جاءت تقنية الإنترنت بمستحدثات عجيبة وجذابة ومذهلة مَلكت على الناس صغارا وكبارا، أبصارهم، وسكنت قلوبهم، وسلبت عقولهم، وشاركتهم غفوتهم ويقظتهم، ولازمتهم فى حلهم وترحالهم، كما انقضَّتْ على الكثير من عاداتنا وتقاليدنا المستقرة الراسخة، فنالت منها ما نالت، حيث أدمنها الناس إدمان المذعن المنقاد، والمبتلى بداء لا يجدى معه دواء، ولا يرجى له شفاء، فأصبحت عادة وخصلة وسلوكا لا يخلو منه بيت، ولا يُستثنى منه أحد، ورغم ما لهذا الاختراع من فوائد هائلة بسبب تنوع تطبيقاته وتَعدُد تحديثاته وتزايدها من ساعة لساعة، فُيستفاد بهذا كله فى كل مجال وميدان ومضمار، إلا أن له على النقيض من ذلك، من المثالب والمساوئ والمضار ما يُشقِى ويُضني، ويُسئ لنفوس مسالمة، ويهدم بيوتا مستقرة بسلوكيات وأعمال يعف اللسان عن ذكرها وتعافها المروءة والشهامة وترفضها الأديان جميعا، ولذلك أصدرت الدولة تشريعا يعاقب على جرائم الإنترنت بموجب القانون 175 لسنة 2018، كما استحدثت وزارة الداخلية إدارة خاصة بمباحث هذه الجرائم لتلقى بلاغات المتضررين من جرائمه وتحرير المحاضر اللازمة لهم تمهيدا لإحالتها لجهات التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات الرادعة قِبَلْ المسيئين والمخالفين والخارجين على القانون، وهيأت لذلك مبنى خاصا وقاعة كبرى مكيفة الهواء وكراسى وثيرة مريحة تتسع لعشرات المراجعين يقوم عليها العديد من الضباط المتخصصين فى التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، ولكن لى هنا ملاحظات ومقترحات أوجزها فيما يلى:
1ــ إن حجم العمل الذى يقوم به هؤلاء الضباط المتخصصون تفوق طاقته طاقتهم، فالقاعة تكون دائما مكتظة بالقادمين للإبلاغ، ويضطرون للانتظار عدة ساعات حتى يصيبهم الدور، مما يتوجب معه إيجاد وسيلة للتخفيف عنهم بالتقليل من هذه الجرائم والحد من انتشارها.
2 ـــ إن أغلب المضرورين من جرائم الإنترنت هن النساء والفتيات، وبسبب عادات وتقاليد متأصلة لديهن فإن أكثرهن لا يتقدمن بالشكوى مما يتعرضن له من جرائم أو ابتزاز، ويؤثرن الصمت على الإفصاح، والسكوت على الكلام خاصة وأن المُستجوِب لهن يكون من الضباط الذكور.. فى الوقت الذى تُحَتِّم فيه المشروعية القانونية عليها أن تُفصِح عما تعرضت له من إيذاء بكل دقة وبغير خجل أو وجل أو خوف أو تنميق، وبوصف الواقعة وصفا مفصلا دون تجميل أو تقليل، وهذا يجعلهن يَحجِمن عن تحرير المحاضر، وهذا الإعراض منهن يجعل كل صاحب نفس مريضة يستمرئ طريق الغواية ويستعذب مطاردة من تقاعست عن الإبلاغ عندما يتيقن من انفلاته من العقاب، وأقترح الخطوات التالية لتحجيم هذه الجرائم كما ونوعا:
أولا: تعيين ضباط شرطة من النساء فى هذه الإدارة حتى تتشجع المبلغة على التقدم والإبلاغ والإفصاح والبوح، فَيُقبَض على المتهم وينال عقابه فيرتدع غيره.
ثانيا: يجب أن تتبنى الوزارات المعنية كالداخلية والتربية والتعليم وغيرهما، حملات إعلامية موسعة، فى المدارس والجامعات والأندية ومحطات المترو التى يرتادها مليونا راكب يوميا للتعريف بجرائم الإنترنت وعقوبتها لعدم دراية الأغلبية العظمى من مستخدميه بها خاصة الأطفال والصبية والشباب.
ثالثا: أن تضع وزارة الاتصالات قيدا على الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت لعدم صرف أجهزة الاستقبال (الراوتر) إلا لأولى الأمر من الطلبة والتلاميذ مع تسليمهم قائمة بالجرائم والعقوبات، واستكتابهم إقرارا يتضمن التعهد بعدم استخدامه، ومن هم فى كنفهم لشبكة المعلومات فيما يسىء أو يشكل جريمة.
رابعا: تشكيل لجنة للقيم والأخلاق من الأزهر والكنيسة ووزارات التعليم والاتصالات والعدل والتضامن الاجتماعى لوضع الإطار الشرعى والأخلاقى لاستخدام شبكة المعلومات، ومنحها سلطة وقف الخدمة أو حجب مواقع بعينها عن المستخدمين، وترشيد مواقع أخرى بشكل خاص أو عام متى تطلبت مصلحة المجتمع ذلك.
حُسام العَنتَبْلى
المحامى بالنقض
رابط دائم: