عندما تفشل، مرة واثنتين، وثلاث، عليك أن تتوقف وتراجع نفسك، لتعرف أين أنت، ولماذا فشلت، وكيف يمكن أن تتفادى هذا الفشل فى المستقبل؟
أما أن تفشل وتفشل وتفشل، وتدمن الفشل، وتصر عليه، وتدفع شرفك ونزاهتك وسمعتك ثمنا لذلك، فهذا أمر عجيب وغريب ومريب أيضا.
لم يكن ما جرى فى اجتماعات مجلس حقوق الإنسان فى جنيف مؤخرا سوى حلقة جديدة من حلقات الفشل وخيبة الأمل التى تسقط فيها وسائل الإعلام الأجنبية المعادية للدولة المصرية، فقد سبقتها حلقات وحلقات، انتهت على المنوال نفسه، وخرجت مصر من كل واحدة منها أقوى وأفضل، وأكثر صدقا وشرفا.
ومع ذلك، لا يبدو أن أحدا يتعلم من فشله، أو ربما يكون هذا الفشل مدفوعا بتوجهات ومصالح وانتماءات، وأشياء أخري، تجعل من صاحبه محبا للفشل، مواظبا عليه، مادام يحصل على ميزات من هذا الفشل المتكرر!
على مدى أسابيع، كثفت وكالتا «رويترز» و«أسوشييتدبرس» وشبكة «سي.إن.إن» من نشر الأنباء والتقارير التى تصب جميعها فى خانة تشويه مواقف الدولة المصرية من قضايا حقوق الإنسان، أملا فى أن يتحول اجتماع جنيف إلى «فخ» للدولة المصرية، فإذ بحضور مصر القوى أمام مجلس حقوق الإنسان فى جنيف يدحض كل ذلك، بفضل نجاحه فى عرض وجهة نظر الدولة المصرية حول تلك القضايا بحيوية، والتى تقوم على أساس أهمية مراعاة النظرة الشمولية فى التعامل معها، وأن الحقوق السياسية رغم أهميتها لا تبرر تجاهل حقوق الإنسان الأخري، وفى مقدمتها الأمن و«الانعتاق» من خطر الإرهاب وجماعاته.
إلا أن وسائل الإعلام الغربية ذات الأجندة المعادية لمصر سعت للتشويش على هذا النجاح، عبر استئنافها بث تقاريرها التى تعتمد نظرة أحادية لأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، وهى نظرة تخدم أهداف الإرهاب من خلال الدعوة مرارا وتكرارا إلى إطلاق سراح رموزه من السجون، وتصويرهم باعتبارهم من الإصلاحيين المضطهدين فى المجتمع، فى تجاهل تام لإرادة الشعب المصرى وأحكام قضائه المستقل.
وهكذا، ورغم كل الفشل الذى حققته هذه الوسائل الإعلامية عبر سنوات مضت فى تحقيق أهدافها، فإنها صارت على ما يبدو «مستمتعة» بمشاركتها فى تكريس نوع جديد من الاستعمار ومصادرة الحريات والتسلط على حساب دورها المفترض فى نشر الحقيقة، وهو ما أدى بها إلى الدخول فى عزلة تامة من الواقع المصري، حيث صارت للأسف الشديد لا ترى إلا من خلال أعين الإرهابيين والفوضويين، وصارت تقاريرها مثار سخط وسخرية الرأى العام الشعبى المصرى بشكل عام، وليس الدولة المصرية الرسمية فقط، التى لا يوجد لديها ما تخفيه بخصوص هذا الملف، بل وتحرص دائما على الاستماع إلى ملاحظات وآراء جميع الأطراف حول الأوضاع الحقوقية، لتوضيح الصورة، وتصحيح المفاهيم التى شوهتها التقارير الإعلامية المذكورة، والبيانات الحقوقية المشبوهة.
بعد «بالونة» محمد علي، التى انفجرت فى وجه أصحابها، جاءت بالونة «رضوي» تلك الفتاة التى تناولت قضيتها وكالة «أسوشييتدبرس» فى تقرير بتاريخ 14 نوفمبر 2019 تحت عنوان «القبض على فتاة بعد انتقادها الرئيس المصري»، والذى تضمن مغالطات وتلاعبا فى الألفاظ، لتوجيه الرأى العام إلى نقطة محددة.
فقد ذكر التقرير أن الفتاة تم القبض عليها لأنها «وجهت انتقادات شديدة للرئيس السيسي»، وأشار إلى أن القبض عليها جاء بتهمة «نشر أخبار كاذبة»، وقالت أيضا إن فيديوهاتها حققت عشرات الآلاف من المشاهدات، وهو ما ينافى الحقيقة بطبيعة الحال، فما وجهته الفتاة فى الفيديو لم يكن مجرد انتقادات، وإنما لغة أخرى تماما غير ذلك، والقبض عليها لم يكن بتهمة نشر أخبار كاذبة بالضبط، أما موضوع عدد المشاهدات، فهذا مردود عليه بأن فيديوهات محمد على حققت ملايين المشاهدات، ولم يلتفت إليه أحد، فليس كل من يشاهد يقتنع، أو يصدق، هذا إذا سلمنا بالفعل أن الأرقام التى يتم بثها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى عن نسب المشاهدات وأعداد المتابعين أصلا دقيقة وغير مزيفة!
ولا أحد يدرى متى يأتى اليوم الذى تقتنع فيه وسائل الإعلام الأجنبية بأن حمل السلاح ليس معارضة سلمية، والدعوة لإسقاط نظام وتخريب اقتصاد ليس مظاهرة ولا حراكا، والشتيمة بأفظع الألفاظ وأحط الاتهامات ليست لغة نقد مقبولة، على الأقل فى مصر.
الطريف أن أجندة ضرب الدولة المصرية لا تتضمن الملف الحقوقى وصناعة الأبطال الوهميين فحسب، وإنما جار العمل على جميع الملفات وفى جميع الاتجاهات فى آن واحد، والأطرف أن كل هذه المحاولات أيضا مصيرها الفشل!
فمن ذلك، نشر «بي.بي.سي.» تقريرا بتاريخ 11 نوفمبر عن تجربة سيئة عاشها طفلان بريطانيان بسبب وشم من الحنة السوداء حصلا عليه فى مصر، فى نفس الأسبوع الذى أعادت فيه بريطانيا رحلاتها السياحية إلى شرم الشيخ!
ومن ذلك أيضا، برنامج «نقطة حوار» فى الشبكة البريطانية ذاتها بتاريخ 12 نوفمبر الذى حاول «ضرب» مصر فى السودان فى إثيوبيا فى الولايات المتحدة بمناسبة عقد مفاوضات ثلاثية بين دول حوض النيل الثلاث فى واشنطن برعاية أمريكية، حيث تضمن البرنامج تصريحات من مواطن سودانى يزعم سعى بلاده استفادة من الكهرباء المولدة من سد النهضة، ويؤكد رفضه مساندة الخرطوم لموقف القاهرة من المشروع على حساب مصالحها، كما تضمن تصريحات لصحفى إثيوبى زعم فيه صحة موقف بلاده من بناء السد دون الرجوع إلى أى طرف، ودون استئذان أحد، وتضمن كذلك تصريحات دبلوماسى أمريكى سابق يشكك فى الوساطة الأمريكية برمتها، بل ويؤكد أن الرئيس دونالد ترامب تدخل فى هذه الأزمة لتحقيق مصالح شخصية له!
.. وما زال الفشل مستمرا، وبنجاح منقطع النظير، وكأنه «فشل على فشل»، ولعل ذلك من حسن طالع مصر فى النهاية!
رابط دائم: