يتبنى بريد الأهرام قضية الباعة الجائلين الذين بلغ عددهم سبعة ملايين بائع، ويصل حجم تجارتهم إلى ثمانية مليارات جنيه، وأقترح البعض ضمهم للاقتصاد الرسمي لتجنب تأثيرهم السلبي على الطرقات وسرقة الكهرباء والمياه المهدرة، وهناك اقتراحات مفيدة فى هذا الصدد أتناولها فيما يلى:
ـ إن أغلب الباعة الجائلين لا يبحثون عن الاستقرار، ولا يرغبون في الانضواء تحت مظلة الدولة، ولا هم مُفتقدون للمأوى، فالبيع المتجول في الأساس «فكرة انتهازية» تُطارد الزبائن أينما كانوا، وتَعترض طريقهم أينما حلَّوا، فيوجد البائع في كل مكان مميز تجاريا، وبكل شارع يرتاده الناس وبكل بقعة تكتظ بالبشر، فيفترشون أرض الأسواق ويحتلون عرض الشوارع ويعتصمون بالنواصي، ويعتلون الأرصفة ويقاربون المواقف المزدحمة بالركاب، فيلاحقون كل سائر وعابر ومار .. بل وكثيرا ما يلجأ هؤلاء، محملين بكل ما خف وزنه وزاد طلبه، لزيارة الموظفين والموظفات في عُقر مكاتبهم ليفوزا بأموالهم ــ من المنبع ــ قبل أن تذهب هذه الأموال إلى جيوب أصحاب المحلات والمولات التجارية وأحيانا بالتقسيط لربطهم بعلاقة تجارية معهم، فأهم أهداف هذه الفئة، التملص من الأعباء الرسمية «حكومية وغير حكومية»، والتخلص من تكاليفها وموجباتها من ضرائب وتأمينات ورسوم تراخيص وتصاريح عمل وتأمين عمال وحقوق عمالية فضلا عن جهاز حماية المستهلك وشروطه ثم انتظار زبون يجيئ أو لا يجيئ، بعكس زبونهم اليومي المعتاد، وبالتالي فليس الحل في إنشاء نقابة تظلهم أو إقامة أسواق منظمة تضمهم أو تقنين أوضاع لهم أو تعديل قانونهم أو التأمين عليهم، وذلك لسبب بسيط هو أن مكاسبهم لا تتحقق، كما يطمعون، إلا في ظل غياب قواعد محددة يعملون فى إطارها، بدليل ما عاصرته من صاحب عربة فول دائم التواجد أمام أحد مكاتب الشهر العقاري، وبمرور الزمن أحاط العربة بعدة طاولات استانلس ولوازمها من كراس لمواجهة تزايد الزبائن وبمرور الأعوام افتتح صاحب العربة مطعماً فخماً على الشارع العمومي القريب، وأسند لإدارته بعض العمال بذات النشاط، ورغم ذلك لم يتخل عن الدجاجة ـ أقصد العربة ـ التي تبيض ذهبا، والأمثلة كثيرة.. كما صادفت شبابا في إحدى محافظات الوجة القبلي يسافرون كل عدة أسابيع في جولة لبيع بضاعتهم لموظفي وموظفات الادارات الحكومية في تلك المحافظات راضون بما يحققون من أرباح ومكاسب، وهناك دليل ثان، فعندما قامت الدولة ــ إثر أحداث يناير 2011 ــ بإنشاء أسواق منظمة ومحلات مُرتَّبة للباعة الجائلين انتقل إليها الأقلية وامتنع عنها الأغلبية .. إذن فكلما قننت الدولة حال دفعة منهم ظهرت أختها فإذا ضمتها إلى الأولى برزت ثالثة وهكذا، لأن البيع المتجول في الأساس فكرة تتكاثر وتتوالد وتنتشر، وليست حالة طارئة، ثمّ تستقر وتنتهي، فالحل عين الحل هو فضح فكرة البيع المتجول ووأدها في مهدها، وليس فتح أبواب استقرار لها تمنح غيرها الأمل في المخالفة فتحذو حذوها.
حُسام العَنتَبلي ــ المحامى بالنقض
رابط دائم: