فى إحدى وسائل المواصلات وأثناء توجهى لعملى فى الصباح التقيت بها.. سيدة تعدت سن السبعين.. أنيقة احتفظ وجهها بقدر من الجمال والرقة برغم ما يحمله من علامات السنين، ومظهرها بسيط وإن لم يخل من بعض الأرستقراطية، وتعكس نظراتها قوة شخصيتها برغم الهدوء الواضح عليها، وفى يدها اليمنى عصا طبية تتوكأ عليها، وقد صعدت إلى العربة، وجلست فى المقعد المواجه لى، وأطالت النظر من نافذة العربة، ثم نظرت إلىّ، وسمعتها تردد بصوت واضح.. الحمد لله.. الحمد لله.. لم أرد فى البداية وظننت أنها تذكرت شيئا من أحداث حياتها، وهى بالتأكيد مليئة بالأحداث، ولكن ما جذب انتباهى هو استطرادها للحديث مباشرة بذكر كل الدول العربية التى اندلعت بها الثورات أخيرا بدءا من العراق ومرورا بسوريا, ليبيا, اليمن ووصولا إلى لبنان، ثم قالت لى انظرى يا ابنتى ماذا حدث ويحدث لها.. تمهلت قليلا وقلت فى نفسى من أين لهذه السيدة البسيطة أن تعرف كل ما حدث ويحدث فى هذه البلدان، ربما من وسائل الإعلام فهى تتحدث عما يجرى طوال الوقت، فقلت لها مداعبة والله يا أمى أنا لا أعرف لماذا قام اللبنانيون بثورة، فهم يملكون من رغد العيش ما عز على غيرهم؟، ولكن ما أذهلنى حقا هو ردها، حيث بدأت فى سرد مشكلات ومتاعب ومطالب الشعب اللبنانى التى يعيشها والتى يجهلها الكثيرون، وكأنها تعيش بينهم، بل ووجدتها تتحدث بطلاقة عن الثورات العربية وأسبابها ونتائجها، كما أذهلنى طريقة تحليلها للأحداث وقوة ذاكرتها فى تذكر الأسماء والأماكن والسنوات والقوى السياسية الموجودة فى كل منطقة وصراعات السلطة التى لا تنتهى، وقد حللت الأحداث أبرع من أى محلل سياسى بارع، وبطريقة بسيطة وسهلة وموجزة، ولم تنس أن تذكر كيف حفظ الله مصر وشعبها.
لقد لفت كلام هذه السيدة نظر كل الموجودات حيث وجدتهن ينصتن إليها باهتمام، وأدركت وقتها كم نحن محتاجون إلى من يخاطب قلوبنا قبل عقولنا، وكم نحن شعب طيب أصيل عريق تؤثرنا الكلمة الحسنة أينما وجدت، ويقنعنا المنطق المحايد أينما كان.. وللأسف عند هذا الحد وصلت إلى المحطة التى أقصدها، وكم كنت أود أن أكمل الحوار مع هذه المثقفة الجميلة البسيطة فختمت الحديث معها قائلة: إذن يحق لنا أن نقول الحمد لله، فقالت لا بل نركع لنقبل تراب هذا البلد، وسيظل آمنا وسيبقى دائما.. هذا وعد من الله «ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ».. إن كلمات هذه السيدة مازالت تتردد على مسامعى، والناس من حولى، كل واحد متوجه إلى وجهته فى أمان، والشوارع تضج بروادها، والمدارس تمتلئ بتلاميذها الجامعات, والمحال, والمطاعم.. وهذا فضل من الله.
ماجدة سالم
رابط دائم: