هى السينما التى تساعدنا على التحرر، من خلال شخصيات درامية من لحم ودم كثيرا ما تشبهنا، أو تحملنا لعوالم طالما تمنينا أن نعيش فيها، كل منا يبحث عن الحرية وتحرر الروح بطريقته، فما بالك عندما تكون أنت بطل هذا الشريط، كيف هو حالك عندما تجد نفسك تبوح بمكنوناتك، وتفتش فى أدق تفاصيل حياتك التى شكلت شخصيتك ورسمت مسارك، وماذا تفعل عندما تجد نفسك تطرح مواجعك على الملأ؟ وهل حقا ينطبق المثل الشعبى «اكفى القدرة على فمها تطلع البنت لأمها» على فيلم «احكيلى » لصاحبته ماريان خورى الذى يشارك فى الدورة الـ 41لمهرجان القاهرة السينمائى فى تجربة جديدة يشارك بها فيلم وثائقى لأول مرة فى المسابقة الرسمية؟.
كثيرة هى التساؤلات التى تطرحها المخرجة المتميزة والموهوبة والمنتجة «ماريان خورى» من خلال فيلمها، والحكى عن أربع نساء من عائلة واحدة يمثلن أجيالا مختلفة، من أسرة متنوعة اجتماعيا وثقافيا.
عن التسع سنوات التى استغرقتها ماريان ليخرج فيلمها «احكيلى» للنور تقول لـ «الأهرام»: أحلم بإنجاز هذا الفيلم منذ فترة طويلة وتحديدا بعد عرض فيلمى ظلال فى 2010.. الموضوع كان بداخلى ودائما ما كنت أحوم حوله، وساعدنى على تحقيق ذلك أرشيف جدتى الذى تركته لى بعد وفاتها وهو الأرشيف الذى زدت عليه الكثير فأنا أعشق التصوير، ومن خلاله أسجل الكثير من التفاصيل الحياتية.
كان هناك الكثير من لحظات المراوغة النفسية قبل العمل على الفيلم.. ماذا عن اللحظة الدرامية التى قررت فيها إنجازه؟
تصمت ماريان لحظة مؤكدة:«بالفعل حدث ذلك ولكن ابنتى سارة كثيرا ما كانت تطرح على تساؤلات عن جدتها، رغم أنها لم ترها حيث توفيت قبل مولدها، ولكن سارة تذكرنى كثيرا بأمى وتشبهها جدا».. وتضيف: توفيت والدتى فى عام 1989وسبقتها جدتى وكنت حاملا فى ابنى يوسف، والثمانينيات كانت فترة صعبة فى حياتي، وأذكر أننى لم أخرج الكثير من اللحظات الانفعالية وكنت أكتم حزنى والكثير من الأمور داخل نفسى، ويبدو أن تساؤلات سارة حركت الكثير بداخلى وبداخلها وبدأ كل منا رحلة البحث، وبكل صدق تساؤلات سارة كانت المحفز والمحرك الأساسى للعمل على الفيلم، خصوصا أن الأرشيف كان عندى لكن لم أكن مستعدة نفسيا للاقتراب منه.
وعن أهم الصفات التى تميز شخصية والدتها شقيقة الراحل يوسف شاهين وجعلتها مفتاحا للحكى والبوح عن أجيال مختلفة من العائلة أجابت: «والدتى كانت كتلة من الذكاء الخارق، ورغم أنها لم تكن متعلمة، إلا أنها كانت تملك شخصية وكاريزما بحيث أنها لو دخلت أى مكان كانت «بتاكل الجو وتأخذ العين»، وتضحك ماريان معلقة: «شاهين كان جنبها بيكش»، فهى شخصية شديدة الفطرية والجاذبية، خفيفة الدم، وعيناها كانتا تشبهان عينى شاهين، ويحمل الفيلم تسجيلا مع شاهين واعترف لى بأنه كان يغار منها.
وماذا عن التسجيلات النادرة التى منحها لك شاهين؟
تجيب:« بالفعل منحنى شاهين تسجيلا نادرا لوالدته حيث كان يسجل معها على شرائط كاسيت فى أثناء تحضيره لفيلم «إسكندرية ليه»، وكانت جدتى تروى له تفاصيل عن شكل ونمط الحياة فى الإسكندرية ليعرف الكثير من التفاصيل التى وظفها فى فيلمه، لذلك صوت جدتى حاضر فى الكثير من المشاهد، وأيضا صوت والدتى.
يرصد فيلم «احكيلى» رحلة شخصية -انسانية وبصرية - تمتد لأربع سيدات من أربعة أجيال مختلفة من عائلة المخرج الراحل يوسف شاهين ذات الجذور الشامية - اليونانية. .فكيف ساعدتك رحلة الفيلم فى إعادة اكتشاف نفسك، وشكل علاقتك بوالدتك وابنتك والجدة ؟
تقول:«الحقيقة أن رحلة العمل على الفيلم وإنجازه جعلتنى أكتشف الكثير داخل روحى، ليس ذلك فقط بل ساعدتنى تلك الرحلة على التحرر من أشياء كثيرة كانت مكبوتة بداخلى لسنوات طويلة، فأنا دائما أحب أن أفتش فى المنطقة ما بين الذاكرة والواقع». وتضحك ماريان قائلة:« دائما أعيش حياتى فى تلك الحالة «هناك واقع وذاكرة أصنع منها فيلما موازيا فى خيالى لأى حدث يمر على».
تملكين مواد أرشيفية وتسجيلات للكثير من أفراد العائلة تصل لعشرات الساعات، وبالتأكيد كان المونتاج صعبا للوصول إلى المدة الزمنية للفيلم 95 دقيقة.. كيف تعاملت مع الأمر؟
تجيب:«استغرق مونتاج الفيلم عامين، بدأت مع المونتيرة دعاء فاضل، ولكنها وجدت صعوبة فى أجزاء من المواد الأرشيفية للعائلة حيث كنا نتحدث فى أجزاء منها بالفرنسية، التى هى اللغة الأساسية مع العربية لأفراد عائلتنا، لذلك استعانت بمساعدة تجيد الفرنسية وهى بيرهان، التى وجدتها تسجل الحوارات الدائرة بيننا بصوتها، لذلك أكملت معى المونتاج الذى اعترف أنه كان شديد الصعوبة، خصوصا أننى وذكرياتى جزء من هذه الحوارات».
(تروى أحداث الفيلم - من خلال جلسة دردشة بين «ماريان وسارة» اللتين تعملان فى مجال السينما» - قصة «الأم» وهى مخرجة الفيلم ماريان خورى، و«الابنة» وهى «سارة» التى تدرس السينما فى كوبا، وتسعى كل منهما لاكتشاف الحياة بصعوباتها ومتعها، من خلال مشاهد أرشيفية لم يرها أحد من قبل، وتغوص فى عالم بين الحقيقة والخيال، سواء كان ذلك من خلال شخصيات أفراد العائلة التى ظهرت فى أفلام الخال المخرج الراحل يوسف شاهين الذاتية، أو من خلال أدوار سيدات العائلة الحقيقية فى الحياة عن التشابهات التى تجمع النساء الأربع رغم اختلاف الأجيال).
وتقول ماريان:« لابد أن تشاهدوا الفيلم لتعرفوا بأنفسكم، رغم الأزمنة المختلفة إلا أن هناك الكثير من الملامح المشتركة سترونها، فالفيلم يعتمد على أرشيف كبير للعائلة يمتد لحوالى 100 سنة، وينتقل ما بين مدن مختلفة وهي: الإسكندرية والقاهرة وصولاً لباريس ولندن وهافانا، حيث سترون جدتى ذات الأصل اليونانى التى توفيت عن عمر يناهز الـ80 عاما إلا أنها كانت مصرية بنت بلد جدا، وكانت تجيد أربع لغات رغم أنها لم تذهب إلى المدرسة إطلاقا، وتزوجت برجل يكبرها فى العمر، ووالدتى توفيت وعمرها 63 عاما وسبق وتحدثت عن جاذبيتها وذكائها.. الفيلم يحمل مسارات السيدات الأربع: مسار جدتى، ووالدتى وأنا وسارة التى لايزال مسارها فى مرحلة التشكيل».
الكثيرون يعتبرون العائلة أمرا مقدسا وأسرارا يصعب الاقتراب منها فماذا عن وجود اعتراضات من أفراد العائلة؟
أجابت: « شقيقى يرى ذلك فهو يؤكد دائما أن الأمور العائلية هى تفاصيل شديدة الخصوصية، تخصنا فقط ونحن أصحابها، إلا أنه فى النهاية سجل معنا فى الفيلم وتحدث عن العديد من الأمور».. وحول تعليقات المقربين والذين شاهدوا النسخة الأولى من الفيلم علقت:«كان أول عرض للنسخة الأولى فى يناير الماضى ومعظم من شاهد النسخة من المقربين أكدوا لى أن الفيلم قوى وصادم وصادق وحقيقى جدا».
أخيرا.. أضافت ماريان: لا أريد أن أصادر على الآراء وانتظر بفارغ الصبر عرضه فى مهرجان «ادفا» فى أمستردام للفيلم التسجيلى فى 21 نوفمبر الحالي، والعرض المهم فى مهرجان القاهرة السينمائى يوم25 نوفمبر الحالى أيضا.
رابط دائم: