الحالات التى تنقلب فيها الأحوال المعيشية. يعرفون عنها طبيعتها المزدوجة التى تجمع بين نفحاتها الطيبة من خير وعطاء، وبين نزعتها الشريرة عند الغضب، فتغرق الأطفال، وتدمر البيوت وتتلف المحاصيل بالفيضان. فى أحد الأفلام التسجيلية عن عشاق ماما واتا فى غرب إفريقيا، ظهر فى الكادر إحدى السيدات، وكانت ترتدى الزى الأبيض التى قالت عنه إنه اللون المفضل عند ماما واتا. وكانت تتكلم بحماس شديد وانشراح، بأنها طيبة مع الطيب الذى يحبها ويفعل الخير، وقاسية مع الذى يغضبها بأفعاله الشريرة. وعندما سئلت السيدة عما إذا كانت هناك أى دلالات على ظهور ماما واتا. أجابت بأنهم يعرفون بوجودها قرب السطح عندما يطفو السمك، وهم لا يصيدون ولا يتغذون على هذا النوع الطافى من السمك. تقول أيضا إن ماما واتا تأتيها فى الأحلام وترشدها إلى عمل الخير، وأن أحوالها المعيشية فى ازدهار دائم، لأنها عندما رغبت فى رؤيتها بشدة على أرض الواقع، ذهبت إلى النهر ورأتها.
أما على ضفاف زامبيزى فهناك أسطورة أخرى للنهر. ونهر زامبيزى هو رابع أطول نهر فى إفريقيا، بعد نهر النيل، ونهر الكونغو، ونهر النيجر. يبدأ النهر تدفقه من زامبيا، مارا بأنجولا، زمبابوى، ناميبيا، بوتسوانا وموزمبيق. ليصب بعد ذلك فى المحيط الهندى. تعترض طريقه الجبال، خلالها تتجمع المياه لتسقط كشلالات تزيد من تدفق وسرعة سريان النهر. يجتذب النهر العديد من الطيور من أشهرها البجع ومالك الحزين، ومن الحيوانات الثديية على ضفافه، الجاموس، والحمر الوحشية والزراف، وبداخل مياهه تنوع هائل من الأسماك، من أغربها السمك الأصفر، وأسماك القرش الزامبيزية، كما يؤوى النهر مجموعة كبيرة من أفراس النهر، والتماسيح، وسحالى الورل. ولروعة المشاهد الطبيعية ولثراء التنوع النباتى والحيوانى، يأتى السياح من جميع أنحاء العالم لجولات السفارى بالمنطقة، وللتنزه بالقوارب. بطول النهر شيدت مجموعة من السدود، أضخمها سد كاريبا بين زامبيا وزمبابوى، وهو يوفر الطاقة لكلا البلدين، وسد كاهورا باسا فى موزمبيق الذى يولد الطاقة الكهربية لموزبيق وجنوب افريقيا. كما يتميز النهر بشلالات فيكتوريا الشهيرة، وشلالات فوشوما التى تقع على الحدود بين زامبيا وأنجولا.
أما إلهة نهر زامبيزى فيسمونها nyami nyami أو تنين النهر غالبا ما تصور بهيئة كائن يشبه التنين وأحيانا برأس يشبه السمكة وجسد الثعبان. والسياح فى زامبيا يتهافتون على شراء العصى الأنيقة من العاج أو الأبنوس المنحوت عليها نيامى نيامى.. المنحوتات المنقوشة عليها نيامى نيامى سواء على الحجارة أو الخشب والفضيات والذهب لجلب الحظ. وهى مقدسة عند قبيلة تونجاTonga people Ba الذين يستوطنون وادى الزامبيزى. ظلوا لقرون طويلة يتباركون بها وبعطائها وكانوا يعيشون فى سلام. ولكن نسف سلامهم عام 1956 مع الشروع فى إنشاء سد كاريبا. تزلزلت أرض الوادى بالجرارات الثقيلة، تدفق العمال على المكان، انتزعت آلاف الأشجار المعمرة، ونصحوا المواطنين بالنزوح من الوادى حتى لا تغرقهم المياه التى تفيض من السد. وبالفعل نقلوا حاجياتهم وتحركوا إلى منطقة مجاورة أكثر ارتفاعا. كانوا من مكانهم يترصدون ما يجرى تحت أعينهم من هدم للمكان الذى تستوطنه نيامى نيامى وكانوا على ثقة بأنها لن تسكت على ما يجرى. وبأنهم عاجلا أو آجلا سيرجعون. الشيء الغريب والمدهش أنه فى عام 1957 والسد فى طريقه للاكتمال اجتاحت زامبيزى موجة فيضانات عارمة ومدمرة لم يشهد النهر مثيلاتها من قبل. انجرفت المعدات وانهدم الجزء من السد الذى تم تشييده ومات العديد من العمال. لم تظهر الجثث. وعندما استدعى شيخ القبيلة لأخذ المشورة. أوضح لهم أنها لعنة نيامى نيامى قد حلت عليهم. وأن جثامين الضحايا لن تظهر قبل التصالح معها بذبح عجل صغير، فى اليوم التالى لذبج العجل الأسود اختفت جثة العجل، وطفت جثث الضحايا. اختفاء العجل له ما يبرره لوجود التماسيح بالنهر، لكن ظهور الجثث بهذه الطريقة كان لغزا محيرا للمفسرين. فى العالم التالى حدث فيضان آخر أكثر عنفا. ومع ذلك ظل السد يقاوم حتى تم بناؤه وهو يمد زمبابوى وزامبيا بالكهرباء.
وعلى ضفاف نهر النيجر نتقابل مع الإلهة أويا oya فى أساطير اليوروبا فى نيجيريا. هى الروح المحاربة التى من خلالها تتجسد القوة المحركة للرياح، والعواصف، والرعد، واهتزازات الأرض، كما أنها رمز للخصوبة والرخاء. ونهرالنيجر هو النهر الرئيسى فى غرب إفريقيا، ويعتبر ثالث أنهار القارة الإفريقية فى الطول. بعد نهر النيل والكونغو. ويمر عبر غينيا ومالى والنيجر وبنين ونيجيريا. وسد كينيج فى نيجيريا، أحد المشروعات المهمة على النهر لتوليد الطاقة الكهربية. وعلى ضفتى النهر توجد مساحات هائلة من الأراضى الزراعية، كما تمارس العديد من الأنشطة التجارية، والسياحية.
فى حوض نهر الكونغو ثانى أكبر نهر فى العالم ومن أكثرها عمقا. ويعتبر من أقوى الأنهار فى إفريقيا. يعيش كائن يسمونه Mokele-mbembe وتعنى فى الفولكلور الشعبى من له القدرة على وقف سريان النهر. وتباينت الآراء حول أصل الأسطورة، لأنه من حين لآخر كان يخرج على الناس من يؤكد رؤيته لموكيلى مبيمبى. وتشير الأسطورة إلى أن موكيلي- مبيمبى يسكن فى حوض نهر الكونغو وتختلف الروايات فى وصفه بجسد فيل ورقبة زرافة ورأس صغير، نصفه السفلى فيل والعلوى تنين، وهناك من يصورونه على أنه يشبه وحيد القرن. وحكاياته تغطى حقبة زمنية طويلة، ومتداولة فى الفولكلور الشعبى على نطاق واسع.
رحلات استكشافية عديدة اتجهت إلى إفريقيا للبحث عن تلك الكائنات الغريبة، ليس لأن الأساطير والحكايات الشعبية تتداولها، ولكن لأن العديد من الصيادين كانوا يؤكدون رؤيتهم لها. وبالفعل وجدوا كائنات نهرية ضخمة بأشكال لم يألفوا رؤيتها من قبل. ولقد خرجت مجموعة من الكتب ومن التقارير حول هذا الموضوع. من أوائل هذه الكتب ما كتبه أحد المبشرين الفرنسيين فى الكونغو بونا فنتير Bonaventure1776 أنه رأى بعينه آثار أقدام مخلبية لكائن عملاق ديناصورى. لتتوالى بعد ذلك التقارير عن مشاهدة مخلوقات تشبه الديناصور، حتى إن الاعلام والصحف تدولوا الخبر الذى أصبح مثار جدل كبير 1911. لكن ما حدث للبعثة الأمريكية 1920 فهو شيء يصعب تصديقه. كانت من مهام البعثة جمع عينات نباتية وحيوانية وتصوير الداخل الإفريقى وكان يصاحبهم طاقم تصوير من شركة يونيفرسال لصناعة الأفلام. عثروا فى جولاتهم على آثار لكائنات ضخمة على ضفتى النهر وسمعوا هدير أصوات مخيف يأتى من داخل المستنقعات. انتهت المهمة بمأساة عندما انقلبت بهم عربة القطار الذى استقلوه هربا من الفيضان الذى أغرق المنطقة. وهى المنطقة نفسها التى ادعت قبيلة كاملة برؤيتهم للكائن الديناصورى.
رابط دائم: