رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

"الأهرام" تنفرد بنشر صفحات من مذكراتها..
تحية إلى..
تحية حليم فى ذكراها المئوية

ســيد محمود

كيف تجازوت أصولها التركية لتصبح أهم فنانة مصرية؟

رحلتها مع الرسم والألم كتبت أوراقها كمشروع لفيلم سينمائى يخرجه صلاح أبو سيف

قصة زواجها من الوسيم حامد عبدالله وكفاحها معه





يبدأ جاليرى بيكاسو بالزمالك بدءاً من بعد غد الأحد عرض لوحات جديدة للفنانة التشكيلية الرائدة تحية حليم، ويمثل هذا المعرض حدثا تشكيليا فارقا، ليس فقط لأنه يتضمن عرض لوحات واسكتشات تظهر لأول مرة بعد حوالى 16 عاما من وفاة الفنانة الكبيرة وانما لأنه يشمل اطلاق جائزة تحمل اسمها تخصص للفنانين الشباب من عائد بيع لوحاته،لكن الحدث الأبرز هو ظهور المعرض بطريقة فنية جديدة بحيث يبدو أقرب الى معارض الفن المعاصر التى تمتزج فيها وسائط متعددة ليبدو كله وكأنه « تحية الى تحية فى ذكراها المئوية»، حيث ولدت فى 9 / 9 / 2019.

وتظهر الفنانة الراحلة بالصوت والصورة داخل قاعات العرض عبر مجموعة من الافلام القصيرة التى جرى توليفها من لقاءات أجراها معها الفنانة وليد عونى قبل رحيلها بشهور وقت أن كان يقوم بأعداد عرضه المسرحى الذى قدمه حول أعمالها مع فرقة الرقص الحديث على مسارح دار الاوبرا.

كما تظهر لأول مرة صفحات من مذكرات شخصية كتبتها تحية حليم بقلمها وتنفرد «الأهرام» بنشر فقرات منها هنا.

..........................



المذكرات التى كانت بحوزة ابنة شقيقتها، وقد بدأت الفنانة فى كتابتها فى أجندة ذات غلاف أخضر ويبدو واضحا أنها كتبت بتدفق ودون توقف وقد دونتها الفنانة بخط يدها الأنيق الذى يسهل قراءته.

وأول ما يمكن ملاحظته أن الأجندة شملت مخطوط لمسودة أولى حول سيرتها كتبتها ليعتمد عليها الناقد الكبير الراحل لويس عوض فى الكتيب الذى كتبه عن أعمالها وأصدرته هيئة الاستعلامات خلال الثمانينيات، ويظهر فى الأجندة الجزء المخطوط موقعا بخط يده ويطابق السيرة الموجودة فى الكتاب، فى حين تجلت قدراته لويس عوض فى تحليل أعمالها الفنية،فقد كتب عنها: «الفنان ذو القدرة الخيالية العالية هو من خلق المواقف التى لم يفكر فيها أحد من قبله وتحية حليم من هؤلاء الفنانين المبدعين ذوى القدرة الخيالية العالية إنها تتصور الأشياء المصرية القديمة مخلوطة بطمى وادى النيل فى صورة أبناء النوبة الحديثة. إنها صور لم توجد من قبل وقد لا توجد بعد ذلك».

الملاحظة الثانية على المذكرات تشير الى مفاجأة كبيرة هى أن الفنانة كتبت مذكراتها كمعالجة لفيلم سينمائى، حول حياتها كان من المقرر ان يتولى إخراجه المخرج الكبير صلاح أبو سيف وقد اختارت للسيناريو اسم له طابع ميلودرامى هو «لقاء القدر» وذلك بناء على طلب أبو سيف.

فى العناوين الاولى للمذكرات التى خططت لاستكمالها فصول غير موجودة عن صداقتها مع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل التى كانت دائمة الزيارة لمكتبه بالاهرام وكذلك الصلة التى ربطتها مع الرئيس جمال عبدالناصر ويبدو أنها لم تتوسع فى هذا الجانب.

اعتمدت تحية فى كتابة المذكرات على التقاط محطات مضيئة فى سيرتها الفنية، أكثر من الخوض فى التفاصيل، فهى تكتب بطريقة بصرية تقتنص مشاهد فى سيرتها أقرب لومضات فى الذاكرة من كونها يوميات كتبت بلغة ادبية، فاللغة متقشفة الى أبعد حد، خالية تماما من البلاغة، الا البلاغة اليومية التى تأتى من قدرتها على بناء مفارقة من المشاهد العادية فى حياتها وتظهر لغتها فى بعض الجوانب مستوى من العامية يندر وجوده فى الوقت الحالى كما تظهر بعض الأخطاء الاملائية البسيطة التى يسهل فهم أسبابها لانقطاعها عن التعليم المنتظم وتفرغها لتعلم الرسم.

ومثل لوحاتها التى تعتمد على البساطة تكتب تحية حليم بـ «نسيج تصويرى» أو كما قال بدر الدين أبو غازى فى وصف لوحاتها «نبض الحياة، والنفاذ الى سر الموسيقى فى الألوان، القدرة على أن يكون للوحاتها حضور تشكيلى يستحوذ على الرائى بسحرها الخاص».

هكذا رسمت وهكذا كتبت بحثا عما هو جوهرى

لاتبدو المذكرات الا مذكرة تفسيرية لسيرتها المعروفة لكنها تشكل كذلك اضاءة لهذه السيرة ومفتاحا لفهم تجربتها الفنية وشفرات لدخول عالمها العائلى الذى مثل دوما ملاذا آمنا يمكن أيضا عبرها فهم تعقد علاقتها بزوجها وأستاذها حامد عبدالله الذى انفصلت عنه بعد تجربة كانت مليئة بتضحيات كثيرة تكشف عنها المذكرات التى يمكن أيضا اعتبارها «سيرة كفاح» لفنانة أخذت مسافة من أصولها الأرستقراطية الى حد ما، وغامرت بالانخراط فى مغامرة للفن وللحياة اثمرت فى النهاية عن تجربة رأى فيها كامل زهيرى بأنها «بقدر ما توهجت بالحنين والحنان،انكسرت أمامها حدود الزمن فقد كانت رسومها تتنفس وتنبض.

تركز الصفحات الاولى من المذكرات على الدور الذى لعبته أمها فى حياتها وتكتب: «كانت والدتى شديدة العناية بنا وكان والدى بالسودان ويسافر كثيرا، وكان فى معظم السنة بالسودان وكانت هى التى تقوم بكل شىء... كانت حريصة على أن نقابل والدنا على المحطة عند حضوره للقاهرة وكنا نفرح به كثيرا وعندما يغادرنا كنا نبكى كثيرا وكانت تأخذه عربة «كنطور» «المقصود حنطور»، وتشترى لنا لعب وكانت تشترى لى عروسة كبيرة وكنت أفرح بها كثيرا وكنت أحب العرايس جدا وعندى مجموعة كبيرة، كنت أجلس ألعب بهم واتكلم معهم واسميهم أسماء كل واحدة منهم باسمها، كنت ألعب معظم الوقت لوحدى أضع كل الجزم فى صندوق واربطها واجره زى الوابور».

والمعروف ان والدها كان ضابطا بالجيش المصرى فى السوادن وكان «ياور» أول للملك فؤاد وفى مرحلة من شبابها لعب الدور الأكبر فى توجيه موهبتها ورعايتها حيث حرص على توفير مدرسى الفن الذى ساعدوا موهبتها على التبلور.

تكتب تحية عن طفولتها: « كنت طلبت من الوالد أن لى رغبة شديدة فى تعلم الرسم وكنت دائما وانا صغيرة جدا أرسم على أى شيء أجده أمامى، يا إما بالقلم الرصاص أو بالالوان ومرة رسمت على المخدات الحرير بتوع المنزل بألوان زيتية ووالدتى زعلت جدا لأنهم «خصروا »«تقصد خسروا أى فسدوا» من الزيت.

وفى مقاطع عدة تشير تحية الى أنها كانت مولعة بالرسم أكثر من أى شىء آخر «كنت آخذ أعلى نمرة فى الرسم وأنا فى ابتدائى وكانوا يعلقوا الورق بتاعى فى دولاب المدرسة ومرة أخدتنى مدرسة الرسم من يدى وذهبت بى للسنة، افتكر الثالثة أو الرابعة ابتدائى وكنت صغيرة فى الأولى ابتدائية وقالت للبنات الكبار «شوفوا ده قد ايه وعاملة ايه,, وورتهم رسمى» ظلت تحية شديدة الامتنان لدور الأم وتأكيده «والدتى التى كانت معروفة بالدقة والنظام والشخصية القوية مع الحنان الكبير وكانت دائما عطوفة على كل من تجده محتاج وكانت عازفة عود ممتازة، كذا جدتى كانت تلعب كمنجة وكانت رئيسة أوركسترا للخديو اسماعيل اسمها جولنار» وهى من أصل قوقازى».

ويعرف المتابع لأعمال تحية حليم التى سماها كامل زهيرى عازفة الارغول المكانة التى تمثلها الموسيقى فى لوحاتها ليس فقط كقيمة ايقاعية وانما كموضوع للرسم، فهى تكتب: «كنت أحب جدا أسمع والدتى وهى تلعب على العود وكان كل لعبها فى الموشحات القديمة والاغانى القديمة المحببة للنفس والتى كانت تثير فى مشاعر غريبة، كانت عينى تمتلىء بالدموع مع دموع والدتى أيضا وكانت شديدة الحساسية لسماع الموسيقى، كذا «آنة» جدتى فكانت حينما تخطيء فى العزف على البيانو كانت تخبط يديها على بعضها وتقول «وقعت» يعنى غلطت».

وفى صفحات أخرى تشير تحية بـ «عين طفلة» الى طبيعة الحياة فى العائلة ذات الأصول التركية وتقول: «والدى كان حريص على ان نكون مصريين دما ولحما ولغة «تكتبها لغتتن» فطلب من والدتى أن لا تتكلم التركية أمامنا مع جدتى وتكلمنا دائما بالعربى وكنا نسمعها تتكلم مع جدتى بالتركية حينما تريد أن تقول شيئا لا تريد أن نعرفه – وكانت جدتى لا تتقن اللغة العربية فتقول للولد» إنتى وتقول لنا البنات «إنت».

وتشير الى الكيفية التى تعرفت فيها على أول أستاذ لها وهو الفنان السورى يوسف طرابلسى الذى كان يسكن بميدان التحرير فوق مقهى «ايزافيتش» الشهير قبل أن يهاجر الى كندا بعد ان ظلت تحية تتعلم معها لنحو عامين لم تكن حياة تحية حليم الشابة المراهقة كلها فن فى فن فقد طرقت الماسأة أبوابها منذ أن عانى شقيقها من أزمة نفسية حادة دفعته الى اطلاق النار على نفسه «فى يوم فى الصباح الباكر بعد مرض أخى لمدة سنة، سمعنا ونحن فى غياب النوم طلق نارى من حجرة أخى ففزعنا للغاية وقمنا نجرى لنرى ماذا حصل فوجدنا أخى قد أطلق الرصاص على نفسه فى سريره,, وكان يوم لا انساه أبدا فوجدناه غارقا فى دماءه ووالدى كالم «كلم» المستشفى ونقلناه للموستشفى العسكرى وعملت له عملية جراحية فى الدماغ واخروا له الرصاصة ونجى منها».

المعلم الثانى الاكثر تأثيرا فى مسيرة تحية حليم قبل احترافها هو الفنان اليونانى جيروم الذى قادها اليه الفنان حامد عبدالله الذى تزوجها لاحقا وظل هو أكثر الفنانين تأثيرا فى مسيرتها.

وتحتل تجربتها معه حيزا رئيسا فى المذكرات وتخصص له فصولا تحت عنوان «لقائى بحامد عبدالله الرسام الفنان».

فقد تحركت تحية من بيت والدها لزيارة معرض قرأت عنه اعلانا بالاهرام تقول: «فى هذا اليوم وأنا ذاهبة لهذا المعرض وجدت انى فى حالة غير طبيعية فكان شىء ينتابنى من الشعور الغريب وأنا بالبس ملابسى قلت فى عقلى اليوم سوف يتغير معه مصير حياتى ولم اعلم لماذا قلت هذا ولبست فستانا لونه «مستردد» أصفر غامق ومخطط بالوان سودة بالطول وبرنيطة كبيرة سوداء مربوط فيها شريط طويل يصل لنصف الظهر ووصلنى الاسطى أحمد السواق بتاعنا وكنت لا اعرف شوارع القاهرة مع انى وصلت لسن يجب ان اعرف». خلال تجوالها بالمعرض تقول « أتى شاب وسيم وقال لى هل اعجبتك هذه الاعمال فقلت له جدا جدا فوجدته انسان بسيط وطبطب على وقال لى «هل انت بترسمى فقلت له شوية» عندما تعرفت تحية على حامد عبدالله كان يعيش مع عائلته فى المنيل ولا يملك إستوديو خاصاً وعملا معا على تأسيس أول اتيليه خاص للفنان وتمتليء المذكرات بوصف لهذه التجربة التى لا تزال صندوقا مغلقا وجرحا لا يرغب أحد فى الاقتراب منه.

لكن تحية تعلمت فى مرسمه عام 1942 وعملت معه معرض بالقاهرة كتبت فى أوراقها «عملت معرض بالقاهرة سنة 42 وفتحته هدى هانم شعراوى وكتبت كلمة جميلة جدا فى الاوتجراف وكتبوا عن المعرض كثيرا واثنوا عليه - كذلك عملنا معرض سويا بصالة جولدنبرج وكذا فى الاتيليه بتاعنا فى قصر العينى».

وبعد زواجهما عام 1945 سافرا الى الاسكندرية وجالا معا فى فنادق المدينة بصحبة النحات محمود موسى ثم سافرا معا الى باريس حيث التحقا بأكاديمية جوليان عام 1949 حتى 1951.

وهى تجربة شاقة وصفتها تحية حليم بكثير من الأسى والاصرار على طابعها العصامى لكنها خلال تجربتها هناك تتلمذت خلالها على أيدى كبار الفنانين ورسمت اشهر اللوحات ومنها «لوحة بائع أبو فروة» وتصور بائعاً بسيطاً كان يبيع فاكهة أبو فروه الموجودة فى مصر، كما صورت الأطفال فى الحى اللاتينى بباريس وهم يلعبون فى الحدائق وسط الأشجار الكبيرة بينما أمهاتهم يتابعونهم وينظرون إليهم. ومن هذه اللوحات أيضاً منظر لحديقة بوتشمون فى باريس، بالإضافة إلى لوحات أخرى تصور مشاهد الحياة اليومية فى العاصمة الفرنسية.وقد أقامت الفنانة تحية حليم عشرات المعارض التى ضمت لوحاتها بشكل منفرد أو مع زوجها الفنان التشكيلى حامد عبدالله، فى لندن التى تحتل فى المذكرات صفحة من صفحات الأسى الذى لم ينتهى رغم نجاحها الكبير.

وبعد عودتها إلى مصر فى 1951 بعد مرض والدتها اشتغلت بتدريس الرسم فى مرسمها الخاص لمدة أربعة أشهر ابتداء من عام 1959 و 1960 ودرست لأنجى أفلاطون ثم اتجهت للتدريس عام 1963 فى المعهد العالى للتربية الفنية وحصلت على منحة التفرغ من «وزارة الثقافة» نحو خمسة عشر عاما بصفة متقطعة من 1960 إلى 1984. وقد استمرت فى عرض أعمالها حتى نهاية «1984». وتظل مرحلة النوبة هى الاهم فى حياتها فقد تخلصت من قيود الأكاديمية بكل أبعادها سواء فى احترام المنظور «البعد الثالث» والواقعية فى الخط واللون والكتلة، كما انتقلت من التعبيرية الى التأثيرية قبل أن تبدأ مرحلة يسميها لويس عوض « الفلكلورية التعبيرية: الى أن بلغت تجربتها الاكتمال فى مرحلة النوبة: التى كانت مرحلة الصفاء فى فنها الذى أجاد الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل فى وصفه والاعتزاز بلوحاتها التى كانت تزين مكتبه وبيته فى برقاش وكانت تلك اللوحات علامة من علامات البيت، كما كانت الصداقة التى ربطت بينهما علامة من علامات الجودة فى مسيرة تحية التى وصفها حين كتب عنها قائلا: منذ اللحظة الأولى وجدت نفسى صديقا لتحية، مأخوذا بالحس أكثر من الدرس ومنجذبا الى العمل من أول نظرة ومشدودا الى ذلك المزيج الجميل الغامض فى افكارها وتكويناتها ولمساتها وكلها تشير وتوميء دون ان تعترف وتبوح وتفشى وكلها تتدفق لونا ونغما وهمسا – مع تحفظ وجلال وكبرياء فهى الفنانة الحائرة بين القطط المقيمة والعصافير المسافرة».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق