«لما أنت مش بتعرف تتكلم جاى تعمل إيه» هذه الجملة أقل أنواع «التنمر» الذى دفعه للعزلة بعض الوقت، ولكن بتشجيع أسرته وأصدقائه عاد مرة أخرى لمواجهة الواقع بكل أوجاعه، وقرر التعبير عن معاناته من خلال السينما، وبعد رحلة تعلم وممارسة طويلة، ابتسم له الحظ وعرض أحد أفلامه فى ألمانيا، وما زال يحلم بالمشاركة فى مهرجان سينمائى مصرى، لأنه مؤمن بدور السينما فى رصد الواقع ومعالجته، وهذا ما جعله يصنف ضمن مخرجين الواقعية المصرية.
يسرد أحمد السمان (28عاما) قصته قائلا: بعد عام ونصف عام من ولادتى شعرت والدتى بأنى متأخر فى الحركة والنطق، وانتظرت حتى أتممت العامين، لكن لم يتغير شىء، وذهبت للطبيب الذى أخبرها بوجود مشكلة فى حاسة السمع، وأنها قد تحتاج إلى تدخل جراحى، وفى الوقت نفسه أكد استحالة قدرتى على الكلام نهائيا، وأنى سوف أكون من مستخدمى لغة الإشارة.
ويضيف: تم إجراء ثلاث جراحات وأصبحت لدى القدرة على السمع بواسطة السماعات، ولأن والدتى كان لديها شعور قوى بأنها يوما ما سوف تسمع صوتى يملأ أذنيها فواظبت على حضورى جلسات التخاطب واستجاب الله لدعائها وأصبحت أنطق بعض الكلمات.
وعن كيفية التحاقه بمدرسة ليست للصم يوضح: لم ترغب والدتى فى دخولى مدرسة للصم حتى لا اعتاد لغة الإشارة، لذا الحقتنى بمدرسة عادية وواجهت صعوبات كثيرة خلال المرحلة الابتدائية، فقد كنت أتعرض للسخرية والتنمر من قبل بعض المعلمين والطلاب، ومرت الأمور على نحو جيد حتى وصلت للمرحلة الإعدادية، وزاد التنمر وأصبح بشكل أكثر عنفا وقسوة، كنت اسمع بعض العبارات مثل «لما أنت مش بتعرف تتكلم جاى تعمل ايه» وحدثت الفاجعة عندما كنت فى الصف الثالث الإعدادى حيث اتفق بعض الزملاء على إلقائى من الأتوبيس وهو يسير مستغلين فرصة عدم وضعى للسماعة لأنها تسبب لى معاناة شديدة خلال زحمة الشارع وصوت إنذار السيارات، وبالفعل وقعت من الأتوبيس وهو يسير بأقصى سرعة، لكن أراد الخالق أن يكتب لى عمرا جديدا.
وقد كشف هذا الحادث أمام عينى معاناة السنوات السابقة من المجتمع ونظرة الناس تجاهى، مما زرع بداخلى الخوف من التعامل مع الناس مرة أخرى وقررت استكمال العام الدراسى حتى أحصل على شهادة الإعدادية، ثم التوقف عن رحلة التعليم.
وعن اهتمامه بعالم السينما وتجربة الإخراج يقول: بدأ انبهارى بالسينما من خلال مشاهدة الأفلام على الشاشة الصغيرة فى المنزل، وكنت أتساءل كيف يتم كتابة سيناريو الفيلم وأداء الممثلين لأدوارهم؟ كل ذلك دفعنى للبحث والدراسة الذاتية من خلال شبكة الإنترنت، وبعد عدة سنوات من الاطلاع ومحاولات كتابة سيناريو لاحظ أحد المقربين موهبتى فى الكتابة ونبهنى إلى ذلك مما عزز ثقتى بنفسى.
ويضيف: فى عام ٢٠١٥ قررت دخول مجال السينما وشاركت فى ورش عمل مجانية لعدم توافر إمكانات مادية لكونى أعمل باليومية فى أى مجال قد يكون حديقة أو محلا، أى فرصة عمل شريف تتوافر أمامى لا أخجل من العمل بها.
وفى عام ٢٠١٦ شاركت فى إحدى ورش مهرجان الإسكندرية السينمائى مع أحد المخرجين السوريين وقمت بعمل فيلم عن أغانى المهرجانات وتأثيرها السلبى على الشارع المصرى.
وفى العام التالى صنعت فيلما يناقش صعوبة زواج الشباب، وعام ٢٠١٨عندما أعلن أنه عام الأشخاص ذوى الإعاقة قدمت فيلما يتناول معاناتى فى الطفولة، بعدها قررت عمل فيلم وثائقى عن المبدعين الذين عانوا بسبب الإعاقة لكنهم نجحوا وحفروا بصماتهم فى الحياة ووقع الاختيار على الموسيقار عمار الشريعى والملحن سيد مكاوى لذلك التقيت السفيرة إيناس مكاوى ابنه الملحن الراحل وتمكنت من توثيق معلومات لم يتوصل إليها أحد من قبل منها أنه قيل له «أنت لا تتوافر بك مواصفات المطرب» وبعدها بأسبوع طلب منه المخرج أحمد بدرخان المشاركة فى تمثيل فيلم العروسة الصغيرة ليقوم بدور ملحن كفيف، وكذلك تناول الفيلم دور الفنان عمار الشريعى الذى كرمته اليابان وتم إدراج اسمه ضمن أهم موسيقيى العالم.
بعد ذلك بدأت العمل على فيلم «مجرم سينما»وحالفنى الحظ وتم عرضه فى مهرجان «ديتمولد» السينمائى بألمانيا وبعد العرض تلقيت من إدارة المهرجان رسالة تقول «عزيزى أنت لست مجرم سينما بل ملهم سينما» كما تم عرض الفيلم بقبرص وسلطنة عمان بالجمعية العمانية للسينما والمسرح والتى كتبت عبر صفحتها على موقع «فيس بوك «أنها تجربة نادرة لكننا بحاجة إلى معرفة المزيد عن هؤلاء الأشخاص، وكل الأفلام التسجيلية والوثائقية التى قدمتها كانت من تأليفى وإخراجى وأيضا أشارك فى التمثيل.
وعن أحلامه يذكر السمان: أحلم بإيجاد فرصة يتوافر لى من خلالها الدعم المادى والمعنوى من إحدى الجهات المعنية حتى أتمكن من صناعة نوع جديد من السينما يناقش قضايا ذوى الإعاقة ويعبر عنهم بواقعية فهناك بعض الأعمال السينمائية التى تعرضت لقضايا ذوى الإعاقة لكن بسطحية وسخرية، فهل أجد من يتبنى موهبتى ويمد لى يد العون؟
رابط دائم: