لم يعد باستطاعة أحد متابعة كل ما ينشر عبر شبكات التواصل الاجتماعى بكل أنواعها ..وفى ظل تطور صناعة الهواتف المحمولة أصبح استغلال هذه المواقع هدف كل البشر، وهناك من يستغلها بشكل إيجابى فى كل مناحى الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية ..لكن هناك آخرين يستغلونها بشكل يخدم أغراضهم الخبيثة والتدميرية ومن هؤلاء جماعات التطرف والإرهاب وهم بالقطع يعملون على دعم أفكارهم ويخدمون مخططاتهم، لدرجة أنهم أصبح لديهم منصات لما يمكن تسميته بالارهاب الإلكتروني..
تحقيقات «الأهرام» تطرح السؤال المهم حول كيفية حماية الشباب من التطرف الإلكترونى وسبل مواجهة هذا النوع من الإرهاب خاصة بعد أن أصبحت هذه الجماعات تخترق كل المواقع والصفحات وتلعب بعقول الشباب والطلبة..
بداية.. يقول الدكتور عادل عبد الصادق، مدير مشروع المركز العربى لأبحاث الفضاء الإلكتروني، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فى دراسته بعنوان «الإرهاب الإلكتروني.. القوة فى العلاقات الدولية»، إن العلاقة بين الإرهاب والتكنولوجيا تاريخية، فكثيرا ما لجأت الجماعات الإرهابية إلى استخدام العلم والتقدم التكنولوجى فى تحقيق هدفها، إما فى نشر الرعب والخوف، أو بالعمل على تحديث قدرتها على القتل.
وأكد عبدالصادق أن التنظيمات الإرهابية تمكنت من توظيف التطبيقات التكنولوجية، وانعكس ذلك على قدرتها فى الانتشار والتوسع والتجنيد، وأن جماعات الإسلام السياسى لجأت إلى تدشين مواقع إلكترونية غير قابلة للرقابة من النظم السياسية القائمة فى الدول العربية والإسلامية، مشيراً إلى أنها اكتسبت قوتها عبر استخدامها للتطبيقات التكنولوجية، على النحو الذى تطورت معه ظاهرة الإرهاب سواء فى التكتيكات أو الإستراتيجيات، وانعكس التطور فى التطبيقات التكنولوجية على الظاهرة بدءا من المواقع الإلكترونية، وغرف الدردشة والمنتديات، ثم جيل المدونات، وجيل الشبكات الاجتماعية والهواتف الذكية.
ويرى أن العجز عن استخدام الشبكات الاجتماعية فى نشر التسامح والإسلام المعتدل والقيم الصحيحة من قبل حركات الإسلام السياسى والدعوى المعتدل أدى إلى اختطاف الشباب من قبل الجماعات الأكثر تطرفا لتبنى خطاب العنف، وإفساح الطريق لهم للسيطرة على الساحة الإعلامية البديلة.
عملية التجنيد
وعن كيفية عملية تجنيد الشباب للانضمام للجماعات المتطرفة عبر الشبكات الاجتماعية، يقول مدير مشروع المركز العربى لأبحاث الفضاء الإلكترونى إن عملية التجنيد تتم عبر 3 مراحل، تتعلق الأولى بمرحلة التأثير الوجداني، من خلال إثارة العاطفة والغيرة الدينية بحجة الدفاع عن القيم المقدسة الدينية، أو البحث عن عالم مثالى لا يمت للواقع بصلة كفكرة «الخلافة»، أو «المدينة الفاضلة»، ويتم توظيف النصوص الدينية عبر مختلف الوسائط الإعلامية.
أما المرحلة الثانية فترتبط بالتأثير المعرفى عن طريق دور الشبكات الاجتماعية فى نقل المعلومات والبيانات التى تعبر فقط عن وجهة نظر الجماعات الجهادية، وفيها تتحول الصفحات والحسابات على شبكات التواصل إلى بوق للتطرف ونقل وجهات النظر الأحادية تجاه الآخر.
وتأتى المرحلة الثالثة التى هى أخطر المراحل، حيث تعمل على تحويل الفكر إلى سلوك عن طريق التغيير السلوكى لدى المنتمي، وأن يتحول من مجرد متعاطف إلى فاعل، والمشاركة الفعلية فى التغيير بالقوة والعنف، وهى مرحلة تتم عبر المشاركة فى أرض القتال الفعلي، أو القيام بعمليات انتحارية بعد عملية التعرض لغسيل المخ تحت دعوى رفعة الجماعة والانتقال إلى العالم الأفضل.
المواجهة التقنية
ويشدد الدكتور عادل عبد الصادق، على أن مواجهة الاستخدام العنيف لشبكات التواصل الاجتماعى تتطلب إستراتيجية شاملة تضم معالجة جميع الدوافع لتبنى الفكر المتطرف، وتفريغ البيئة الحاضنة له، ويأتى إلى جانب ذلك أهمية تحديث الإطار القانونى على النحو الذى يعمل على تنظيم عملية الاستخدام للشبكات الاجتماعية، وحماية المجتمع من مخاطرها المادية والمعنوية بما يعزز الثقة والمنفعة للمجتمع، وعلى الرغم من أهمية المواجهة التقنية والأمنية، إما عن طريق الرقابة، أو التجسس، أو الحجب، فإنها لن تصبح فاعلة، والمواجهة الفكرية والثقافة هى الأقوي، لأنها ترتكز على مواجهة الفكر بالفكر فى معركة ناعمة، بينما يتم استخدام القوة العسكرية المادية فى تحطيم البنية الأساسية للتطرف والإرهاب.
ويؤكد أهمية دور المجتمع الدولى فى مواجهة تلك الظاهرة، وضرورة تفعيل ميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخري، والسعى إلى قيام المجتمع الدولى بالضغط على الشركات التكنولوجية لتمكين الأجهزة الأمنية من سهولة الدخول على قواعد البيانات الخاصة بها لتعقب المجرمين والإرهابيين، والحصول على التكنولوجيا المتقدمة اللازمة لذلك، وأيضا شن التشريعات الدولية التى تتيح للدول المواجهة الصارمة لما تحدثه تلك الهجمات من تعد على سيادتها.
مسح ميدانى
ويرى الدكتور عبدالله عسكر، استاذ علم النفس والتحليل النفسي، نائب رئيس جامعة الزقازيق السابق لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، أنه يجب على الجامعات والمؤسسات التربوية والثقافية أن تجرى بحوثا مسحية ميدانية بأسلوب علمى لتحديد المستهدفين بالتطرف، وتوجيه برامج خاصة بدمج أمثال هؤلاء فى النسيج الوطني، وإعدادهم سياسيًا للاستفادة من طاقتهم، وتخفيض اتجاهات المعارضة والتحدى العشوائي، ويجب أن تشمل البرامج تأكيد الاختلاف الفكري، وتوحيد الاتفاق على حب الوطن والحفاظ عليه، وتمكين الجميع من التعبير الحر، والسعى نحو تحقيق هدف مشترك ضد أعداء خارجيين من القوى الاستعمارية التاريخية وأعوانهم من المتأسلمين والمضللين.
تعزيز سبل الوقاية
ويطالب الدكتور جمال الدهشان، أستاذ أصول التربية، وعميد كلية تربية المنوفية السابق، بتنقة المناهج من كل ما يغذى التطرف والإرهاب، وإضافة مقررات تعزز سبل الوقاية من الإرهاب والتطرف، ونشر الثقافة الوسطة للأديان، ووضع إستراتيجية طويلة المدى على المستوى القومى ترتكز على ضرورة التطوير الحقيقى للتعليم بجميع مراحله، ومحاربة الفساد بكل أشكاله.
ويتفق معه فى الرأى الدكتور مجدى يونس، أستاذ أصول التربية بجامعة المنوفية، مطالبا بضرورة أن يكون هناك مقرر للثقافة الإسلامية يدرس لطلاب الفرقة الأولى بالجامعة فى مختلف الكليات ليكون داعما للفكر الوسطي، ومشبعا للفهم الصحيح حول الأحكام الشرعية تجاه القضايا الدينية المعاصرة لإغلاق الطريق أمام قادة الفكر المتطرف من استقطاب الطلاب نحو أفكارهم الهدامة.
ويرى الدكتور عادل توفيق، أستاذ المناهج وطرق التدريس، وعميد تربية مدينة السادات، أن الجامعات يقع عليها دور اجتماعى متمثل فى التوعية العامة لكل أفراد المجتمع، وأن تلعب دوراً فاعلاً فى توعية الشباب والعمل على حمايتهم من الأفكار المسمومة ومنعهم من الانسياق خلف الأفكار الهدامة والمتطرفة، حتى نتمكن من كشف الشائعات والأكاذيب التى يتناقلها أفراد المجتمع بشكل مباشر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتفنيدها، وبيان الصواب منها، والتشجيع على الاندماج المجتمعي، والنظر إلى الاختلاف فى تركيبة المجتمع كنوع من التكامل.
مهددات الأمن الفكرى
أما الدكتورة إيمان عصفور، رئيسة قسم المناهج وطرق التدريس بكلية البنات بجامعة عين شمس، فتستعرض مهددات الأمن الفكرى التى تقوض الثوابت فى عقول المراهقين والشباب، والتى تتمثل فى الإرهاب الفكري، والقدرة على توجيه الأفكار وفقاً لأهواء الفئات المتطرفة فكرياً، والبث الفضائى بصوره المختلفة، وما يبثه من سموم فى أذهان النشء تجعلهم أكثر قابلية للاستهواء والافتتان بكل ما يُعرض، حتى لو تعارض مع التقاليد والثوابت، والخلل والقصور فى جوانب التربية والتعليم، مما يؤثر بالسلب فى جميع جوانب الشخصية الإنسانية، ويُفرز أجيالا مشوهة فكرياً ونفسياً يسهل التأثير فيها، وبالتالى يسهل اختراق أمنها الفكرى والنفسي، وتغريب العقول واستهداف فئة الأطفال والشباب «مستقبل الأمة» من خلال التأثير فى مسارات أفكارهم والمحاكاة العمياء لأقوال وسلوكيات لا تتوافق مع هويتنا، والغزو الثقافى من خلال وسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونى عن طريق الإنترنت، ومن أبرز مظاهرها نشر معلومات وأفكار مغلوطة، والترويج لثقافة العنف بطرق غير مباشرة كانتشار ألعاب الفيديو العنيفة بالإنترنت، ونشر الانحرافات والرذائل واختراق الخصوصيات دون مانع أو رادع.
وتشدد الدكتورة عصفور على رفع درجة الوعى الذاتى والاجتماعى لدى الأفراد، وتحصين فكر النشء ضد الفيروسات الفكرية المضللة، وتوافر أسس ومقومات التعليم الصحيح والتربية الفكرية الصالحة، وتأصيل استخدام اللغة الأم لحماية الهوية اللغوية من الاستلاب، ونشر ثقافة الحوار الهادف والقضاء على الجدل العقيم.
تنمية الوعى
ويدعو الدكتور محمد سعيد زيدان، أستاذ المناهج وطرق تدريس الفلسفة بكلية التربية بجامعة حلوان، إلى تنمية الوعى الاجتماعى لطلاب الجامعة لتسليحهم بما يمكنهم من مواجهة مشكلات الحياة، وإننا بمثل هذا النوع من التعليم المؤدى إلى تنمية الوعى الاجتماعي، نسهم بالفعل فى تربية مواطن على وعى بما له من حقوق، وما عليه من واجبات.
ويرى الدكتور حمدى البيطار، مدير مركز رصد ودراسة المشكلات المجتمعية بجامعة أسيوط، أن دور الدولة وحده غير كافٍ لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، ولابد من العمل وفق قواعد وخطط قومية بمشاركة جميع المؤسسات، والقطاعات، والأفراد بالدولة، كما يجب ألا تغيب عنا المحاولات الآثمة والمخططات الشريرة التى تحاول إفشال جهود الدولة المصرية كما حدث لدول عديدة عربية وإسلامية، وكيف تم استخدام أصحاب الفكر المتطرف والإرهابيين لتنفيذ مخططاتهم، ونشر الفوضى من خلال حروب الجيل الرابع والخامس، وبث الإشاعات وطمس الهوية، والتى باءت جميعها بالفشل نتيجة لتماسك الشعب المصرى مع شرطته وقواته المسلحة.
ويطالب الدكتور البيطار بعرض نماذج للقدوة الحسنة فى المجتمع، ضحت من أجل سلامة الوطن، والدفاع عن أرضه ومقدساته وعرضه، كما يمكن عرض نماذج المشروعات المنفذة والتى سوف تنفذ، وتوضيح حجم الإنجازات للدولة المصرية فى جميع وسائل الإعلام، وبث روح نصر أكتوبر العظيم فى نفوس الشباب والطلاب بالجامعات من خلال القصص والنماذج البطولية الرائعة لقواتنا المسلحة الباسلة وأجهزة الدولة المصرية ونجاحاتها، كما يمكن تطوير ومراجعة المناهج الدراسية فى مرحلة ما قبل التعليم الجامعى والتعليم بعد الجامعى لغرس الانتماء والمواطنة والتضحية فى سبيل الوطن والدفاع عنه والوقوف بجانبه.
دورات للأمن القومى
ومن جانبها، تطالب الدكتورة منال خيري، أستاذة تصميم وتطوير البرامج الاقتصادية والإستراتيجيات المساعد بجامعة حلوان، بتقديم برامج فى ثقافة المشروعات الصغيرة، وريادة الأعمال، وتوفير فرص عمل للشباب ودعم المشروعات الصغيرة الرائدة، وتقديم دورات عن الدراسات الإستراتيجية والأمن القومى لجميع الطلاب، وعقد ندوات تثقيفية بصفة مستمرة للشباب عن التحديات الأمنية التى تواجهها الدولة، وإلقاء الضوء على نتائج برامج الإصلاح الاقتصادى الحالية بمصر من خلال المؤشرات المختلفة، وإلقاء الضوء على المشروعات التنموية الحالية، ومحاربة وتتبع ومعاقبة جميع مصادر المعلومات المغلوطة التى تمس الأمن الاجتماعى المصري.
ويوضح اللواء حسام سويلم، خبير أمني، أن الفكر المتطرف موجود منذ نشأة الجماعات الدينية عام 1928، ولكنه زاد مع ظهور تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، وقيام العناصر الإرهابية والمتطرفين دينيا باستخدام تلك الوسائل لتجنيد الشباب صغير السن، مستغلين فى ذلك جهلهم بالدين، ويفسرون الآيات القرآنية بما يخدم أغراضهم الدنيئة وأهدافهم الخبيثة، مشدداً على أنه ما دام الفكر المتطرف موجودا، وما دامت وسائل التواصل الاجتماعى يتم استخدامها لاجتذاب الشباب، فلا فائدة من كل ما يحدث من قبيل تجديد الخطاب الديني، إذ لا خير يُرجى إذا كنت تبنى وغيرك يهدم.
وينصح اللواء سويلم باستخدام الدولة لوسائل التواصل الاجتماعى واستغلالها كما يفعل الإرهابيون، ومجاراتهم فى ذلك، لكشف زيفهم، وفضح افتراءاتهم، وتوضيح ضلالاتهم، وتبيان أباطيلهم، التى يضحكون بها على عقول الشباب بأنهم إذا قتلوا نالوا الشهادة، وتزوجوا الحور العين.
وأشار إلى أن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، حين قال لقومه «وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين» لم يكن يقصد تحطيم الأصنام التى هى تماثيل وحجارة، وإنما كان يقصد تحطيم وتدمير الفكر المتطرف الذى يسكن العقول الخربة، والقلوب الميتة.
رابط دائم: