ليس قبول الدعوة لزيارة أفغانستان بالأمر المعتاد، لكنه بلا شك من أهم المحطات الصحفية التى تتيح آفاقا وثقلا وخبرة مهنية يحتاج إليها محرر الشئون السياسية.
توجهت إلى العاصمة كابول لحضور فعاليات « مؤتمر حيرات للحوار الاستراتيجى الأمني» فى نسخته الثامنة بدعوة من «المركز الأفغانى للدراسات الأفغانية» والمنعقد فى مدينة «حيرات» والتى تقع شمال غرب أفغانستان بمشاركة دولية كبيرة من السياسيين والسفراء للدول الأجنبية والخبراء والباحثين السياسيين والأكاديميين ومدراء مراكز أبحاث سياسية واستراتيجية، وأيضا بعض الناشطين فى مجالات التنمية والمجتمع المدنى وغيرهم.
وتعرف «حيرات» بـ «لؤلؤة خراسان» ولكن للأسف تتجلى مظاهر الفقر وعدم وجود بنية تحتية بشكل كبير وواضح على وجوه السكان الذين يقطنون هذه المنطقة، كما تسيطر عليهم مشاعر الخوف والقلق لمجرد رؤيتهم للسيارات المصفحة التى كانت تقل جموع المشاركين فى المؤتمر من مقر الإقامة فى فندق بسيط إلى مقر انعقاده فى قلعة تاريخية فى قلب المدينة. وتعتبر «حيرات» من أقل المدن التى تتعرض للانفجارات ويعمل كثير من أبنائها فى صناعة السجاد، كما يمتاز أهلها بالطيبة الشديدة وحفاوة الاستقبال بالرغم من الظروف الحياتية الصعبة التى يعيشون فيها.
وتضمن المؤتمر أوراق عمل وأطروحات هامة ومناقشات للعديد من المشاركين من سياسيين وباحثين واكاديميين من مختلف الجنسيات من المهتمين بالشأن الأفغاني. وتناولت الجلسات الواقع السياسى والأمنى والحياتى الذى تعيشه أفغانستان وتحديات المستقبل وكيفية العمل على تأسيس دوله آمنة يسودها السلام، ترسخ لدستور مدنى يضمن حياة كريمة آمنة لـ 34 مليون أفغاني.
ويعد ذلك مطلبا صعبا فى ظل كل الأوضاع الصعبة بل والمؤلمة التى يعيشها هذا البلد الذى استباحه الجميع من الخارج والداخل من أجل تحقيق مصالح تخص كل طرف على حساب وطن ممزق وشعب لا يحق له حتى الحلم بموطيء قدم آمن يعيش فيه. وبالرغم من أهمية كل الأطروحات والأوراق والدراسات البحثية والأمنية والسياسية التى تم مناقشتها إلا أن الواقع الذى يعيشه هذا البلد لا يعبر عن آمال حقيقية للخلاص والعمل على تأسيس دولة حقيقية ..
أسئلة تفرض نفسها
هل ستنجح المفاوضات الأمريكية مع «طالبان»؟ وهل ستعود طالبان للسيطرة على الحكم؟ وهل سيقبل الشعب الأفغانى بعودة طالبان مقابل وقف العنف وإقرار السلام ؟؟.. أسئلة كثيرة توجهت بها إلى محتسب أغاخان، المساعد السابق للملا «عمر» والمسئول المالى السابق للحركة والذى كان يمثل طالبان فى مؤتمر «الحوار الأمنى الاستراتيجى» فى حيرات.
وأوضح خان أن إصرارهم على العودة للحكم فى أفغانستان هو الحل الوحيد لعودة الأمن والأمان للشعب الأفغاني، لأنه دون وقف للعنف والقتال لن تكون هناك دولة او وطن، وعند سؤاله هل سيقبل الشعب الافغانى هذا؟ قال ليس للشعب اختيار او إرادة لاقرار مصيره، إما الحكم او القتل والإرهاب والعنف ... اذن هو منطق الإرهابيين والإرهاب فى كل مكان ! وقال محتسب أغاخان إنه لا توجد عناصر إخوانية فى صفوف طالبان أفغانستان الآن، ولكن تلك العناصر موجودة فى باكستان ولديها علاقات مع طالبان باكستان. وأضاف خان أن طالبان تسعى لأن تكون أفغانستان «إمارة إسلامية» ونريد العودة للحكم مرة أخرى وهذا ما يطرح فى المفاوضات مع الولايات المتحدة من أجل خروج آمن للقوات الأمريكية من أفغانستان بعد فشلها. وأكد أهمية القضاء على العنف، حيث يعانى الجميع إطالة أمد الحرب حيث تكبدت طالبان خسائر بشرية من قتلى وجرحى تجاوزت الـ 500 ألف.
المرأة الأفغانية ... تحديات الواقع والمستقبل
من أهم ما يلفت النظر فى «مؤتمر حيرات الاستراتيجى الأمني» الحضور اللافت والهام للمرأة الأفغانية والتى شاركت بقوة وبفاعلية كبيرة خلال جلسات المؤتمر. وتحدثت الأفغانيات المشاركات بكل قوة وجرأة عن رفضهن القاطع لعودة «طالبان» للحكم تحت أى مسمى أو ذريعة، وطالبن المجتمع الدولى بأن يكف يده عن تدمير أفغانستان. ورصدت «مريم صافي»، باحثة سياسية أفغانية مقيمة فى لندن، كل معاناة المرأة الأفغانية وتدمير الوجه الحضارى والانسانى للبلد. كما تحدثت عن أعمال الإرهاب والقتل التى تمارسها طالبان بحق النساء والشباب وكل افراد المجتمع.
وأكدت صافى إصرار المرأة الأفغانية على الحلم بوطن آمن حر يوفر حياة طبيعية للمرأة. كما لاحظت خلال حديثى مع عدد من النساء فى «حيرات» محاولتهن الحثيثة لنيل أكبر قدر من التعليم من أجل إثبات الوجود والمشاركة بفاعلية اكبر فى خدمة مجتمعهن، وبالرغم من الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التى يعشن فيها، أكدن تمسكهن بالأمل فى مستقبل مختلف لا وجود فيه لطالبان أو أى «فاشية دينية» أو صراعات أو إرهاب و قتال وحروب أهلية.
وفى النهاية, أرى أن المركز الأفغانى للدراسات السياسية والاستراتيجية» تحت قيادة دكتور «دافود مورادين» نجح فى رسم رؤية ومسار وخريطة واقعية للمشاكل والتحديات والصعوبات التى تواجه أفغانستان وكيفية مواجهتها والتصدى لها، من خلال الأطروحات والمناقشات الجادة والهامة. كما نجح القائمون على المؤتمر فى الترويج إعلاميا خارجيا وداخليا وإلقاء الضوء على اهمية مناقشة أحوال هذا البلد فى ظل ما يعانيه من صعوبات.
وكان صفى الله طه، الباحث السياسى بالمركز ويتحدث بالعامية المصرية، والذى تلقى تعليمه بمصر، حيث حصل على بكالوريوس «الاقتصاد والعلوم السياسية» من جامعه القاهرة، أحد أهم العاملين على تلبية مطالب المشاركين ونجاح المؤتمر بهذا الشكل.
رابط دائم: