رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل يستمر الناتو حتى عامه المائة أم يلفظ أنفاسه وسط التباينات؟

رسالة لندن:منال لطفى

رغم التباين الهائل بين الرئيسين الأمريكيين دونالد ترامب وباراك أوباما فى غالبية القضايا، فإن كليهما انتخب فى أمريكا بشعار يكاد يكون متطابقا، وهو تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية على المسرح الدولى والالتفاف للداخل الأمريكى، وهذا هو تحديداً ما يقلق الزعماء الأوروبيين الأعضاء فى حلف شمال الأطلنطى «ناتو» وهم يحتفلون فى بريطانيا بالذكرى الـ70 لتأسيس الناتو. فالالتزام الأمريكى طويل المدى بذلك التحالف العسكري، الذى أنشئ عام 1949 ، قام على 3 أضلاع، الأول: إبقاء نفوذ الاتحاد السوفيتى السابق خارج الفضاء الجيو ــ سياسى لأوروبا الغربية. والثاني: إبقاء ألمانيا مقيدة النفوذ بسبب «الفوبيا» من القوة الألمانية بعد صعود المد القومى المتطرف ممثلاً فى نظام أدولف هتلر، والثالث: إبقاء قوات أمريكية فى قواعد عسكرية فى أوروبا لحماية الأمن والاستقرار فى القارة العجوز بعد حربين عالميتين دمويتين.

لكن العالم فى 1949 غير العالم فى 2019، والتحديات العسكرية والأمنية التى تواجه أعضاء حلف الناتو باتت أكبر من اختزالها فى الاتحاد السوفيتى السابق. فقد انهارت الامبراطورية السوفيتية، وسقط جدار برلين وتفككت الكتلة الإشتراكية. واليوم تأتى المخاطر من دول كبرى مثل الصين وروسيا، لكن هذه المخاطر لا تقتصر على القوات النظامية التقليدية، بل تمتد للحروب الإلكترونية، والتدخل فى الانتخابات، والمنافسة الاقتصادية والتكنولوجية، أضف إلى هذا تزايد مخاطر الإرهاب الدولى بكل أشكاله، لقد تغير العالم كثيراً منذ انهيار الاتحاد السوفيتى السابق، لكن الناتو تكيف بشكل بطيء جداً مع تلك التغييرات.

العدسة الأمريكية

وإلى جانب بطء التكيف، هناك أيضا اختلافات كبيرة فى الأولويات والأجندة والمصالح بين دوله الأساسية، فالرئيس الأمريكى دونالد ترامب يأتى للندن وفى رأسه قضية واحدة وهى «ميزانية الناتو»، وهو حقق انتصاراً فى هذا المجال حتى قبل أن يأتى إلى لندن، بعدما أعلن الأمين العام لحلف الأطلنطى، ينس ستولتنبرج، أن نحو9 دول فى الحلف رفعت إسهامها فى ميزانية الناتو لـ2% من ناتجها القومي، كما طلب ترامب، أيضا أعلن ستولتنبرج أن الدول الأوروبية وكندا تعهدت منذ 2016 بإنفاق 100 مليار دولار على التطوير العسكرى والتخطيط والتدريب.

لكن قضايا الناتو أكثر تعقيدا من مسألة الميزانية، والرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون على سبيل المثال خلال مقابلته مع مجلة «الايكونومست» التى أعلن فيها «موت الناتو دماغياً»، تساءل سؤالا وجوديا حول الحلف فى القرن الحادى والعشرين هو: ما هو الناتو؟

فلدى الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قضايا ملحة متعلقة بمستقبل الناتو أكثر من الإسهامات المالية والميزانية التى تسيطر على رأس ترامب.

فمقابلة الرئيس الفرنسى المجلة جاءت بعدما أعطت أمريكا «أكبر دولة فى الناتو»، تركيا «ثانى أكبر دولة فى الناتو من حيث تعداد الجيش» الضوء الأخضر لغزو شمال سوريا دون إبلاغ فرنسا وألمانيا وبريطانيا «أحد أهم 3 دول فى الناتو». ومن وجهة النظر الفرنسية فإن الناتو «عائلة ممزقة» لديها توجهات وانقسامات وحتى عدم ثقة، فالتحرك الأمريكى -التركى المنفرد لغزو شمال سوريا بمثابة «طعنة فى الظهر» لباقى دول حلف الناتو وغالبيتهم دول أوروبية.

وبحسب دبلوماسى أوروبى لـ«الأهرام»:«لم يتم التشاور مع عواصم أوروبية كبيرة فى إعطاء تركيا الضوء الأخضر للقيام بعملياتها فى شمال سوريا. وفوجئت دول أوروبية تماما بالتفاهمات بين ترامب وأردوغان. والمعضلة من وجهة نظر الزعماء الأوروبيين أنه لا أحد فى واشنطن أو أنقرة فكر فى تداعيات الخطوة على الأمن الأوروبي، فقد أنفقت دول أوروبية على رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا مئات الملايين من الدولارات لإيواء مدنيين سوريين فى شمال سوريا بعد هزيمة أكراد سوريا لتنظيم داعش، وكان الشمال السورى من أكثر المناطق أماناً بعد طرد عناصر داعش». ويتابع:«لكن بعد الاجتياح التركي، نزح مئات الآلاف من المدنيين وهربت عناصر من داعش من السجون وقد يهددون أوروبا مرة أخري، وإذا تواصلت العمليات التركية فإن أوروبا قد تشهد أزمة لاجئين جديدة».

ولم يخف ماكرون استياءه عندما قال بلهجة حادة «إننا نشهد حاليا الموت الدماغى المفاجئ لحلف الناتو... من الناحية الاستراتيجية والسياسية، علينا أن ندرك أن لدينا مشكلة... ليس لديك أى تنسيق على الإطلاق فى اتخاذ القرارات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وحلفائها فى الناتو». وأضاف: «لديك عمل عدوانى غير منسق من قبل حليف آخر للناتو، تركيا، فى منطقة تتعرض فيها مصالحنا للخطر»، متحدثاً عن إحباطه من السياسات «أحادية الجانب» من طرف ترامب ورؤية كل شيء من زاوية «عدسة المصالح الأمريكية».

القشة التى قصمت ظهر الحلف

انسحاب القوات الأمريكية من سوريا فى أكتوبر الماضى وإعطاء تركيا الضوء الأخضر للاجتياح دون استشارة باقى الحلفاء فى الناتو، كان ربما «القشة التى قصمت ظهر البعير»، لكن هناك الكثير من القضايا الخلافية الأخري، على رأسها التعامل مع التحدى الروسى والصينى، فهناك اختلافات بين غالبية الدول الأوروبية من ناحية، وأمريكا من ناحية أخرى، فى التعامل مع تلك التحديات، فإدارة ترامب قامت بفرض تعريفات جمركية غير مسبوقة على الصادرات الصينية فى إطار حرب اقتصادية ضروس بينهما، كما منعت أمريكا شركة «هواوى» الصينية من دخول السوق الأمريكية تحت دعاوى «التهديد الأمنى»، فى المقابل، رفضت فرنسا وألمانيا وبريطانيا منع «هواوى» من دخول أسواقها، بل ان بريطانيا وألمانيا وافقتا على أن تقوم «هواوى» بإنشاء البنية التحتية لشبكة الاتصالات فائقة السرعة من الجيل الخامس، وأكدتا أن لديهما تكنولوجيا تكفى لتأمين عدم تجسس الصين المحتمل على معلومات استخباراتية عسكرية أو تجارية، أما تعزيز الصين لقدراتها العسكرية فتريد فرنسا الاستجابة له بالمزيد من الحوار الأمني، لتعزيز التعاون مع بكين فى خلاف مع النهج الأمريكى الذى يريد عمليا إضعاف الصين عبر أى طريق من أجل وقف التحدى الصينى لامريكا على رأس العالم اقتصادياً.

على النقيض من هذا، ليس لدى ادارة ترامب أى استجابة للتحدى الروسى ممثلا فى التدخل فى الانتخابات أو تعزيز النفوذ الروسى فى أوكرانيا أو استعادة شبه جزيرة القرم، وهذا من وجهة نظر الكثير من الزعماء الأوروبيين مشكلة كبيرة لأنه إذا لم تر أمريكا روسيا تهديدا مثل باقى دول الناتو فلن يتم وضع استراتيجية موحدة حيال موسكو.

إذا أثنى عليك ترامب

اللقاءات الثنائية بين قادة الدول المشاركة ستكون مثيرة للاهتمام والمراقبة، وأول تلك اللقاءات، أى لقاء محتمل بين ترامب وماكرون أو ترامب وميركل. كما سيكون أى لقاء محتمل بين ماكرون والرئيس التركى رجب أردوغان محط اهتمام، وذلك بعد تراشق لفظى حاد عندما انتقد ماكرون التدخل العسكرى التركى فى شمال سوريا، فرد اردوغان ساخراً من «قلة خبرة»  نظيره الفرنسى ودعاه لفحص دماغه، واصفا إياه بأنه «فى حالة موت دماغى».

الشيء المؤكد أن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، لن يلتقى ترامب فى اجتماعات ثنائية مغلقة، وذلك بعدما أعلنت مصادر «دواوننج ستريت» ان مسئولين من الحكومة البريطانية دعوا ترامب لعدم الادلاء بتصريحات فى مسار الانتخابات البريطانية أو مدح جونسون والثناء عليه، فترامب أحد أقل الزعماء الغربيين شعبية فى بريطانيا ولا يريد جونسون أن يثنى عليه ترامب وسط الحملة الانتخابية الحالية، مخافة أن يكون المدح «قبلة موت» محتملة، خاصة بعدما كشف جيرمى كوربن زعيم حزب العمال المعارض، عن محاضر اجتماعات بين مسئولين بريطانيين وامريكيين، أصر خلالها المسئولون الأمريكيون على أن يكون نظام الرعاية الصحية فى بريطانيا جزءا من أى اتفاقية تجارة حرة بين لندن وواشنطن بعد البريكست، فنظام الرعاية الصحية «خط أحمر» للبريطانيين وهم لا يريدون للشركات الخاصة الامريكية الدخول فيه تحت أى شرط.

وقد لا يكون ترامب مرتاحا لمطالب عدم التدخل فى الانتخابات البريطانية أو لقاء صديقه بوريس جونسون، فترامب يأتى القمة ولديه عدد صغير من الأصدقاء داخليا وخارجيا، وغادر واشنطن تاركا خلفه جلسات استجواب ساخنة فى الكونجرس فى فضيحة مقايضة مساعدات أمريكية لأوكرانيا بكشف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنكسى مخالفات مفترضة قام بها ابن المرشح الديمقراطى فى الانتخابات الامريكية جو بايدن.

شروط البقاء

إذن يحتفل الناتو بالذكرى الـ70 لتأسيسه وسط أجواء سلبية ومعارك واقتتال داخلى بين أعضائه، ولكى يكمل الذكرى المئوية عليه أن يجد أسسا جديدة للبقاء، أيديولوجية وعسكرية وسياسية، لكن ليس هناك ضمانات أن هذا سيحدث. فالحلف منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، تدخل إلى جانب أمريكا فى افغانستان والعراق وسوريا، لمحاربة تنظيمات إرهابية، لكن النتيجة كارثية، فالأوضاع فى تلك البلدان لم تتحسن قيد أنملة، والأمن الأوروبى لم يتحسن بسبب التدخل، بل على العكس دفعت أوروبا ثمناً كبيراً لاستمرار التأزم فى تلك البلدان. من ناحية أخري، حمت الطبيعة أمريكا من أى تداعيات، فأمريكا محاطة بالمحيطين الاطلنطى والباسفيكى، وجارتاها، كندا والمكسيك، ليستا مثل الصين وروسيا. وفى نظر ماكرون فإن أمريكا فى زمن ترامب لم تعد ترى الناتو حيوياً. والرئيس الأمريكى نفسه خلال حملة الانتخابات الامريكية 2016 وصف الناتو بأنه «عف عليه الزمن». ويقول المسئول الأوروبى لـ«الأهرام»: «منذ بدأت القوات الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية التدخل فى مغامرات عسكرية فى أوروبا وإرسال قوات، كان هناك دوما رفض وعدم ارتياح امريكى داخلي. هذا لم يتغير منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم. فالأمريكى العادى لا يرى فائدة فى أرسال قوات أمريكية للخارج، وإذا لم يعد للناتو سبب ايديولوجى قوى للوجود، أعتقد أن الحلف لن يكمل عامه المائة، وهذا سيساعد الحُجة الفرنسية، أن أوروبا يجب أن يكون لديها جيش مستقل لحماية المشروع الأوروبى».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق