مفاعل الضبعة من أحدث المفاعلات بالعالم
ويتميز بأعلى تقنيات الأمان
بعض ممن يُحكمون فى المشروعات يتعمدون
رفضها لسرقة الأفكار التى تحويها
تفتحت عيناها على قراءة المجلات والكتب العلمية، واعتادت أذناها سماع قصص علمائنا النابغين فى الذرة، مثل سميرة موسى، ومصطفى المشد، واحمد رياض ترك، وعطية عاشور، وذلك نظرا لنشأتها فى منزل محب للعلم والعلماء، وهو ما أثر فى شخصيتها، وفى حياتها بوجه عام.
حلمت فى الابتدائية ببناء مفاعل نووى، وتتبعت خطى حلمها حتى أصبحت اليوم الدكتورة هدى أبو شادى، عالمة الذرة، وعضو المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى، التابع للرئاسة، ووكيل أول كلية النانو تكنولوجى بجامعة القاهرة.
فى حوارها لـ»الأهرام « أوضحت الدكتورة هدى أبوشادى أن قراءتها لمجلة المعرفة التى كانت تصدرها جريدة الأهرام، كانت من أهم العوامل التى حببتها فى العلم والعلماء، وساهمت فى تكوين عقليتها مبكرا، كما أشارت فى الحوار لصلة قرابتها بالعالم الدكتور يسرى أبو شادى، وجذور عائلتها بالمنوفية، وروت لنا عن مواقف جدها البرلمانى مع الملك فى الأربعينيات، وتعرضه للسجن بسبب استجواب للملك.
كما تضمن الحوار محاور مختلفة عن دور المجلس التخصصى للتعليم، وأهم مقترحاته، وما نفذ منها على ارض الواقع، هذا بالإضافة إلى رؤيتها للمعوقات التى تواجه عملية تطوير التعليم، وأهمية مفاعل الضبعة ومدى أمانه، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى بالحوار:
هل هناك صلة قرابة لك مع الدكتور يسرى أبو شادى عالم الذرة المصرى؟
عائلة أبو شادى من العائلات الكبيرة، والتى يبلغ تعدادها نحو مليون ونصف المليون، وجذورها من شبه الجزيرة العربية، لأصول هاشمية من نسل الحسين رضى الله عنه، وجاءوا إلى صعيد مصر بالفتح الاسلامى، وخرج منها فرع بالدقهلية بميت غمر، حيث ينتمى الدكتور يسرى، أما نحن فجذورنا لفرع عائلة أبو شادى بالمنوفية، بقرية سنجلف بجوار مدينة سرس الليان.
لكننى من مواليد القاهرة، وكنا نتردد كثيرا لزيارة جدى والعائلة بالمنوفية، حيث كان جدى يشغل مهام وكيل وزارة الداخلية، ثم عضوا بمجلس النواب، وعضو مجلس شيوخ عن منطقة منوف، هذا إلى جانب امتهان المحاماة.
واضح أن العائلة لها باع بالعمل بالسياسة بفترة الملكية، فهل كان يحكى لكم جدكم مواقفه السياسية والأوضاع فى تلك الحقبة؟
عُرف عن فريد أبوشادى أنه كان من الشخصيات القوية، يعتز بمبادئه ولا يخشى فى الحق أحدا، فكان صاحب أول استجواب بمجلس الشيوخ عن الأسلحة الفاسدة بحرب عام 1948، ومحامى الأديب إحسان عبدالقدوس عن هذه القضية، ونادى بمجانية التعليم فى عهد الملك، ومواقفه هذه تسببت فى دخوله السجن فى فترة من الفترات، وهو أيضا أول من رفع قضية ضد جمال عبدالناصر، طالب فيها بإلغاء فرض الحراسات، وحصل على حكم الإلغاء فعلا.
هذا عن جدى، أما والدى فرغم عشقه للعلم، فقد كان مناضلا وطنيا من صغر سنه، وشارك فى مقاومة الاحتلال الانجليزى منذ حداثة سنه، حيث ألقت قوات الاحتلال القبض عليه وعمره 16 سنة، رغم أن والده كان وكيل وزارة الداخلية، ولم يتمكن من الإفراج عنه.
وما سبب دخول جدك السجن؟
لأنه تقدم باستجواب للملك بالبرلمان، لاصطحابه إحدى الراقصات على متن طائرة حربية.
هل قدم الاستجواب فى حضور الملك بالبرلمان؟
لا، ولكن حين علم الملك بأمر الاستجواب وفحواه، اتصل بجدى هاتفيا.
وكيف كان مسار هذه المحادثة؟
تلقى جدى مكالمة التليفون، وفوجئ أن محدثه هو الملك، والذى بدأ كلامه لجدى، قائلا: يا ابن « كذا «عبارة سب وجهها له، مع لومه على فحوى الاستجواب الذى تلاه فى البرلمان، ثم أكمل بتهكم: نقول مبروك يا باشا، ولا الله يرحمك يا بك.
فما كان جواب جدك؟
رد على الملك قائلا: نقول الله يرحمه.
هل تعرض للقتل فعلا؟
لا، اكتفى الملك بسجنه لمدة عام.
هل روى لكم ذكريات عن العام الذى أمضاه سجينا؟
نعم، أمضى هذه الفترة بسجن الزيتون، وكان رفيق محبسه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والذى كتب عنه فى كتاب البحث عن الذات، وقال عنه إنه يتقن طبخ الانتخابات جيدا، وإذا قرر دخول الانتخاب فلابد أن يخرج منها منتصرا.
«يتقن طبخ الانتخابات».. هل كان يقصد بها السادات المدح، أم الإساءة لأسلوبه فى خوض الانتخابات؟
بالعكس، كان يقصد الإشادة لنهج جدى فى العمل السياسى والاجتماعى بدائرته بالمنوفية، والذى كان ينال قبول وتقدير كل أبناء دائرته، نظرا لتواصله المباشر والدائم معهم، ومشاركتهم فى كل المواقف، ومساعدتهم فى حل مشاكلهم، والعمل للصالح العام وللأهالى، وكان نتيجة ذلك الاستحواذ على ثقة الناخبين، والفوز بأصواتهم فى كل الانتخابات التى خاضها منذ عام 1938 وحتى 1950.
من المؤكد أن لديك ميراثا من الذكريات التاريخية الزاخرة بالأحداث والمواقف التى تبلور صورة المجتمع فى تلك الحقبة؟
هذا صحيح، وأفخر بكم الذكريات التى اطلعت عليها من خلال انتمائى لعائلة عملت بالمجال العام والسياسى والعلمى، وذوبانها فى قلب المجتمع فى حالة وئام وترابط رغم اختلاف أطياف المجتمع وأفكاره وعقائده، وعلى سبيل المثال جدى كان محامى فؤاد سراج الدين باشا، ويجلسون معا على المقهى كأصدقاء قبل دخول البرلمان، وما إن يدخلان وتبدأ الجلسات فيقوم بدوره كعضو برلمانى باستجواب سراج باشا بوصفه رئيس حكومة الوفد، وقد يصل الأمر لاحتدام بينهما تحت قبة البرلمان حول موضوع الاستجواب ليقينهما بأن الهدف الأصيل لموقف كل منهما هو صالح الوطن، وبعد نهاية الجلسة وبخروجهما من مبنى المجلس ينتهى الخلاف، فأبهى مميزات الزمن الماضى تمسك معاصروه بأخلاقيات سامية، واحترام الآخر حتى لو كان غريمه، وأذكر حين توفى جدى عام 1986 وعمرة 96 سنة، وأصر فؤاد باشا على حضور عزائه وهو فى عمر 68 سنة مستندا على عكازه.
نعود لمسيرة الدكتورة هدى أبو شادى العلمية،هل كان حلمك أن تكونى عالمة ذرة، أم جاءت بمكتب التنسيق؟
نعم، فوالدى وشقيقى من خريجى كلية العلوم. ونشأت فى أسرة تحب العلم بشكل بحت، وتهتم بتطبيقه بالجانب الصناعى، فوالدى كان يعمل كيميائيا فى مصانع الحديد والصلب بأسوان، ووالدتى كانت أول سيدة تعمل فى مصانع الاسمنت كمحامية بالشىءون القانونية بمصنع اسمنت طره عام 56، ومنهما شربنا حب العلم، حيث كان والدى يحرص على شراء الكتب والمجلات العلمية، ويحكى لنا عن أساتذته بالجامعة من علمائنا النابغين، ودرسوا له بداية من الدكتورة سميرة موسى، ومصطفى باشا مشرفة، عميد كلية العلوم حينها، وكذلك الدكتور عطية عاشور، والدكتور احمد رياض ترك، هذا إلى جانب زملائه وأصدقائه المقربين، حيث كانوا من الشخصيات العلمية العظيمة، منهم الدكتورة فرخندة حسن، والدكتور مصطفى كمال حلمى، والدكتور لطفى عبدالخالق، ولكم أن تتخيلوا بيئة تضم كل هذه الكوكبة من العلماء، والحديث السائد يدور حول العلم والكيمياء والجيولوجيا والأحياء، مما أهل عقليتنا ونفوسنا لعشق العلم فى سن مبكرة، لدرجة أنى حلمت ببناء مفاعل نووى وأنا بالصف السادس الابتدائى، بعد زياتى مع والدى لنقابة المهن العلمية، وهناك وقفت على خطوات بناء السد العالى ودوره فى توليد الكهرباء، واحتياجنا لطرق أخرى لتوليد الكهرباء تتناسب مع زيادة عدد السكان المتوقعة.
ومن أين أتت لك فكرة المفاعل النووى؟
كنت اقرأ مجلة المعرفة التى كانت الأهرام تصدرها بشكل دورى، ووالدى كان صديق صلاح جلال، مؤسس نوادى العلوم، وكثيرا ما ذهبت معه لزيارته بمكتبه، الذى كان بالدور الذى يوجد فيه مكتب نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، بمبنى الأهرام، وكان يهدينى كتبا ومجلات علمية، ومن كل هذه المصادر تكونت بؤرة التفكير والتحصيل العلمى لدى، والتى كانت تتزايد مع الوقت حتى وصلت لكلية العلوم، وتفوقت وكنت الأولى على مدار السنوات الأربع، حتى التخرج، وحصلت على عديد من الجوائز وتم تعيينى معيدة بجامعة القاهرة.
هل عاصرت فترة اغتيال الدكتورة سميرة موسى والدكتور مصطفى مشرفة؟
لم أعاصر وفاة الدكتورة سميرة موسى، فى عام 1942، والدكتور مصطفى مشرفة، حيث توفى عام 1950، ولكن والدى حكى لى الكثير عن قصتهما وشخصيتهما وعلمهما، فذكر لى أن الدكتور مشرفة كان خفيف الظل، وروحه مرحة تهوى الطرفة.
ما تفسيرك لعمليات الاغتيال التى تستهدف علماء الذرة بالشرق الأوسط وآسيا؟
بالفعل، هذا ما حدث، وكما استهدف علماء مصريون، اغتيل علماء عراقيون وإيرانيون وباكستانيون داخل بلادهم، والعدو شكله وأسلوبه للمواجهة يتغير من وقت لآخر، فمثلا مع دخول الأمريكان للعراق تم تصفية عدد كبير من العلماء العراقيين، وفر آخرون لإيران.
سلسلة الاغتيالات التى ترصدت علماء ذرة مصريين ألا تؤرقك؟
هذه المخاوف تقلق من يعمل على تخصيب وتصميم المفاعلات والأسلحة، بينما شغلى كله مكونات معملية تفيد الإنسان من نوعية المقاومة الإشعاعية، وتنقية المواد الغذائية من البكتريا، واستخداماتها الطبية وفحوصاتها وعلاج الأورام.
هل تقصدين أن طبيعة عملك وأبحاثك سلمية؟
بالضبط، والاهتمام العالمى معظمه صوب هذا الاتجاه، ولم يعد الشغل الشاغل هو التفكير فى المفاعلات باختراع أشياء تؤثر بالسلب، فنحن فى مصر، بالنسبة لنا تنفيذ وتشغيل مشروع الضبعة سيمثل نقلة نوعية كبيرة، لما يوفره من طاقة كهربائية كما ستسهم الحرارة التى ينتجها فى تحلية مياه البحر لاستخدامها فى زيادة مساحة الأراضى المستصلحة.
هل لكم مساهمة فى أعمال إنشاء محطة الضبعة؟
شاركت برأى استشارى للرئيس فى هذا المشروع، وهذا بجانب مشروعات بملفات متنوعة، من خلال تواجدنا بالمجلس التخصصى، وبالفعل لمسنا على ارض الواقع، تحقق الكثير منها.
وهل هذا المجلس تمكن من تحقيق أهدافه منذ تشكيله؟
المجلس كان فى ذروة نشاطه فى وجود الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، وقدمنا للرئيس 32 فكرة، وهذا بالتوازى مع الأفكار التى تقدم من مجلس تنمية المجتمع، ومتابعة ما يتم تنفيذه للأفكار يتم من قبل الرئاسة، ونحن مجلس استشارى مهمتنا طرح الأفكار، والجهات التنفيذية تتولى أمر تطبيقها.
ما الأفكار التى نفذت على ارض الواقع؟
كثير من الأفكار تم تنفيذها، ولكنى فى حل من الحديث عما تم تنفيذه، ولاسيما أنها تخص الرئاسة، ومع هذا هناك نماذج قوية لأفكارنا تم تنفيذها كبنك المعرفة، والكليات التكنولوجية، وزيادة الثقافة العلمية ومحتوى الصحافة العلمية، والتى زادت مساحتها بجريدة الأهرام وصحف ومواقع عديدة، هذا بالإضافة لاستعادة الهوية المصرية والتواصل مع الشباب.
ما القيمة التى أضافها بنك المعرفة؟
بنك المعرفة لم يتم استغلاله بكامل إمكانياته، ولذا احرص فى كلية النانو تكنولوجى على أن يكون لكل طالب فيها حساب ببنك المعرفة، بحيث لن اسمح بمنح كارنيه الكلية إلا لمن يملك هذا الحساب، لضمان استفادتهم منه، فبنك المعرفة ذو إمكانيات واسعة النطاق، ولابد أن تقف على هذه القدرات كافة مؤسسات الدولة، ولاسيما العلمية والتعليمية وتستفيد منها.
وماذا عن ملف التعليم ومنظومة تطويره والانتقادات التى تشكك فى جدواها؟
حقيقة، الله يكون فى عون وزير التربية والتعليم، والذى لم يعتد العمل الروتينى، ولكم تخيل مسئول لديه ملايين التلاميذ موزعين على المساحة الجغرافية للجمهورية، مع ترسخ بؤر الفساد فى اغلب المواقع، والمشكلة فى اقتلاع فساد من موقع يلزمه بتر للجذور، فمهمة القضاء على الفساد ليست سهلة، والسيئ فى الأمر أيضا نشر الإشاعات المضللة عن الوزراء، وللأسف تنتشر بين الناس كالنار فى الهشيم ويصدقونها يقينا رافضين أى تكذيب لها، وكل هذه الأمور تستهلك القائمين على الأمر نفسيا وتحبطهم، والتعليم يحتاج أن يجيش له المجتمع بالكامل لمحاربة الفساد والإفساد، والاقتصاد القائم بالدروس الخصوصية والكتب الخارجية.
ما رؤيتك لاجتياز كل هذه المعوقات وتخطيها وتحقيق تقدم فى مسار التطوير للتعليم كما ننشد؟
هذه بمثابة معركة وتحتاج لمحاربين وليس شخصيات ترتدى قفازات، فالفلاح مثلا من أجل انتزاع الدودة من محصوله بالأرض، لن يستسهل ويلجأ لرش الزرع بالمبيدات المسرطنة فيدمره، بل سينزل لحقله وبغوص فى طينه لينتزع الدودة من كل نبتة بالأرض، وهذا هو الأسلوب الذى يجدى فى قطاع التعليم، وللأسف الشديد الدكتور طارق شوقى تم التعامل معه بطريقة غير إنسانية، ولمحاربة الفساد فى قطاعات التعليم لابد من وجود شبكة مقاومة مع الوزير، وان تكون الحرب على الفساد فى التعليم مطلب المجتمع كله، ونقف على مواطن الفساد فى أنفسنا، فالأم التى تطلب الغش لابنها فاسدة، والمعلم الذى يُنجح الطلاب نظير تلقيهم الدروس الخصوصية فاسد هو الأخر، وخلاصة قضية التعليم تبدأ وتنتهى بمدى الوعى المجتمعى، ولن نلمس بوادر للإصلاح بدونه.
من وجهة نظر عالمة ذرة ما المعوقات التى يمكن أن تقف أمامكم فى انجاز أبحاثكم؟
فى الغالب الذى يعيق انجاز اى بحث عدم وجود تمويل، والذى يتسبب فى إحباط الباحث ووأد الأفكار، وبالإضافة إلى هذا هناك مشكلة كبيرة بالبحث العلمى تتمثل فى ضرورة الحفاظ على ملكية الأفكار، فنحن بحاجة إلى ضبط هذه العملية، بأن يوقع القائمون على التحكيم فى المشروعات بعدم استخدامهم للأفكار التى تتضمنها، فللأسف هناك بعض ممن يحكمون فى المشروعات يتعمدون رفضها حتى يتسنى لهم سرقة واستغلال الأفكار التى تحتويها، ولابد من تجديد دماء القائمين على التحكيم للمشروعات، والعمل بضوابط تضمن الشفافية، والحفاظ على الملكية الفكرية للأفكار.
هل تعتقدين استكمال عملك بالخارج كان به فرصة للابداع العلمى أفضل مما هى عليه الآن؟
كهدى أبو شادى أخذت فرصى العلمية كاملة داخل بلدى، حتى وان تأخرت ترقيتى بعض الشىء، وهذا لان أسرتى كان لها الأولوية بتركيزى حينها وليس لأمر آخر.
رابط دائم: