أسدل الستار منذ أيام على فعاليات الدورة الـ «28» لـ «مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية»، الذى نظمته دار الأوبرا المصرية، وعقد فى الفترة من «1 إلى 12 نوفمبر» الجارى، وشارك فيه على «6» مسارح مختلفة حوإلى «80 مطربا مصريا وعربيا»، ورغم كثرة عدد المشاركين ورغم جمال أصواتهم، وعذوبة شدوهم، لكنهم لم يقدموا جديدا لافتا لانتباه المستمعين، ولم يجتمعوا مثلا على غناء «مقام موسيقى» معين يكون سببا فى شهرة هذا المقام، ولم يقدموا عملا مسرحيا غنائيا تراثيا مشتركا من أعمال عمالقة النغم المصرى، رغم أنه لدينا مئات الأعمال المسرحية الغنائية التى تصلح لهذا، ولكن وكما يحدث كل عام غنى كل مطرب من النجوم المشاركين أغنياته الخاصة مع أغنية أو اثنين من أغنيات الجيل الذهبى للأغنية المصرية وكان الله بالسر عليماً!.
...............
الملاحظة الجديرة بالانتباه تكرار أسماء المطربين المشاركين فى دورات المهرجان كل عام هى نفسها تقريبا مع تبديل اسمين أو ثلاثة فقط، علما بأنه معروف أن أى مهرجان محترم لايكرر أسماء المشاركين كل عام إلى حد أن بعضهم اشترك لمدة تزيد على 15 عاما دون تجديد الدماء الغنائية، وربما يرجع ذلك لوجود قيادات بعينها فى مناصبها لمدة تقترب من الثلاثين عاما حيث تتحكم فى الاختيارات وتفرض ذوقها الخاص، فضلا عن مجاملة صارخة لبعض الأسماء، وهذا أدى إلى التكرار والملل، الأمر الذى أدى إلى عدم الاستعانة بأسماء نجوم كبار فى العالم العربى مازلوا فى قمة عطائهم الفنى.
الحقيقة أن المهرجان منذ سنوات فقد هدفه الأساسى الذى أنشئ من أجله، وهو تعريف الشباب بتراثنا الغنائى القديم الذى قدمه أساطين الكلمة واللحن مثل «عبده الحامولى، محمد عثمان، سلامه حجازى، داود حسنى، إبراهيم القبانى، درويش الحريرى، محمد المسلوب، يوسف المنيلاوى، سيد درويش» وغيرهم، بحنجرة أصوات مصرية وعربية عذبة الصوت تعيد تقديم هذا التراث بشكل معاصر، أو من خلال دورات كاملة تقتصر كل واحدة على أحد أعمال تلك الرموز المصرية، أو أحد الرموز العربية، ولدينا المئات على مستوى العالم العربى الذين يستحقون أن تحمل دورة «مهرجان الموسيقى العربية» اسمه ويغنى كل مطرب من الذين يشاركون فى المهرجان أغنية له.
وهم النجاح التجارى
الحقيقة أن المسئولين عن المهرجان مع مرور الوقت ومع النجاح الجماهيرى والتجارى تناسوا هدفه ورسالته، وأصبح التراث القديم من وجهة نظر المطربين المشاركين والذين يفرضون ذوقهم الخاص، هو ما قدمه «عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة ووردة وفايزة أحمد ومحمد عبدالمطلب» فقط، وبدأوا يستغلون المهرجان لحسابهم الخاص، والترويج لجديدهم الغنائى، ووقع المهرجان فى فخ الملل والتكرار الفنى، وأصبح مثل غيره من المهرجانات العربية التى يعتمد فيها المطرب على «ريبرتوراه الغنائى» الخاص به مثل «جرش، دمشق، قرطاج، بيروت» وغيرها، والدليل على ذلك أن «أصالة أو أنغام أو صابر الرباعى» أو غيرهم من النجوم، لا يمكن أن يشاركوا فى المهرجان إلا إذا كان لديهم «C.D» جديد طرح فى وقت انعقاد الدورة الجديدة من المهرجان فى الأسواق.
وقد يعلو صوت من المسئولين عن المهرجان ويقول: «موتوا بغيظكم»! المهرجان ناجح، وأكيد ما تكتبونه راجع لحقدكم لأنكم من أعداء النجاح!، ولقد تعبنا وآن لنا أن نستريح ونقطف ثمار ما زرعنا»، والدليل أن المهرجان حقق هذا العام أكثر من «7 ملايين جنيه»، ونقول لهؤلاء أولا: هذه الملايين يحقق بعضها أى حفل تجارى واحد لعمرو دياب أو تامر حسنى أو حماقى فى «الجونة أو الساحل الشمإلى أو مرسى علم».
ثانيا: هذا النجاح راجع لعدم وجود حفلات فى مصر طوال العام، فمصر منذ سنوات لا تغنى!، والحفلات الوحيدة الآن هى التى تنتجها وزارة الثقافة متمثلة فى مهرجانى «القلعة» و«الموسيقى العربية»، وباقى الحفلات هى حفلات تجارية متباعدة للمطربين الذين أشرنا إليهم من مصر مع إضافة أسماء مثل «راغب علامه، عاصى الحلانى، ماجدة الرومى، الشاب خالد» وغيرهم.
ثالثا: المهرجان يقام فى أماكن رائعة وراقية وفخمة وهى «دار الأوبرا المصرية» ومسارح «الجمهورية، معهد الموسيقى العربية، أوبرا «دمنهور، والإسكندرية»، وبالتإلى يضمن المستمع الذاهب إلى هذه الأماكن أنه سيجلس فى مكان مريح، ولن يخدش سمعه لفظ قبيح أو جارح، وسيرى احتفالية من الجمال سواء من المحيطين به، أو من المشاركين فى المهرجان، فضلا على التنظيم الجيد والإخراج الرائع للحفلات، وهذا كاف للإقبال على المهرجان.
نرجسية نجوم الغناء
وقد بح صوتنا ونحن نقول أن «مهرجان الموسيقى العربية» هو تظاهرة فنية غنائية تنفق عليها الدولة المصرية، ومن ثم فيجب أن يقدم خدمة ثقافية وفنية فى وقت واحد، ولا يسعى للكسب السريع على حساب المضمون والهدف الذى أنشأ من أجله، وإذا كان بعض المطربين لا يؤمنون برسالة المهرجان وهدفه، ويريدون فقط استغلاله لمصلحتهم الخاصة فاستبعادهم أفضل بكثير من وجودهم.
ومن المعلوم للجميع أن معظم نجوم الغناء الموجودين حاليا نرجسيون والاتصال بهم مزعج، ويفرضون شروطهم الخاصة، ولا يؤمنون سوى بمصلحتهم الخاصة، لكن المهرجان أصبح واحدا من أهم المهرجانات الغنائية المحترمة الموجودة فى العالم العربى، ومشاركة أى نجم فيه إضافة له، فيجب على المهرجان أن يفرض شروطه، ولا يقف فى موقف الضعيف ويرتضى الذل والهوان لأجل أن يشارك هذا أو تلك من محدودى الجماهيرية فهذا عيب وضعف!.
التكريمات المريبة
ومن الفاعليات المريبة والمثيرة للتساؤلات فى المهرجان منذ عدة دورات تلك التكريمات التى تقام كل عام، والتى لا أحد يسأل على أى أساس تتم!، والتى عادة ترتبط بموافقة المطرب للغناء فى المهرجان، بمعنى أن المهرجان يهمل تاريخ أى مطرب كبير، أو موسيقى مهم، مادام لم يغن أو يشارك فى فعالياته، لهذا نجد أسماء كبيرة جدا فى مصر والعالم العربى لم تكرم فى المهرجان حتى الآن لأنها لم تشارك!.
فمثلا هذا العام تم تكريم المطرب الكبير «محمد منير»، والسؤال هل معقول أن يكرم «الكينج» فى الدورة الـ «28» أى بعد 28 عاما من عمر المهرجان، رغم أن المهرجان كرم من هم أقل منه بكثير ولا يحملون تاريخه فى السنوات الماضية؟ ولم يقل أحد لنا أيضا على أى أساس تم تكريم الموهوبتين «مى فاروق وريهام عبدالحكيم» هذا العام؟! مع حبى الشديد لصوتيهما، لكن توجد أصوات مثل «سميرة سعيد، ميادة الحناوى، ياس خضر، أحمد وهبى، عبدالكريم عبدالقادر، «عبدالوهاب الدوكإلى، أمينة فاخت،، أحمد قعبور، نجوى كرم، جورج وسوف»، وغيرهم من أساطين الطرب فى العالم العربى.
والشىء الذى يدعو للشك والريبة أيضا انك تجد كل عام اسم فنان عربى يكرم، وهذا شىء جميل جدا، لكن بعض هذه الأسماء لا تستحق التكريم، لكن يبدو أن هناك من يستفيد من هذا التكريم لأسباب خاصة به هو نفسه دون غيره ضاربا عرض الحائط بمصداقية مهرجان الموسيقى العربية، الذى يعد أكبر تظاهرة غنائية عربية تحظى بالتاريخ المشرف الذى تم انتهاكه فى غيبة من الوعى بقيمته.
الكوبليه الأخير
وقد يسأل سائل مادام المهرجان ناجحاً جماهيريا، ومادام الجمهور راضيا ويقبل على أيامه ولياليه، فما الغرض من تكبير المسألة وإعطائها حجما أكبر مما يريده أصحابها؟ والإجابة: لأننا فعلا نؤمن أن المهرجان هو أهم مهرجان موسيقى وغنائى محترم، وببعض المجهود وعدم الاستسهال يمكن أن يصبح أفضل فنيا عشرات المرات مما ظهر به فى السنوات الأخيرة، ويا سادة يا مسئولى المهرجان كى نبعد عن المهرجان شبح الملل والتكرار المسيطرين عليه طوال السنوات الأخيرة، فلا يغرنكم النجاح التجارى فقط، ولكن لابد أن تؤكدوا الهدف الذى أنشئ من أجله المهرجان، وهو هدف نبيل وراق، ويحتاج منكم لفكر موسيقى وغنائى مختلف وأفكارغير تقليدية، وأصوات عربية جديدة تتميز بالقوة والعذوبة تشارك لأول مرة وتحدث نوعا من التجديد لدماء المهرجان الذى بدأ يشيخ فنيا قبل الأوان رغم أنه فى عنفوان الشباب.
ان هذه الكلمات المنشورة عبر السطور الماضية ليس لها من فرق إلا دعم المهرجان وهدفه النبيل فى الارتقاء بالذوق العام، وخوفا عليه من ضياع هويته، دون النظر إلى كل المباخر التعيسة التى خرجت تحرق البخور الذى لا رائحة له أثناء وبعد انعقاد الدورة، كأنها بمنزلة العصبة التى توضع على عين أحدهم حتى لا يرى الحفرة التى فى طريقه، أو تصم أذنه عن رحيق الغناء العذب النقى.
رابط دائم: