لطالما كشفت التقارير، خاصة خلال السنوات الـ٣ الماضية، عن الأوضاع المزرية بين جدران السجون التركية. ورغم أن الوضع أصبح تحت أعين المنظمات الدولية التى سجلت مئات المخالفات لكن النظام التركى يتجاهل جرائم التعذيب والتنكيل التى تصل إلى حد القتل الذى تزعم السلطات التركية أنه «انتحار» للتهرب من المساءلة.
واعترفت وزارة العدل التركية بأن تركيا أصبحت خلال العامين الأخيرين، ثالث أكبر دولة فى أوروبا من حيث عدد السجناء والذين يزيدون على ٢٦٠ ألفا منهم ٧٥ ألف معتقل سياسى بين مدنيين وعسكريين، وهو ما يبرر التوسع الكبير الذى يقوم به النظام الحاكم فى تركيا فى إنشاء عشرات السجون الجديدة مؤخرا.
ورصدت مصلحة ورش السجون التركية فى بيان لعام ٢٠١٩ ، أنه تم البدء فى تشييد ٤٣ سجنا جديدا بتكلفة إجمالية ٤ مليارات ليرة فى الوقت الذى تواصل فيه وزارة العدل تشييد ٤٨ سجنا جديدا بتكلفة ٩ مليارات ليرة. ويوجد من بين هذه السجون ٧٥ سجنا مكشوفا و٣١٣ سجنا مغطى و٩ سجون نسائية مغطاة و٨ سجون نسائية مكشوفة و٧ سجون مغطاة للأطفال و٥ إصلاحيات للأطفال. وتبلغ الطاقة الاستيعابية لهذه السجون ما يقرب من ٢٢٠ ألف مسجون.
وفى مارس الماضى، نشرت الأمم المتحدة تقريرا جاء فيه أن هناك زيادة ملحوظة فى انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب فى تركيا، بدءا من مراكز الشرطة، ثم المحاكم، ومديريات الأمن، والحجز الاحتياطى، وانتهاء بالسجون. وأضافت الأمم المتحدة فى بيانها أن وسائل التعذيب تتراوح ما بين الضرب المبرح واللكمات، والركلات، والضرب بالأدوات، والتهديد، والتحرش، وصولا إلى الاغتصاب والعنف الجنسى والحرمان من النوم لأيام، والتكبيل بالأصفاد.
الأسوأ من ذلك أن المعتقلين فى السجون التركية يتعرضون لمحاولات تعذيب بطرق أخرى مثل الحرمان من المياه، والأغذية، والأدوية، وكذلك إذلال زائريهم لحرمانهم من زيارة أسرهم، عبر تفتيش الزائرين عرايا تماما كما ولدتهم أمهاتهم، حيث تلقت المحاكم التركية على مدار العامين الماضيين ١٢١ ألف شكوى حول انتهاكات بحق المعتقلين، لكن كل هذه الشكاوى لم يتم التحقيق فى واحدة منها. وبعد أن انتشرت رائحة الموت الكريهة، كشفت منظمات مدنية دولية عن الأوضاع الصحية المتدهورة للسجناء فى بعض السجون التركية المكتظة بالنزلاء.
إذ لقى منذ صيف ٢٠١٦ عدد كبير من السجناء مصرعهم فى ظروف غامضة ، بعد تعرضهم لسوء المعاملة أو نتيجة عمليات تعذيب وحشية. وسجل «مركز ستوكهولم للحريات» ١٢٠ حالة وفاة وانتحار مشبوهة على الأقل بين المعتقلين خلال العامين الأخيرين. وصنفت السلطات تلك الحالات على أنها «انتحار»، دون أن تتكلف عناء إجراء تحقيقات مستقلة حولها.
وكان أبرز تلك الحالات جريمة مقتل الفلسطينى زكى مبارك(٥٥ عاما)، فى سجون المخابرات التركية فى ظروف غامضة، وسط ادعاءات السلطات بانتحاره، بينما اتهمت أسرته نظام أردوغان بتصفيته، بعد فشلها فى انتزاع اعترافات بجريمة تجسس لم يرتكبها. ولا تقتصر الممارسات الجائرة واللاإنسانية فى السجون على الرجال فقط، حيث كشفت منظمة حقوق الإنسان التركية فى تقريرها لعام ٢٠١٩ أن السجون تضم ٧٤٣ طفلا بجانب أمهاتهم.
بل إن الحكومة التركية استحدثت قانونا يسمح بسجن الأطفال، فيما رصدت منظمات حقوقية حالات تعذيب للأطفال والنساء فى التحقيقات، لافتة إلى أن ٧٠٠ طفل يقبعون فى السجون وأن ٦٤٪ منهم تحت ٣ سنوات. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش إنه من بين عشرات الآلاف المسجونين فى تركيا هناك ١٠ آلاف سيدة على الأقل يتعرضن لشتى أنواع التعذيب.
وأشارت إلى أن الحقيقة الأكثر رعبا عن هذا السجن، أن حتى الأطفال الذين يحتجزون داخله يواجهون عقابًا عنيفا دون شفقة. وهكذا فإن تركيا، بحسب تقارير المنظمات الدولية، أصبحت أكبر سجن بالعالم فى هذا القرن.
رابط دائم: