بعيدا عن الجوانب العاطفية، وبغض النظر عن أى أخبار أو معلومات حول أزمة مسجد «بابرى» الآن، أو قبل ذلك، هذه محاولة لمعرفة وجهة النظر الهندية الرسمية فى تلك الأحداث، وفقا لما لدى مسئولى نيودلهى من أدلة ومعلومات تاريخية، وذلك من خلال ما ذكرته الحكومة الهندية، ومصادر دبلوماسية هندية.
تقول نيودلهى إن الأزمة كلها مجرد صراع على قطعة أرض، وليست لها علاقة بالنواحى الدينية أو العقائدية أو العرقية.
تشير الحكومة الهندية فى هذا الصدد إلى أن الصراع على الأرض المقام عليها مسجد بابرى ليس جديدا، بل يعود إلى عام ١٥٢٨، ولكن الجديد الآن أنه بعد إجراءات طويلة من التقاضى استمرت 40 يوما متواصلة استغرقتها المحكمة الدستورية فى نظر القضية، أصدرت حكمها بتسليم موقع المسجد إلى الهندوس لبناء معبد فى 9 نوفمبر الحالى، وطلبت تخصيص خمسة أفدنة للمسلمين لإقامة مسجد بديل.
وتوضح الهند، حسب المصادر نفسها، أنها دولة متعددة الأعراق، وتوجد بها كل الأديان، ويعيش بها ١٨٠ مليون مسلم من إجمالى السكان البالغ عددهم ١،٣ مليار نسمة، وبحلول عام ٢٠٥٠ سيصل عدد المسلمين حسب التوقعات السكانية إلى ٣٥٠ مليون نسمة، مما يجعل الهند تضم أكبر تعداد للمسلمين فى العالم، كما يوجد بها ٥٠ مليون مسيحى ينتمون للمذاهب المختلفة، فى حين أنه توجد أيضا، وفقاً للدستور الهندى، ٢٢ لغة معترفا بها.
ويفيد البيان الرسمى الصادر عن السفارة الهندية بالقاهرة، والذى تلقت «الأهرام» نسخة منه بأن حكم المحكمة العليا الأخير الصادر يوم 9 نوفمبر صدر بالإجماع فى تلك القضية التى استمرت لعقود طويلة، وتحمل عنوان «بابرى مسجد - رام جانمابومى» المتعلقة بالملكية المتنازع عليها على قطعة أرض فى مدينة أيوديا.
ويشير بيان السفارة إلى أن الأصول التاريخية لهذا النزاع تعود للعصور الوسطى، إذ يشير الرحالة الأوروبيون الذين سافروا إلى الهند خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلى وجود هذا النزاع بالفعل، حيث ورد ذكره للمرة الأولى من جانب تاجر بريطانى سافر إلى الهند بين عامى 1608 و1611. وبالتالى، كانت هناك قضايا متداولة تتعلق بهذا النزاع أمام السلطات القضائية فى عام 1885-1886 عندما كانت الهند تحت الحكم الاستعمارى البريطانى. وبعد أن حصلت الهند على استقلالها، بدأت العملية القانونية المرتبطة بنظر القضية فى عام 1950 أمام المحكمة المحلية بالمنطقة المعنية، وبعدها تم عرضها على المحكمة الأعلى درجة، قبل أن تصدر فيها المحكمة العليا فى الهند حكمها.
وتؤكد حكومة الهند أنه تم اتباع الإجراءات القانونية فى هذه القضية بدقة عالية، وأعلنت هيئة المحكمة العليا المكونة من خمسة قضاة حكمها بموجب القانون، وليس بالاستناد لأى أمور دينية، موضحة أن الحكم كان فقط لتحديد ملكية الأرض البالغ مساحتها 1482 قدما مربعا، والتى كان المبنى مقاما عليها، وقد نظرت المحكمة، خلال العملية القانونية التى استغرقت وقتاً طويلاً، فى الأدلة الواردة فى تقرير المساحة وتقرير أعمال التنقيب الأثرى من جانب هيئة المسح الأثرى الهندية، علاوة على السجلات التاريخية التى يرجع تاريخها إلى فترة ما قبل الاستعمار، وكذلك سجلات حكومية ترجع إلى حقبة الاستعمار البريطانى، فضلا عن الأدلة والمواد المقدمة من جميع أطراف القضية، وحكمت فى النهاية بأنه يجب أن تمنح الأرض المتنازع عليها لإحدى الهيئات لبناء معبد عليها، مع توجيه الحكومة بمنح 5 أفدنة فى مدينة أيوديا نفسها إلى مجلس الأوقاف السنى لبناء مسجد.
جدير بالذكر أن المادة 25 من الدستور الهندى تضمن لجميع الطوائف الدينية المساواة فى حرية العقيدة والإيمان والعبادة.
وتعد هذه القضية فريدة من نوعها، لأنها كانت منظورة قبل أن يقر البرلمان الهندى قانون أماكن العبادة «الأحكام الخاصة» فى عام 1991، وكذلك كانت القضية الوحيدة المستثناة من نطاق نفاذ ذلك القانون الذى يحظر أى تغيير فى الطابع الدينى والطائفى لأى مكان عبادة كان قائماً فى 15 أغسطس 1947. وبالتالى، فإنه يتجنب إمكانية حدوث أى من هذه الادعاءات فى المستقبل.
رابط دائم: