فنان شارع المعز

لم يكن «مكرم» يعلم أن قطار الحياة بعد أن مر بكل هذه المحطات سيوصله فى هذا العمر إلى ذلك المقعد الرخامى فى شارع المعز، حيث يجلس عارضا لوحات من رسوماته وتحت قدميه حقائب بلاستيكية بها إسكيتشات وأقلام فى انتظار الزبائن.

ينظر إلى الحياة بعينين يغلفهما الصمت إلا أن جلسته واضعا قدما فوق الأخرى والتجاعيد المحيطة بجفنيه تشيان بالكثير من الحكايات حول سيرة رجل فى جوهره فنان لم يخرج من أجل لقمة العيش كحال الآلاف الباحثين عن الرزق فى طرقات شارع المعز.

مكرم دمياطى تخرج فى كلية التربية الفنية بالمنيا لتلقى به الأقدار فى بلاط صاحبة الجلالة وتحديدا فى دار الهلال، حيث كان له نصيب فى العمل مع العملاقة أمينة السعيد فترة وجيزة.

وبمجرد أن جاءته أوراق التعيين عاد إلى دمياط وطوى صفحة الصحافة نهائيا لكن الاستقرار المنشود من التدريس لم يتحقق كثيرا إذ سافر إلى دولة خليجية عمل خلالها هناك مدرسا وموجها للتربية الفنية. وبعد سنوات عاد ليكون بينه و بين سن المعاش فارق ليس بالطويل.

فيقرر أن يفتح دارا للحضانة فى دمياط يشرف عليها. وفى لحظة صدق مع النفس قرر «مكرم» طى هذه الصفحات والابتعاد عن تلك النسخ الباهتة التى رسمها لنفسه (الصحفى والمدرس والموجه والمغترب)، ليواجه النسخة الأصلية من ذاته .. مكرم الفنان.