«سأصير يوما ما أريد.. سأصير يوما طائرا، وأسلّ من عدمى وجودي.. كلّما احترق الجناحان اقتربت من الحقيقة، وانبعثت من الرماد.. أنا حوار الحالمين، عزفت عن جسدى وعن نفسى لأكمل رحلتى الأولى إلى المعني، فأحرقنى وغاب.. أنا الغياب.. أنا السماويّ الطريد».. هكذا صار شاعر القضية الفلسطينية الأشهر محمود درويش فى وجدان الملايين من محبيه، كملهم رئيسى للحالمين المطاردين للحب والحرية، والباحثين عن معنى الحياة. يعود صاحب «ذاكرة النسيان» لدائرة الضوء بقوة مرة أخرى رغم مرور أحد عشر عاما على وفاته عبر إصدارين جديدين يكشفان جوانب خفية فى حياته وإبداعه وشخصيته.
فقد صدر أخيرا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية فى بيروت كتاب مقالات «اليوم السابع» الذى يضم المقالات التى كتبها درويش لمجلة اليوم السابع التى كانت تصدر بالثمانينيات وتوقفت بعد الغزو العراقى للكويت عام 1990. جمع المقالات وحررها الكاتب الفلسطينى حسن خضر، الذى شارك فى تحرير فصلية «الكرمل» الثقافية، وعمل بجانب درويش مديرا لتحريرها منذ عام 1998 وحتى 2006. وكما يشير الناشر فى مقدمته للكتاب فإن تلك المقالات تكتسب أهمية خاصة لكونها كتابات غير معروفة على نطاق واسع لدرويش الذى يشتهر شعره ويتم الاحتفاء به بين محبيه وقرائه ربما أكثر من كتاباته النثرية فى أحيان كثيرة، فضلا عن كونها تتضمن شهادة مهمة على فترة بالغة الحساسية فى تاريخ القضية الفلسطينية، وهموم محمود درويش ومشاغله الشعرية والسياسية، والحياتية.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام لا تتقيد فيها المقالات بترتيب زمنى معين بقدر ما تتقيد بوحدة موضوعية كما يراها المحرر الذى اختار عنوان «فضاء آخر» للقسم الأول، وتضمن مقالات صاحب «أوراق الزيتون» التى تتناول إسرائيل والصهيونية، ومن بينها : «سؤال إلى الضمير اليهودي»، «من يريد لا سامية جديدة؟»، «عن عرب 48». ويليه «كتاب المراثي» الذى يضم كتابات درويش فى وداع مفكرين وشعراء وسياسيين عرفهم عن قرب ومن بين تلك المقالات: «خرج الطريق» ( فى وداع معين بسيسو)، «اغتيال حسين مروة»، «شاعر القمر والطين» (فى وداع صلاح جاهين).
وتضمن هذا القسم أيضا نصا له خصوصيته بعنوان «ونهانى عن السفر»، وفيه يرثى درويش والده بعد وفاته عام 1987، ويكشف هذا النص خصوصية علاقتهما وتأثير الأب على الابن الذى يختتم رثاءه مناشدا أباه الغفران. أما القسم الأخير «سهم فى الخاصرة»، فيتناول مقالات حول المقاومة والصراع من أجل البقاء، ومن بين تلك المقالات تأتي: «حنين مكبوت إلى بيروت»، «أأرض البشر لجميع البشر؟»، «اختياران لا ثالث لهما: فإما النصر، وإما النصر!».
ويأتى كتاب «صاقل الماس» للروائى زياد عبد الفتاح ، الصادر عن دار «كل شيء» بحيفا، ليكشف جوانب مجهولة من حياة صاحب «أثر الفراشة» اعتمد فيها عبد الفتاح على صداقته المقربة بدرويش، ويتضمن معلومات تنشر لأول مرة عن صاحب «سرير الغربة». يعرض عبد الفتاح تفاصيل الحياة اليومية عندما كان يرافق درويش حيث يقضى الأخير فترات فى بيت عبد الفتاح بتونس فى جناح خصصه له وكيف كان يتجادل مع والدته التى ترفض وقوف الرجل بالمطبخ بينما كان درويش يفضل إعداد قهوته بنفسه. بالإضافة إلى إلقاء الضوء على العديد من المواقف الثقافية والسياسية والإنسانية لصاحب «حالة حصار».
بين لبنان وتونس واليمن وفيينا، صداقة عمر تبرز ملامحها فى سطور الكتاب تكشف عن جوانب خاصة من حياة درويش الإنسان والسياسى والشاعر والفلسطينى والعروبي. وكما يقول عبد الفتاح «عاش درويش عمره كله ومات ولديه هدف وحيد فى هذه الحياة، أن يكون شاعرا على قدر قضية شعبه»... وبالفعل، كان شعره مثل «أثر الفراشة» لا يزول، وسيظل باقيا للأبد.
رابط دائم: