مع الانتصارات العسكرية التي حققها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، وإعلان الرئيس دونالد ترامب الانسحاب الأمريكي من سوريا، بدأت الشكوك تدور حول استمرار التحالف الذي أعلنت الولايات المتحدة تشكيله عقب ظهور التنظيم الإرهابي بزعامة أبو بكر البغدادي ليسيطر على شرق سوريا وغرب العراق.
ويرى بعض الخبراء أن هناك بوادر خلافات بين أمريكا والحلفاء الأوروبيين حول استمرار دعم العمليات العسكرية ضد داعش، خاصة بعد قرار الانسحاب الأمريكي، وهذا ما أوضحه جميس جيفري مبعوث ترامب إلى سوريا والمبعوث الخاص للتحالف قائلا: «ما نبحث عنه هو جعل شركاء التحالف يقدمون مساهمة أكبر من القوات الميدانية لمواصلة تدريب القوات المحلية وتجهيزها ومرافقتها». وقوبلت الدعوات الأمريكية بزيادة مساهمة الأوروبيين بحالة من الفتور في بروكسل.
ووسط هذه المخاوف من تراجع التحالف، تعهد عدد آخر من الدول بالاستمرار في التحالف حتى القضاء على التنظيم الإرهابي، وذلك بعد «الإنجاز التاريخي» لترامب باصطياد البغدادي وقتله في عملية عسكرية أمريكية. وسارع مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية إلى الإعلان عن عقد «اجتماع استثنائي» مع وزراء خارجية دول التحالف في 14 نوفمبر الحالي في واشنطن، والذي تتصدر أجندته بحث اتخاذ مزيد من الخطوات لهزيمة داعش. وتحاول واشنطن، عبر هذا الاجتماع، طمأنة حلفائها، بشأن استمرار المعركة ضد داعش في مرحلة ما بعد تحرير المناطق التي احتلها التنظيم.
وشهدت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي تشكيل أربعة تحالفات دولية، وفي مقدمتها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتشكل في 5 سبتمبر 2014، وتحالف بقيادة فرنسا، وآخر بقيادة روسيا، وأخيرا التحالف الإسلامي. ومع تأسيس التحالف الدولي، اتفقت الدول المشاركة على استراتيجية من ثلاث نقاط: فضح الطبيعة الحقيقية لداعش، قطع التمويل والدعم عن التنظيم، دعم العمليات العسكرية ضده.
وأطلق التحالف الدولي عملية «العزم الصلب» العسكرية في 21 أغسطس 2016 لمحاربة داعش في سوريا والعراق، وكذلك عملية «برق الأوديسا» لتحرير مدينة سرت الليبية من التنظيم الإرهابي. وبحلول 23 مارس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» هزيمة داعش عسكريا في سوريا وتحرير 110 آلاف كيلومتر مربع ونحو 7٫7 مليون شخص من أسر الإرهابي، كما أسفرت «العزم الصلب» عن مقتل 80 ألف مسلح. وعلى الرغم من الانتصارات التي حققها التحالف، إلا أن الأزمات التي تواجهه أكبر بكثير من قطع رأس التنظيم الإرهابي، فداعش تنتشر في العالم، بشكل لم يشهده أي تنظيم إرهابي آخر.
وأصبحت هناك مخاوف من هجمات انتقامية تشنها «الذئاب المنفردة» أو «الخلايا النائمة» أو «فرق الموت» أو حتى العناصر المتطرفة المعروفة أمنيا. وحذر المراقب العام الأمريكي من خطورة قرار ترامب سحب القوات من سوريا، صحيح أنه من الصعب على داعش استعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها، والتي كانت تساوى مساحة بريطانيا، إلا أنه مازال في إمكانه تحريك ما يقرب من 18 ألفا من عناصره في العراق وسوريا. كما أن الهدف الثاني من أهداف التحالف لم يتحقق حتى الآن، فالتنظيم مازال يمتلك «صندوق حرب» يحوى 400 مليون دولار، مخبأة في سوريا والعراق، إلى جانب تهريب أموال إلى دول أخرى كسماء آمنة. ومن المعتقد أن التنظيم استثمر أموالا في عدد من الصفقات المشبوهة، ومن بينها تجارة المخدرات.
كما أن هناك دولا معروفة بأنها تدعم داعش، وتوفر لقياداته وعناصره المأوى، وخصوصا بعد العداون التركي على شمال سوريا، مما ترك الأكراد، في مواجهة مباشرة مع أنقرة وعناصر داعش وإرهابيين منشقين من تنظيمات إرهابية أخرى، ويعنى استمرار وجود عناصر التنظيم على هذا المستوى من التدريب والتسليح، استمرار تمويله دون توقف. بالإضافة إلى ما سبق، فإن بعض الدول التي تمدد فيها داعش بالمنطقة، مازالت في حالة من الفوضى، وتحديدا سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان، وهو ما يعنى أن هذه الدول مازالت أرضا خصبة تمكن عناصر التنظيم من استعادة قوتهم. وهكذا، فقد نجح التحالف الدولي في تحقيق الهدف الثالث فقط من أهداف تأسيسه، وهو تحقيق انتصارات عسكرية، أما قطع التمويل وفضح أفكار التنظيم وأيديولوجيته، فمازالا يحتاجان إلى إعادة النظر.
رابط دائم: