رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لعبة الوهم والواقع تبدأ من «ظل الحكايات»

باسم صادق
لعبة الوهم والواقع تبدأ من «ظل الحكايات» - تصوير: السيد عبدالقادر

إذا كان المسرح هو فن الخروج عن المألوف.. فإن مسرح الغد بقيادة مديره النابه سامح مجاهد قد تبنى تلك القاعدة لمحاولة تقديم عروض تخرج عن المعتاد والتقليدى فى تناولها دهاليز النفس البشرية وتناقضاتها.. فبعد النجاح الذى حققه عرض «الحادثة» للكاتب لينين الرملى.. انحاز إلى تناول أكثر عمقا وتعقيدا وتأملا فى عوالم الذات المرتبكة الباحثة عن الحقيقة والمعرفة من رحم الأحلام والكوابيس.. وذلك فى عرض «ظل الحكايات» للمؤلف المتميز إبراهيم الحسينى والمخرج عادل بركات ابن المسرح الجامعى والثقافة الجماهيرية.

وفى مدة لا تتجاوز 75 دقيقة نرافق «منصور» أو رامى الطنبارى فى رحلة ذاتية داخلية نتأرجح فيها معه بين محطاتها الفانتازية التى يختلط فيها الوهم بالواقع لنعرف أنه وقع أسير حكايات أمه فى طفولته للدرجة التى صار يخشى معها تأثيرها وملاحقتها له.. نظرا لما تكشفه من رغبات دفينة آثمة.. وأمل فى الوصول إلى معنى الحياة وحقيقتها.. وبين هذا وذاك نرى شخصيات أسطورية أو خرافية متخيلة تلاحق أسير الحكايات لتعبر كل منها عن إثم أو ذنب اقترفه أو رغبة لم تكتمل.. لتدور حوارات فلسفية شديدة العمق بين بطل العرض وتلك الشخصيات من قبيل.. «ستظل ترانى فى يقظتك وفى نومك.. فأنا لعنتك وسأظل أطاردك حتى نهاية رحلتك».. « لا يوجد هنا من فعل شيئا أو ينتوى أن يفعل ولكننا جميعا نرى أننا نستحق الأفضل».. «أصنع الحكايات ولا أمتلكها.. فالحكايات لها إرادتها الخاصة».. «فى بلادنا لا أحد يحمل حقائبك عنك سوى نفسك».. أنا من يقف على رصيف الحياة فى انتظار أن يحدث شيء».. «تتحدثون جميعا عن الشرف وكأننى الوحيد الملوث هنا».. «عليك محايلة الحكاية حتى ترضى عنك».. «لا حقيقة فى هذا العالم إلا ما وصلت إليه وما عرفته».. بالإضافة إلى مونولوجات ذاتية لبطل العرض يلعن فيها تلك اللحظات المرتبكة بلا منطق التى وُلد منها.. حتى يصيبه اليأس أحيانا من عدم قدرته على الوصول إلى المعرفة إذ يعلنها صراحة: «المعرفة كأئن خرافى له عدد لا نهائى من الأوجه».. وهكذا يظل البطل فى عوالمه السحرية يهرب تارة ويتحول تارة أخرى حتى يقرر أن يخرج من عباءة الحكايات ليبدأ رحلته الواقعية بعد أن أدرك أن الحقيقة لها وجه واحد ثابت لا يتغير.. وبين هذه العوالم التعبيرية عايش رامى الطنبارى شخصية منصور معايشة ذاتية عميقة لتطفو على أدواته الجسدية وتعبيرات وجهه عذابات تلك الشخصية ورفضها مجتمعا يدّعى المثالية والنزاهة رافضا فى الوقت نفسه سقطات نفسه الأمّارة بالسوء.. وإن كانت المبالغة قد طغت عليه فى بعض المناطق الأدائية نتيجة الانفعال الزائد.. بينما تنقل محمود الزيات بعذوبة وسلاسة شديدة بين أربع شخصيات تلاحق أسير الحكايات بجدال فلسفى عميق فنراه مرة عجوزا ومرة حفارا للقبور وثالثة حكيما يناقش المسلمات ورابعة ملاحظا للعدالة.. وفى كل مرة لم نر شخصية الزيات تطغى على أى من تلك الشخصيات فقد رسم لكل منها ملامحها الخارجية والأدائية المختلفة بينما أدت عبير الطوخى شخصية سلمى خطيبة صديق منصور التى تلاحقه بإثم غوايته لها.. ويلاحقه طيفها باستمرار وبأداء أنثوى لا يخلو من رغبة فى رسم الابتسامة.. وبعفوية وتلقائية شديدة جسد محمود خلفاوى دور القزم بلا أى تكلف فبدا كأنه قادم من عالم ألف ليلة وليلة البديع خاصة فى تعامله مع العروس الملتصقة بجسده.. ورغم صعوبة النص وعمقه للدرجة التى يمكن معها تصنيفه باعتباره عرضا نخبويا إلى حد كبير فإنه ابراهيم الحسينى حاول تخفيف حدته وتعقيده بأشعار بديعة تعبر عن الحالات المزاجية للبطل بكلمات معبرة صاغها د. صلاح مصطفى بألحان موسيقية تمس الوجدان.. فى حين صاغ عادل بركات رؤيته الإخراجية معتمدا على رؤية بصرية خيالية للسينوغرافيا بجدران غامضة مرصعة بصور الجماجم وأقنعة خرافية مخيفة صممها فتحى مرزوق وأزياء وديكور وأزياء لا منطقية لمحمد فتحى مطعما أرضية القاعة بقضيب سكة حديد متقطع للإيحاء برحلة البطل.. ورغم هذا فقد خانه التوفيق فى السيطرة على إيقاع العرض فى كثير من المناطق نظرا لطول المونولوجات والحوارات الفلسفية المعقدة بالإضافة إلى إفراطه فى استخدام عمق القاعة كمسرح للأحداث وفصل ثلثها الأخير بشاشة شفافة تُجسد خلفها بعض المواقف المتخيلة، وبالغ أيضا فى استخدام «الموتيفات» الطائرة حتى بدت مجانية رغم تعبيرها عن فترات زمنية من عمر الشخصية.. واستسلامه أيضا لأداء رامى الطنبارى الجامح خلال بعض المونولوجات دون السيطرة عليها وتكثيفها لمصلحة الدراما خاصة فى المشاهد الختامية للعرض.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق