أكثر من 200 نوع من الطيور المهاجرة تمر بسماء مصر مابين فصلى الربيع والخريف منها طيور اللقالق والرافعات والسمان التى تهاجر من مراكز تكاثرها فى أوروبا إلى مواطن بياتها الشتوى فى إفريقيا.
هذا الأمر المثير لاهتمام الطيور، كثيرا ما جذب اهتمام الباحثين لرصد دورة هذه الهجرات وما إذا كانت قد تغيرت نتيجة لتغير المناخ (خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة فى أوروبا فى السنوات الأخيرة ومكوث بعضها هناك بدلا من هجراتها المعتادة)، وللتأكد من هذه الظواهر يقوم العلماء بتزويد الطيور بأجهزة إرسال لاسلكية تسهل من عملية التتبع عبر شبكة الهاتف المحمول. ورغم بساطة التقنية إلا أنها كثيرا ما تسبب المشاكل خاصة إذا حلق الطير خارج نطاق شبكات المحمول أو فى دول تتضاعف تكاليف خدمات المحمول لتلقى بيانات الطيور ومسار حركتها. كل تلك المشكلات من المفترض أن تنتهى وذلك بعد تطبيق مشروع دولى لأبحاث الحيوانات باستخدام تقنيات الفضاء تحت قيادة باحثين ألمان والمشروع معروف باسم «إيكاروس» Icarus.
يقول البروفيسور مارتن فيكيلسكى الأستاذ بمعهد ماكس بلانك لبيولوجيا السلوك والمدير العلمى للمشروع إنه يعمل على تنفيذه منذ ما يقرب 20 عامًا والآن سيمكننا تتبع الطيور والحيوانات أينما كانت دون التقيد بمناطق توافر شبكات المحمول مثل الصحارى والجبال والمحيطات.
وفقا للدراسات، يتم فى إطار مشروع «إيكاروس» تجهيز الحيوانات بجهاز إرسال صغير يبلغ وزنه 5 جرامات، ومن المقرر فى المستقبل تصنيع اجهزة أخف تصل لجرام واحد فقط، حيث يتم تلقى البيانات على التردد العالمى المحجوز للمشروع (401 ميجاهرتز) عن طريق محطة الفضاء الدولية (ISS) على ارتفاع 400 كيلومتر عن سطح البحر. ففى تلك المحطة قام رواد الفضاء فى وحدة «سفيسدا» Svesda الروسية فى أغسطس 2018 بتركيب هوائى خاص لهذا الغرض حيث يعيد توجيه البيانات المستلمة لجهاز حاسوب على متن المحطة، وهذا هو بالضبط السبب فى أن نظام «إيكاروس» لا يعمل حاليًا كما هو مخطط له. فى شهر يوليو من هذا العام قام مركز التحكم الأرضى الروسى بالفعل بتشغيل الهوائى والحاسوب، ولكن بعد ذلك ظهرت مشاكل فى إمدادات الطاقة للأجهزة.
كان أحد المكثفات الصغيرة تالفا، كما يقول فيكيلسكي، لكن الكمبيوتر لم يمكن استخدامه لعدة أشهر بسببه. وقامت أول أمس مركبة نقل فضائية غير مأهولة بتوصيل جهاز كمبيوتر جديد إلى الفضاء، والذى ينبغى أن يحل المشكلة نهائيا. يقول فيكيلسكي: «بدءا من ذلك الحين يجب أن يعمل كل شيء من أجل العلم».
بعد ذلك يرغب الباحثون أخيرًا فى بدء التشغيل التجريبى لـ «إيكاروس» الذى كانوا ينتظرونه لفترة طويلة. من المفترض أن يستغرق ذلك من ثلاثة إلى أربعة أشهر. ثم من المتوقع أن يعمل النظام بانتظام تام. سيتم تخزين معلومات الحركة فى قاعدة بيانات تسمى «موفبانك»-- يمكن للجميع الوصول إليها بحرية فى ألمانيا. وفى الوقت نفسه سيتم توفيرها فى نظام تقنى فى روسيا. فى تلك الأثناء زوّد فيكيلسكى وطاقمه 250 من طائر الشحرور بأجهزة إرسال مصغرة. ستكون المعلومات المتعلقة برحلاتها أول ما سيتم عرضه فى قاعدة البيانات. ولكن هذه مجرد البداية: الخفافيش فى الكونغو، الرنة فى القطب الشمالى الروسي، البط فى الصين، الماعز على سفوح بركان إتنا فى صقلية يريد الباحثون التقاط وتحليل حركات أنواع أخرى لا حصر لها فى وقت واحد.
اندثار الحيوانات بالصحراء المصرية
يقول المصرى د.علاء الدين سلطان الباحث بقسم البيئة فى الجامعة السويدية للعلوم الزراعية فى أوبسالا، ومساعد د. دى فيكيلسكى إنه قام بمحاكاة هذا النموذج باستخدام نماذج حاسوب على شمال إفريقيا - ووجد أن 17% من الثدييات المستوطنة لمصر شمال إفريقيا يمكن أن تنقرض بحلول عام 2050؛ وعندها لن تساعد أى ملاحظة من الفضاء. وهناك فكرة خاطئة مفادها أن صحراءنا مجرد أرض مهجورة ولا يوجد بها تنوع بيولوجى وفى الواقع هى تضم مزيجًا فريدًا من الحيوانات والنباتات ولديها مستوى عالٍ من التوطين، مما يجعل صحراءنا واحدة من أكثر المناطق التى توجد بها مناطق للتنوع البيولوجى والانقراض المتوقع لعدة أنواع من الثدييات من الصحراء سيكون له تأثير سلبى على الأشخاص الذين يعيشون فى الصحراء ومعيشتهم. وتلعب معظم هذه الأنواع، إن لم يكن كلها، دورًا بيئيًا رئيسيًا فى النظام البيئى الصحراوى الذى يجعلها غير قابلة للاستبدال. على سبيل المثال، الثدييات الصغيرة هى أنواع آكلة للحوم تتغذى على النباتات والحيوانات. فى الوقت نفسه، هم الفريسة الرئيسية للعديد من الحيوانات المفترسة مثل الذئاب. كما أن العديد من النباتات الصحراوية لها قيمة طبية ومهمة لصناعة الأدوية حيث تنمو دون تدخل بشري، إضافة لوجود أنواع من الثدييات لها تأثير إيجابى على إنتاجية وتنوع النباتات الطبية. على سبيل المثال، تقوم الحيوانات بدور مشتتات بذور النباتات عندما تتغذى على هذه الأنواع النباتية الطبية وتساعد الغطاء النباتى للنظم الإيكولوجية الصحراوية على البقاء والاستمرار. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الحيوانات التى تسكن الصحراء دائمًا الجحور لتجنب ارتفاع درجة حرارة الصحراء ؛ من خلال بناء الجحور والأنفاق، وتساعد الثدييات الصغيرة على تهوية التربة، مما يحسن من خصوبة التربة ويعزز نمو النبات. العديد من الأنواع المهاجرة بعد السفر الطويل لعبور البحر الأبيض المتوسط يبحثون عن مواقع التوقف للتزود بالطاقة قبل مواصلة هجرتهم نحو الجنوب. تعد الثدييات الصغيرة فى الصحراء المورد الغذائى الرئيسى لهذه الأنواع المهاجرة. إن الناس الذين يعيشون فى الصحراء يحتاجون لأن يكونوا على دراية بالحيوانات الصحراوية ودورها الهائل فى النظام البيئي. سيكون من الرائع إدراج مفهوم الحفاظ على الحياة البرية فى المناهج الدراسية ؛ هذا من شأنه أن يسمح لإشراك الناس فى برامج الحفظ لجعل حياتنا أفضل بكثير.
-
كريستوف سايدلر صحفى علمى بمجلة دير شبيجل الألمانية كتب هذا الموضوع للأهرام فى إطار برنامج تبادل الصحفيين العلميين بين مصر وألمانيا والذى يقام للعام الثالث بدعم من معهد جوته بالقاهرة ووزارة الخارجية الألمانية.
رابط دائم: