ربما يكون قد آن الآوان لانحسار موجة مد اليمين المتطرف، ليبدأ العالم صفحة جديدة مع طرف المعادلة الآخر، ممثلا فى اليسار، الذى أبدى تفوقا ملحوظا فى نتائج اقتراع بعض الدول مؤخرا. ولعل ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الكندية قبل أيام أحد أبرز المؤشرات على ذلك التوجه الجديد.
فحزب المحافظين الكندى بزعامة رئيسه المفوه أندرو شير، صاحب التوجهات اليمينية الواضحة، لم يستطع تأمين فوزه فى الانتخابات التشريعية الأخيرة بالبلاد بل جاء فى المركز الثانى بعد الحزب الليبرالى بقيادة رئيس الوزراء الكندى جاستين ترودو، المعروف بأيدلوجيته الليبرالية الاجتماعية المنتمية لتيار يسار الوسط. فقد اقتنص المحافظون 121 مقعدا، فى حين أظهرت النتائج شبه النهائية سيطرة حزب ترودو على 157 مقعدا من أصل 338 مقعدا داخل مجلس العموم الكندى، الغرفة الأدنى لبرلمان البلاد، ليتولى هو مهمة تشكيل الحكومة الكندية.
وبالرغم من أن تلك ليست المرة الأولى التى يتولى فيها ترودو مهمة تشكيل حكومة البلاد ، إذ سبقها بحكومته التى أعلنها عام 2015 بعد انتصار انتخابى ساحق، إلا أن نجاحه هذه المرة ذو مذاق مختلف، لقدرته على تغيير وجه السياسة الكندية لعدة سنوات قادمة.
فرئيس الوزراء الكندى، الذى لم يستطع تأمين أغلبية مطلقة لحزبه تللك المرة بالبرلمان، سيضطر قبل أداء اليمين الدستورية المقررة فى 20 نوفمبر الجارى الحصول على دعم أحزاب يسارية أصغر تتبنى أجندات يسارية خالصة وأكثر تشددا لتأييد مواقف حكومته تحت قبة البرلمان. ويعد الحزب الديمقراطى الجديد بقيادة جاجميت سينج وحزب الخضر بزعامة إليزابيث ماى هما الأبرز حاليا على الساحة للتحالف مع ترودو، خاصة أن الثلاثة معا سيكون بإمكانهم إعلان السيطرة على 184 مقعدا داخل البرلمان، من بينهم 24 مقعدا للديمقراطيين، و3 للخضر.
لاشك أن صعود تيار اليمين الشعبوى بشكل مخيف مؤخرا فى معظم دول أوروبا وفى الولايات المتحدة المجاورة، ربما يكون الدافع وراء ميل الكنديين للتوجه يسارا فى انتخاباتهم تلك المرة، لكن هذا لا يعنى أن مستقبل البلاد سيكون مفروشا بالورود فى السنوات القادمة تحت عباءة اليسار، بل لا تزال هناك الكثير من المخاوف التى يتحدث عنها المراقبون، مثل مدى تأثير ذلك على خفض أسعار الفائدة وتعاملات الأسواق المالية بالبلاد، أو احتمالات أن تؤدى السياسات البيئية المتشددة بشكل مبالغ فيه لتضرر بعض القطاعات الصناعية، مثل الصناعات القائمة على الطاقة، التى تمثل وحدها 11 % من إجمالى الناتج القومى للبلاد. بدأت أولى مؤشرات ذلك بالفعل فى الظهور مع إعلان عدد من شركات البترول العاملة بكندا تسريح بعض من عمالتها، ترقبا لما هو آت.
فهل تستطيع تجربة صعود اليسار الخجولة على الصعيد العالمى إثبات جدارتها بكندا أم أنها قد تدفع الناخبين يوما لقول «جحيم اليمين ولا جنة اليسار»؟
رابط دائم: