رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الوحدة أكثر إيلاما.. ودور المسنين ثقافة مرفوضة

فتوح سالمان
> تصوير ــ مصطفى عميرة

فى ثقافتنا ترتبط «دار المسنين» بعقوق الأبناء ولا شئ آخر ونزلاؤها دائما ممن لا أهل لهم أو أن لديهم أبناء عاقين «رموهم» فى دار للمسنين و«ارتاحوا منهم» وبالتالى فالإقامة فى دار لرعاية كبار السن أو مجرد التفكير فى ذلك عار بكل المقاييس وهو ما حدث بالضبط مع السيدة فاطمة البالغة من العمر 73 عاما وتعيش بمفردها فى شقة كبيرة بوسط القاهرة فبعد سفر ولديها واستقرارهما فى الخارج ثم وفاة زوجها وخروجها للمعاش اصبحت تعيش بمفردها بلا انيس ولا جليس ولأن صحتها لم تعد تساعدها على الخروج كثيرا اصبحت تحركاتها محدودة وفى اضيق الحدود وكما تقول فليس هناك من يزوزنى او أزوره فأغلب من تبقى من أصدقائى ومعارفى وأهلى اما اصابهم المرض أو توفوا منذ سنوات.

عرضت السيدة فاطمة على اولادها المكتفين بزيارتها اسبوعا فى العام الانتقال للاقامة فى دار لرعاية كبار السن لتجد هناك الصحبة والانس والرعاية الصحية خاصة وانهم يعيشون فى الخارج ومطلعين على الثقافات الغربية فرفضوا بشدة لدرجة ان أحدهم عرض عليها العيش معه فى أوروبا او يعود هو لرعايتها..وانتهت المداولات باستمرار الوضع على ما هو عليه لكنها تقضى اوقاتا عصيبة غارقة فى الوحدة ووسط مخاوف دائمة من ان ينتابها أى عارض صحى ولا تعرف كيف تتصرف.

أما السيدة عايدة فقد تجاوزت الثمانين سافر ابنها وابنتها للدراسة فى الولايات المتحدة فى مطلع التسعينيات واستقرا هناك وهى اليوم تعيش بمفردها منذ أكثر من عشرين عاما بعد وفاة زوجها ويؤرقها بشدة ان تموت دون أن يكتشف أحد حالتها أو ان يقتحم شقتها اللصوص ولذلك فهى تضيف كل عام «ترباسا جديدا للباب» وتضع قطع الأثاث خلفه قبل النوم، لكنها هى نفسها لا تفكر فى الانتقال لدار لرعاية مسنين باعتبارها مكانا للعجزة المعدمين الذين لا أهل لهم وهى لا تريد أن تظهر فى هذا الشكل.

الحقيقة ان ظاهرة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم أصبحت ملحوظة جدا حتى دون سفر الأبناء فبعد زواج الأبناء وانشغالهم بحياتهم يصبح كل شيء اصعب من ذى قبل ولا يرتاح الابوان للانتقال إلى بيوت الأبناء كما أن فكرة الزيارة اليومية لمنزل الأبوين لا تكون ممكنة فى كل الأحوال وقد لا يرتاح الأب او الأم للعيش فى بيت الابن أو البنت لعدم الرغبة فى مغادرة منزله او لعدم الارتياح مع الأبن او زوج البنت أو حتى مع الابن أو البنت نفسيهما.

فالسيدة ليلى تجاوزت الخامسة والسبعين ورغم توسلات ابنتيها لتنتقل للعيش معهما لكنها ترفض بشدة مغادرة منزلها الذى عاشت فيه حياتها ورغم المحاولات الدائمة للتواصل مع الأم وتبادل الاعتناء بها لكن يمضى الأسبوع دون زيارات مع الاكتفاء بالمكالمات التليفونية وعندما عرضت عليها ابنتها البحث عن دار رعاية لتقيم بها بحيث تكون أكثر أمنا واطمئنانا اعتبرتها الأم عقوقا شديدا من بنتيها وكانت مشكلة عائلية كبرى وغلطة لم تسامحهما عليها. بالنسبة للأبنة فتقول ليس من المعقول ان ينتابنى القلق فى كل مرة اتصل بها ولا ترد وأعتقد ان امرا مكروها قد وقع لها فأضطر أحيانا للقدوم فى منتصف الليل لأطمئن عليها وهى ترفض الإقامة معى فشقتى صغيرة ولا يمكننى حتى توفير غرفة منفردة لها وهى لا تأمن لعاملة منزلية مقيمة وذاكرتها أصبحت ضعيفة فتنسى تناول أدويتها فاعتقدت أن دار الرعاية فكرة أفضل وأنا شخصيا سأعيش فيها إذا ما وصلت لهذه السن فهى بالنسبة لى أمر لا مشكلة فيه.

أما بالنسبة للسيدة نبيلة 67 عاما فقد ترملت قبيل الأربعين ولم تنجب أبناء وعندما بلغت الستين حصلت على معاش كبير من عملها ولكنها عانت من الوحدة وعدم السؤال عنها وطمع إخوتها واولادهم فى شقتها ففكرت بطريقة عملية، باعت الشقة وانتقلت للعيش فى دار رعاية لكبار السن فى إحدى الضواحى الهادئة فى صحبة من هم فى مثل سنها وتقول فى صراحة تحسد عليها: مش عايزة حد يورثنى قررت استمتع بفلوسى فى حياتى واضمن الباقى من عمرى..

كما تقول د.نادية رضوان، أستاذة علم الاجتماع، ففى المجتمعات الغربية هناك ما يسمى بتجمعات المتقاعدين وهى عبارة عن مجتمعات سكنية فاخرة مخصصا ومهيأة بالكامل لكبار السن سواء كانوا ازواجا او فرادى من الارصفة إلى الممرات الواسعة وهناك يجد كبير السن من يؤانسه ويشاركه اهتمامه وفراغه مع حرية الخروج والدخول واستقبال الزوار، كما تهتم هذه الاماكن بتنظيم الرحلات والحفلات والانشطة المناسبة مع الرعاية الصحية المتكاملة، فأمراض كبار السن مختلفة تماما عن امراض الاصغر سنا وتحتاج دائما لمتخصصين وليس مجرد اطباء عاديين.

لكن فى مصر وبفضل العادات والتقاليد والروابط الأسرية فما زالت الفكرة مرفوضة تماما وتعتبر نوعا من انواع العقوق إلا أن شكل المجتمع تغير كثيرا، فمن قبل كان سكن اكبر الابناء مع الام هو العادى والطبيعى باعتباره بيت العائلة الذى يجب ان يبقى مفتوحا وربما مازالت هذه الفكرة موجودة فى الاقاليم والارياف لكن فى المدن الكبرى اختلف الامر كثيرا واصبح عدد كبار السن والمتقاعدين الذين يعيشيون بمفردهم فى تزايد لأن الاسرة المصرية لم تعد هى الاسرة الكبيرة الممتدة بل اصبحت هى الاسرة النووية القائمة على الاب والام والابناء مع هامش اقل من التداخل مع الاقارب او حتى مع الجيران ولم يعد الجار الذى يقيم فى البناية السكنية هو مسئولية جميع جيرانه فربما تعيش أسرة ربع قرن من الزمان فى مكان ولا تدرى شيئا عن الجار المقيم فى الشقة المقابلة وبالطبع ستجبر هذه التغيرات كثيرين على إعادة النظر فى ثقافة دار رعاية كبار السن وربما تصبح أمرا عاديا فالفكرة هنا ان يدخلها الانسان وهو متمتع بصحته وليس مريضا ويدخلها بقصد الاستمتاع قدر الإمكان بما تبقى من العمر وليس لتمضية الوقت القليل المتبقى فى انتظار الموت.

لكن بالتأكيد لابد ان تصاحب ذلك زيادة الاستثمار فى هذا المجال اولا لتحسين الصورة الذهنية المأخوذة عن فكرة دار رعاية كبار السن فمن الممكن ان يكون الانسان يعيش فى مستوى مادى عال لكنه يبحث عن المؤانسة والصحبة التى لن يجدها اذا ما عاش وحيدا..

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق