-
د. عوض تاج الدين :شركات التبغ تروج للتدخين غير التقليدى بادعاءات طبية غير صحيحة
-
د. عادل خطاب: ظهور مرض مجهول فى ولايات أمريكية
-
يسبب وفاة 18 حالة من مدخنى السجائر الإلكترونية
-
مدير عام الأمراض الصدرية بوزارة الصحة : أكثر ضررا من نظائرها التقليدية ومتاحة فى كل الأماكن ولا يقع عليها الحظر القانونى
لم يفزع الأب الأربعينى من طلب ابنه «عمرو» المراهق ذى الأربعة عشر عاما بتذوق «الشيشة» فقد كان يتوقع ذلك بل وينتظر متى سيتحدث ابنه عن «الممنوعات» التى يرغب فى تجربتها وفى تلك الجلسة التى ضمته مع أصدقاء أبيه على احد المقاهى سمح له والده »بأخذ نفس« لعله يدرك سوء طلبه وتكون هذه التجربة العملية السريعة كفيلة بنهى الطفل عن الدخول فى تجارب أخرى بعيدا عن عين والده، وقد كان له ما توقعه فقد سعل وضاق صدره بالرائحة والطعم وقال لابيه:« اعتقد انه من الأفضل أن أجرب السجائر الإلكترونية فقد وجدتها على الإنترنت بنكهات مختلفة واشكال جميلة».
ومن هنا تنبه الأب لهذا الخطر القادم الذى يبدو أنه لا يستهدف المدخنين الحاليين ولكنه يسعى لجذب اجيال جديدة للسقوط فى دائرة التدخين، وفى مصر فإن سوق السجائر الإلكترونية «غير رسمي» فهى إما مهربة وإما مصنوعة فى » بير السلم »، مما يشكل خطرا أكبر على مستهلكى تلك الأنواع وهو ما دفع لجنة التبغ بهيئة المواصفات والجودة لإعداد أول مواصفة قياسية خاصة بمنتجات السجائر الإلكترونية ومنتجات «تسخين التبغ»، ولكن كان لهذه الخطوة بعد آخر حيث رأى الخبراء فى مجال الأمراض الصدرية ومكافحة التدخين أن بهذه المواصفة ستصبح السجائر الإلكترونية قاب قوسين أو ادنى من الدخول بشكل رسمى للبلاد بعد أن كانت موجودة بصفة غير مشروعة، وفى الوقت الذى يتجه فيه العالم إلى حظر استخدام ذلك الخطر الجديد الذى تسبب بالفعل فى حدوث وفيات متعددة فى أمريكا وصلت إلى 18 حالة اغلبها من الشباب، ما دفع العديد من الولايات لحظر استخدامها وأيضا العديد من الدول، وهو ما يعد أيضا جرس إنذار لتحول دول العالم الثالث لسوق بديل لتلك المنتجات التى تلفظها الدول المتقدمة والتى قد تجد فيها الشركات تعويضأ لخسائرها.
وقد خاض خبراء الصحة فى مصر حروبا شرسة مع شركات التبغ لمكافحة التدخين بكل أشكاله وذلك منذ الثمانينيات، وهو ما أكده الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق وأستاذ الأمراض الصدرية، مشيرا إلى أنه فى مقابل هذه المكافحة كانت الشركات أيضا تطور من أساليبها اما لجذب المزيد من المدخنين أو لمناهضة كافة الجهود المبذولة للحد منه، بل أن تلك الشركات أصبحت لها «تكتيكات» خاصة تسعى لتنفيذها للقضاء على كافة الجهود المبذولة ما دفع منظمة الصحة العالمية فى عام 2004 لإصدار كتاب خاص عن تكتيكات شركات التبغ لعرقلة جهود مصر فى مكافحة التدخين، إلا أن مصر استطاعت أن تصدر قوانين فعالة فى مجال مكافحة التدخين التى يرى وزير الصحة السابق أننا الآن فى حاجة لتعديلها لتتضمن الأنواع الأخرى غير التقليدية من السجائر مثل الإلكترونية وتسخين التبغ.
وبالرغم أيضا من تلك الجهود إلا أن التغيرات التى حدثت على «هيكل» المدخنين كانت لافتة للنظر فبعد أن كان متوسط عمر المدخنين فى التسعينيات يدور حول سن الثلاثين أصبح الأن يتراوح بين 12 و15 عاما، وأصبح أغلب المترددين على مستشفيات الصدر من المدخنين أو المدخنين السلبيين - حيث اتضحت الاضرار المؤكدة للتدخين السلبى الذى يؤدى للمشاكل نفسها خاصة بتدخين - المصابين بالتهابات حادة فى الرئة.
ويضيف تاج الدين :منذ عامين تنبه اساتذة بالجمعية المصرية لأمراض الصدر والتدرن للخطر الجديد القادم إلينا وأجريت دراسة ميدانية عن السجائر مثل »الإلكترونية« وأضرارها فى الأوساط الطبية وخلصت الدراسة التي شارك فيها 1238 من العاملين بوحدات الأمراض الصدرية، أن أغلب المدخنين كانت معرفتهم بالسجائر هو مجاراة الأصدقاء وأيضا من اسباب الاستمرار فى التدخين ورأى 78% من العينة أن السجائر تحول المدخن إلى شخص سلبي، وكان مصدر معرفة أغلب عينة الدراسة بالسجائر الإلكترونية هو التليفزيون ثم الإنترنت ورفض 70% من عينة الدراسة استخدام السجائر الإلكترونية كوسيلة للإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية، وأكد 78% إنها خطيرة ولها نفس مخاطر التدخين السلبي، خاصة انها تصدر دخانا أكثر من السجائر العادية.
ومن ناحية أخرى أشار الدكتور وجدى أمين مدير عام الأمراض الصدرية بوزارة الصحة، إلى أن السجائر الإلكترونية أصبحت أكثر ضررا من التقليدية فهى متاحة فى كل الأماكن ولا يقع عليها الحظر القانونى الخاص بمنع التدخين فى الأماكن المغلقة على سبيل المثال، كم أنها لا تخضع لقوانين منع الدعاية ولا يوجد تحذيرات صحية على العلب الخاص بها مثل السجائر التقليدية، وأيضا قوانين منع البيع للقصر
وتسعى شركات التبغ للترويج للمنتجات الجديدة من خلال الشكل الجذاب والمعلومات الصحية غير الدقيقة ووفقا للدكتور عصام المغازى رئيس جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر، هناك شركات تروج للسجائر الإلكترونية من خلال شعارات مضللة مثل من أجل مستقبل خال من التدخين، وتؤكد للمستهلكين المستهدفين أن «حرق» التبغ هو ما يسبب الضرر الحقيقي، وأن السجائر الإلكترونية أقل ضررا من نظيرتها التقليدية، كما تقدم أنواعا خالية من النيكوتين على أنها أنواع صحية، بالإضافة لعناصر جذب الأطفال والمراهقين من خلال النكهات والأشكال المختلفة.
مرض غامض
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية قامت عدة ولايات أمريكية بحظر بيع السجائر الإلكترونية، بعد ورود تقارير طبية تحذر من ارتباطها بمرض غامض أدى إلى وفاة 34 حتى الأن، الدكتور عادل خطاب أستاذ الأمراض الصدرية ورئيس المجلس العلمى للزمالة المصرية للأمراض الصدرية أوضح، أن هذا المرض الجديد لم يحدد له اسم حتي، وقد ظهرت أولى الحالات فى أغسطس الماضى تلتها اصابة 215 بنفس الأعراض فى 25 ولاية أمريكية حيث تعد نسبة التدخين بين المراهقين فى أمريكا الأعلى على مستوى العالم، وفى 19 سبتمبرالماضى وصل عدد الحالات إلى 530، واتضح أن جميع المصابين من المدخنين للسجائر الإلكترونية بأنواعها المختلفة، وفى مركز أمراض الصدر بأمريكا «cdc»، كان الاهتمام كبيرا بتلك الظاهرة وبدأت الأبحاث فور تكرار الأعراض ووجدوا أن متوسط أعمار المصابين هو 19 سنة و84% منهم ذكور وظهر على المرضى ثلاثة انواع من الأعراض، 98% منها أمراض تنفسية مثل الكحة وضيق التنفس وألم فى الصدر، و81% كانت أعراض أمراض فى الجهاز الهضمى مثل القيء والإسهال، والغريب أن الأعراض الخاصة بالجهاز الهضمى كانت تظهر أولا، ثم مجموعة من الأعراض العامة مثل أرتفاع الحرارة والرعشة وفقدان الوزن، وأكدت تحاليل تلك الحالات زيادة فى كرات الدم البيضاء وسرعة فى الترسيب، وكانت الاصابات الناجمة عن السجائر الإلكترونية تصيب الرئتين لا رئة واحدة ، وكان الغريب أيضا أن كافة التحاليل التى أجريت لتلك الحالات لم يظهر فيها أى ميكروبات أو فيروسات وبالتالى كانت كافة أنواع المضادات الحيوية غير فعالة، وتم احتجاز 94% من تلك الحالات داخل المستشفيات ووضع ثلثهم على جهاز تنفس صناعى أى أنهم اصيبوا بفشل فى التنفس، واتضح أن نوع الالتهاب أشبه بما يحدث عند استنشاق مكونات الجاز والمواد الهيدروكربونية السامة، وبحسب أستاذ الأمراض الصدرية فقد ظهرت نظريات تقول إن المعادن الموجودة فى بطاريات جهاز السجائر الإلكترونية مثل المنجنيز والزنك قد تصدر أبخرة سامة تتفاعل مع النكهات الموجودة داخل السائل وتتسبب فى إنتاج أدخنة سامة.
ويضيف المغازى فى عدد من الولايات تم حظر بيع السجائر الإلكترونية تماما، واتخذت دول أخرى قرارات بمنع تداولها تماما مثل الهند، وفى مصر نحن فى حاجة إلى اتخاذ قرار حاسم نحو هذا الخطر الجديد.
قرارات المنع والحظر فى عدد من الدول الغربية أثارت مخاوف من نوع آخر فهل ستصبح دول العالم الثالث سوقأ بديلا لشركات التبغ المنتجة للسجائر الإلكترونية لتعوض خسائرها؟ فاطمة العوا، مسئولة مكافحة التبغ بالمكتب الإقليمى بمنظمة الصحة العالمية للشرق المتوسط، أكدت أن انتشار هذا النوع من السجائر بين الشباب فى الإقليم بعكس ما تدعى الشركات بأنها تستهدف إقلاع المدخنين عن تلك العادة السيئة، وأيضا تدعى الشركات أن هناك أنواعا من تلك السجائر بدون نيكوتين ولكن الاختبارات أكدت وجود آثاره بداخلها، وبينما تمنع 11 دولة تداولها بشكل رسمي، سمحت بعض البلدان داخل الإقليم بطرحها فى الأسواق بشكل غير مباشر من خلال فرض الضرائب على تلك المنتجات فأصبح العالم يتجه للمنع والإقليم يتجه للاباحة! وترى العوا أن تلك المنتجات يعلن عنها بشكل كبير فى العديد من الدول وعبر الإنترنت وأيضا من خلال الدراما التى تروج لها بشدة، وتكرر نفس الإدعاءات غير الصحية التى يعتمد عليها منتجو السجائر الإلكترونية، بينما اظهرت بعض الدراسات احتمال وجود ارتباط بين متلازمة الالتهاب الرئوى الدهنى وتدخين السجائر الإلكترونية، واصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا فى شهر يوليو الماضى أكدت فيه أنه لا يوجد دليل على نجاح السجائر الإلكترونية فى المساعدة على الاقلاع عن التدخين، ولكنها الآن أصبحت وسيلة لجذب آخرين لتلك العادة السيئة، فهو منتج يستهدف صغار المدخنين بتقديم نكهات مثل المانجو والـ«العلكة»، كما أشارت دراسات منظمة الصحة العالمية إلى أن السجائر الإلكترونية تستخدم بجوار المنتجات الأخرى مثل الشيشة والسجائر العادية.
-
فى عالم التدخين : إعلانات «الإنترنت».. بوابة الدخول
وفى جولة سريعة على شبكة الإنترنت، ظهرت لنا بوضوح إعلانات السجائر والشيشة الإلكترونية، التى تختلف تماما عن إعلانات التدخين التقليدية، والتى تخلو من المشاهد والصور التى ينفر منها المدخنون والتى اجبر القانون منتجى التبغ على وضعها مع العديد من التحذيرات على علب السجائر، فهذا النوع من الإعلانات يتضمن صورا فاخرة وألوانا لافتة للنظر ومغريات كثيرة تحث على الشراء، منها تنوع النكهات المتوافرة مثل التفاح والمانجو والفراولة والنعناع البارد والقهوة وغيرها، والسيجار الكوبى متاحة لراغبى التغيير وسريعى الملل والباحثين عن كل ما هو جديد فى مجال التدخين، ليس هذا فحسب بل إن بعض الأجهزة اصبحت تضم جميع النكهات لإرضاء المستخدمين ففى أحد الإعلانات على فيسبوك كتب البائع: (كل »نفس« بطعم مختلف ..مكنتش مصدق إلا لما جربت بنفسي).
وبالنظر إلى الشيشة الإلكترونية فنجد أنها متاحة بألوان متعددة وأصبحت جزءا من المظهر الاجتماعي، وعلى المستخدم أن يختار الألوان التى تناسبه وبخاصة السيدات الباحثات عن مظهر انيق، فالمعلنون على مواقع التسويق الإلكترونية يختارون دوما لفظ »شيك« لتقديم منتجهم الذى يتم تجربته قبل الاستلام والدفع، ويوجد دائما خدمة التوصيل لأى مكان أما الأغرب فتلك الإعلانات التى تتعامل مع السجائر والشيشة الإلكترونية كما لو كانت »لعبة« يستمتع بها الأطفال، فأحد المعلنين يروج لبيع المنتج من خلال ألوان الدخان الذى يصدره الجهاز وكتب فيه: »لونه فى التانكات بيبقى ازرق تيجى تحرق يبقى اخضر«!!
وكان العديد من الدراسات قد أشار لاحتمال تسبب تلك النكهات والألوان فى زيادة ضرر السجائر الإلكترونية، ومنها دراسة قام بها فريق بحثى فى معهد البحوث الزراعية بولاية نيفادا الأمريكية بدراسة حول السوائل المستخدمة فى السجائر الإلكترونية والنكهات، وأكدت النتائج المبدئية للدراسة التجريبية أن تسخين تلك المواد المنكهة يتسبب فى إنتاج مواد ثبت علميا انها مسرطنة مثل مادة الفورمالديهايد.
وتختلف أسعار السجائر والشيشة الإلكترونية ما بين الرخيص والغالي، حيث تتراوح أسعارها ما بين 200 و 1500 جنيه وأكثر وذلك لبعض الأنواع، وبالطبع لا تخلو تلك الإعلانات من الإشارة إلى قدرة تلك المنتجات فى المساعدة على الإقلاع عن التدخين، ففى أحد الإعلانات كتب البائع: »هذا الجهاز المتوافر فى حجم صغير يماثل الفلاشة هو الاختيار المناسب لأى شخص يرغب فى الإقلاع عن التدخين«.. وهو الادعاء الذى أكدت منظمة الصحة العالمية عدم ثبوته علميا حتى الآن.
رابط دائم: