رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بعد معركة على صفحات ملحق الاهرام..
الجدل حول العقاد يصل إلى «بيت الشعر»

مدحت صفوت;

فى إطار استمرار المناقشات التى بدأت من ملحق الأهرام الثقافى عن الكاتب الراحل عباس محمود العقاد، نظم بيت الشعر «بيت الست وسيلة»حلقة نقاشية تباينت فيها الرؤى والتوجهات.

كان الشاعر السماح عبدالله، قد نشر فى الشهر الماضى مقالة بملحق الأهرام بعنوان «العقاد الذى لا نعرفه»، متوقفًا أمام أقنعة شاعر الديوان السياسية، وتقلبات مواقفه وآرائه من النقيض إلى النقيض، لتحدث حالة من الحراك الثقافى، وتثير عددًا من المعارك.


الحلقة التى شارك فها 9 متحدثين وأدارها السماح عبدالله، جاءت من منظورات ثقافية متعددة تتسم بتعدد الرؤى واختلاف الآراء الذى يدفع إلى مزيد من البحث؛ وبحضور الشعراء أحمد عبدالمعطى حجازى وأحمد طه وأشرف عامر وياسر قطامش والدكاترة أحمد درويش وأبواليزيد الشرقاوى وأحمد بلبولة والإذاعى السيد حسن وكاتب هذه السطور.

بداية، أوضح «السماح عبدالله» أننا يمكننا أن نلخص حياة العقاد بأنه رجل معارك من طراز فريد، فقد خاض معارك أدبية من النوع الثقيل، ابتدأت بهجومه المجحف على أمير الشعراء أحمد شوقى فى كتابه «الديوان»، وانتهت بهجومه الشرس على الشعر الجديد، أما معاركه السياسية، فهى سجل مفرود، يمكننا أن نطالعه فنزداد دهشة لصلابة الرجل الذى كان يتباهى بأنه قادر على إسقاط حكومة ببرية قلم، وما المعركة التى أثيرت حوله مؤخرًا إلا امتداد لطبيعته التى جبل عليها، مشيرًا إلى شجاعة الأهرام التى بادرت بنشر المقالة عن العقاد، على ما فيها، الأمر الذى فتح الباب على مصراعيه لإثارة كل الجدل الذى شهدته الحياة الثقافية مؤخرًا.

وأكدّ الحاجة لإثارة مثل هذه القضايا التى تثرى حياتنا الفكرية والأدبية، آخذين فى الاعتبار أن العقاد ابن زمنه، ابن ذلك الزمن الذى كان للكاتب فيه مكان ومكانة، وكانت الأحزاب تتنافس على استقطاب أصحاب الأقلام، بل إن الكتاب هم الذين أنشأوا الأحزاب فى مصر، كما هو الحال مع أحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل وسواهما، كما أنهم أنشأوا الصحف، فى الوقت الذى كان باعة الصحف ينادون الجرائد بأسماء كتابها.

من جهة، ذهب الدكتور أحمد درويش، رئيس لجنة الدراسات النقدية بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن إرادة بناء الأمم تتطلب إعادة النظر فى الموروث، وأن نجيب عن سؤال ما الذى بقى من الرموز الفكرية ليومنا هذا؟ فالواضح أنه لم يبق من ابن سينا ولا الحسن بن الهيثم ولا غيرهما شىء.

وأورد «درويش» أن مقولة العقاد ليس بشاعر، قضية زائفة فى ميزان الفكر، فيكفى أنه كتب من حيث الشكل، وأن تجد طه حسين وهو من هو أن ينتصر للعقاد فى إمارة الشعر عقب رحيل أمير الشعراء أحمد شوقى 1932، مستدركًا أن الفكرة لم تعش، لكنها تبقى شهادة مهمة ليست صادرة من عابر طريق، إنما من مفكر قد يجامل قليلًا لكنه لا يمكن أن يزيف.

الدكتور أبواليزيد الشرقاوى أستاذ النقد الأدبى المعاصر بجامعة القاهرة، بيّن أنه منتم إلى مؤسسة أكاديمية تتغنى بحب العقاد، وشدد على أنه لا يشكك فى العقاد ولا نتاجه الذى إذا قرأه شخص ما صار مثقفًا بوصفها أمرًا كفيلًا بمنح الفرد خلفية ثقافية جادة، إذ كتب صاحب رواية «سارة» 6 آلاف مقالة، فى إحصاء حمدى السكوت المنشور عام 1982، وله 173 كتابًا متنوعين بين الأدب والشعر والمقالات والتاريخ الإسلامى وغيرها، ورأى «الشرقاوى» أنه لا يحق لشخص قرأ كتابين أو 5 أو عشرين الحديث عن العقاد، بينما يجب على من يتصدى للعقاد أن يقرأ نصف إنتاجه، منذ أن بدأ الكتابة 1907 ونشر أول مقالة عام 1911. وعرّج على سؤال سبب حظية العقاد بالحضور العاطفى، وأنّه سأل كثيرين من العقاديين والمدافعين عنه والمتحمسين له عما قرأتموه للرجل، فكانت الإجابات مخيبة للآمال واكتشف أنهم لم يطالعوا للمتحمسين له منذ سنوات، منتقدًا موقف العقاد نفسه من شعر التفعيلة بخاصة فى حادثة تحويل قصيدة عبدالمعطى حجازى فى الخمسينيات إلى لجنة النثر، واعتبر ذلك محاولة من العقاد لإثبات ذاته التى لا يبقى منها الآن سوى كتبه فى العبقريات.

الدكتور أحمد بلبولة رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، اعتبر أن مدخل السماح عبدالله لدراسة العقاد لم يكن مقبولًا لكنه محمود فى قراءة تراث بدايات القرن، الذى اعتبر عموده الثقافى كتاب أبى حامد الغزالى «إحياء علوم الدين» وحضوره فى كتابات حسن البنا وسيد قطب ونجيب محفوظ فى أولاد حارتنا، وأوضح «بلبولة» أن الغزالى عمل على تحويل الدين لسلوك، ومن خلال الأخير حمل العقاد على كاهليه أن يحرر الشعر والشعراء، وأن يكون كاتبوه فى طليعة النهضة ومقدمة الحراك، وأعلى من قيمة الحرية، مشيرًا إلى نباهة العقاد المبكرة بخطورة أدولف هتلر خلاف المفكر عبدالرحمن بدوى الذى اعتبر الألمان منقذين لمصر من الإنجليز، فضلًا عن مواجهات العقاد مع جماعة الإخوان التى أطلقت عليه رصاصة ظلت آثارها على شرفة بيته.

فضّل الإذاعى السيد حسن، مقدم برنامج «معارك فكرية» فى الإذاعة الثقافية، أن يتناول العقاد بأدوات العقاد نفسه، وبحث عن «مفتاح الشخصية» فى كتابات مؤلف العبقريات، نافيًا أن يكون عملاق الفكر العربى «منافقًا»، إنما رآه نرجسيًا متحديًا، وظل يشعر بالغبن تجاه نفسه التى رآها لم تحصل على التقدير المعنوى والمادى والسياسى.

فيما تناول الشاعر أحمد طه آخر مقالات العقاد عن الشعر التى نشرها فى العدد الافتتاحى لمجلة الشعر يناير 1964، بيد أنه رأى الرجل متقلبًا يبحث عن ذاته، فقد كتبَ الشعر ورأى نفسه أحق من شوقى بالإمارة، وكتب فى النقد الأدبى لينافس عميد الأدب العربى طه حسين، وكتب فى الإسلاميات ورأى نفسه أفضل من أحمد أمين، وخاض فى السياسة ليظن أنه أفضل من مصطفى النحاس مثلًا، قبل أن يهيج ضد الشباب فى وقته بخاصة مؤلفو كتاب فى الثقافة المصرية محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس، وكشف «طه» أن العقاد كان يكره الأكاديميين كراهية عمياء، فضلًا عن شعوره بالدونية تجاه أبناء عصره فى جوانب الثراء والألقاب السياسية، حتى إنه اصطنع وجود طباخ وسفرجى وهو فى غير حاجة إليهما، إنما تشبهًا بمجايليه، ومثلت عقدة كبيرة بجانب عقد أخرى بخاصة تجاه النساء، موضحًا نبرة الاستخفاف بالشعر والدراسات النقدية حول الشعر التى يقدمها رواد المجلة مسميها «هذه الأحاديث» ومسخفًا من الأكاديميين بوصفهم من جمهور الشعر للدراسة، وأصحاب الرأى الأدنى فى المدارس الشعرية!.

الشاعر أشرف عامر قال إنه منذ قرأ مقالة السمّاح عبدالله فى الأهرام، وهو عاكف على قراءة العقاد، وقد استطاعت هذه القراءات أن تحببه أكثر فى العقاد، وانقلب رأيه عنه تماما، فقد اكتشف أنه أمام كاتب فريد فى أسلوبه وفى رؤاه الفكرية، كما أن المقدمة النظرية التى كتبها لديوانه عابر سبيل مفاجأة من العيار الثقيل.

أما كاتب السطور، فقد تناول نقطتين، الأولى خاصة بالمناقشات التى دارت عن السوشيال ميديا، التى اتسمت بنزعات إقصائية لأى موقف ناقد للعقاد انطلاقًا من «الشعور بالقلق المفرط فى السلبية» حيال الموروث العقادى، واعتقادًا فى أن أى نقد لموروث الرجل يعنى انتقادًا للفكر العربى. كما تعد المناقشات مثالًا على نقل الأطر الاجتماعية إلى السياق الثقافى، ومثال ذلك «كبير المنطقة»، قد يعتبر العقاديون مفكرهم «شيخ عمود» وكبيرهم، وانتقاده تعديا على منطقتهم الفكرية، مما يتوجب نصره ظالمًا ومظلومًا.

أما النقطة الثانية فتعلقت بـ «لغة العقاد المقفلة» بتعبير هاربرت ماركيوز التى لا تبرهن على أى شىء بخاصة فى العبقريات، التى كان من خلالها يغازل الجماهير، دون أن يوجه أى نقد لهذه العبقريات، ناهيك عن الرؤية النتشوية المسيطرة على هذه المؤلفات التى ترى دورًا رئيسًا للفرد السوبر مان فى تحريك التاريخ، بينما يبدو المجموع مجرد «قطيع» وتابعين.

وفى ختام النقاش، اعترف الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، بحبه للعقاد الذى رآه «كبيرًا وكثيرًا» فى جوانبه، فحين تقرأ شعره تظن أن حياته مكرسة للشعر، وتقرأ نثره وكأنه لم يفعل شيئًا فى حياته سوى الكتابة، وينتقل من موضوع إلى آخر وهو مجيد فى كليهما، وأضاف «حجازى» أن العقاد كان قارئًا نهمًا كما كان كاتبًا غزيرًا، وهو عبقرية ضخمة، كتبَ شاعر «مدينة بلا قلب» مقالات عدّة فى كتابه «مدينة النور» بجانب زملائه الذين ولدوا فى عام 1889 مثل طه حسين وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة الذى ارتبط مع العقاد بعلاقة قوية، مبينًا أنه يتشابه معه فى رفض الشعر الجديد، فكما رفض الأول شعر التفعيلة اتخذ الثانى موقفًا من قصيدة النثر، إلا أنه شرح أن العقاد حارب التفعيلة حربًا شرسة بينما كان حجازى ينشر نماذج قصيدة النثر حين كان رئيسًا لتحرير مجلة «إبداع».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق