رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة يكتبه: أحـمــد البــــــرى..
الطائر الغائب!

بريد الجمعة

أكتب إليك عن مشكلة تؤرق مضجعى، ولا أجد لها حلا، وليس لى فيها أى ذنب، فلقد وجدتنى أعانيها مع بناتى الواحدة تلو الأخرى، وأقص عليك حكايتى منذ البداية، فلقد نشأت فى عائلة مرموقة بإحدى قرى محافظة ساحلية لأب يعمل فى جهة كبرى، وأم حاصلة على مؤهل متوسط، وتفرغت لرعاية الأسرة، ولى ثلاثة أشقاء، نالوا جميعا شهادات عليا، وصاروا أصحاب بيوت ناجحة، وقد حصلت على مؤهل جامعى أهّلنى للعمل فى الجهة نفسها التى يعمل بها أبى، وتقدم لى شاب من عائلة فى نفس مستوى عائلتنا، بل إنهم يتفوقون علينا من الناحية المادية، وتزوجنا وأنجبت خمس بنات، ورحل زوجى عن الحياة بعد رحلة كفاح مازالت حديث الناس فى المناسبات العائلية، وهذا مصدر فخر لى، وكنت ومازلت أتباهى به، فهو قرة عينى، وروحى وحياتى كلها، وتفرغت من بعده لتربية بناتنا، وبذلت قصارى جهدى نحوهن، وصرن مضرب المثل فى الأدب والأخلاق، وتخرجت الكبرى فى كلية مرموقة، وتقدم لطلب يدها عريس من عائلة زوجى، وسألتها عن رأيها فيه، فأبدت موافقتها عليه، فاطمأننت إلى اختيارها وباركت خطبتها، وحرصت على أن يجلسا معا فى بيتنا، ولم أسمح بخروجهما معا بدون أن تكون معهما إحدى أخواتها، وبعد عدة أسابيع لاحظت شرود ابنتى، ولما ألححت عليها لمعرفة سبب الحالة التى ألمّت بها قالت لى: إنها اكتشفت عدم ارتياحها لإتمام الزواج من خطيبها، وأن هناك اختلافات شديدة فى الطباع، لا يرجى معها حياة هادئة مستقرة، وأنها سوف ترتب معه هذا الأمر، وبالفعل أنهينا هذه الخطبة دون أى مشكلات، وأعدن إليه الشبكة التى قدمها لها.

ومرت الأيام، ولم يتقدم عريس آخر لها، ولكن جاء عريس لأختها التى تليها وهو من نفس العائلة، وكررت ما حدث فى خطبة الأولى بأن أتحت لهما الجلوس معا، واستقرا على كل شىء، وقدم لها شبكة بسيطة، وطلب أهله أن يكون حفل الخطبة مقصورا على المقربين جدا، وفى المنزل، لكنى رفضت وأقمت لها حفلا كبيرا دعونا إليه الكثيرين من الأهل والأصدقاء والجيران، وتكلف ما يفوق ثمن الشبكة التى أهداها العريس لها.. وبعد خطبتها بحوالى شهر، تمت خطبة شقيقته لشاب من أسرة ثرية بقرية مجاورة، وقدم لها شبكة تزيد قيمتها على ضعف ثمن شبكة أخيها لابنتى، ومضت الأيام، وكان عريس ابنتى الثانية يحضر إلينا فى الإجازات الشهرية التى يحصل عليها من عمله، حيث أنه يعمل مهندسا فى موقع شركة كبرى بمحافظة بعيدة عن محافظتنا، والحق أنه تعامل مع ابنتى بكل ارتياح وبادلته المعاملة نفسها، وأحسست براحة وطمأنينة لعلاقتهما القائمة على الود والمحبة.

وفى تلك الفترة وقع خلاف شديد بين شقيقته وخطيبها، وفشلت كل مساعى الصلح بينهما، وتم فسخ خطبتهما، وكنت على علم بتفاصيل هذا الخلاف الذى يتحمله الطرفان اللذان أوصلا الخلاف إلى مسامع الجميع، وكان حديث القرية كلها، وجاء عدد من أهله يطلبون الشبكة باعتبار أنها من حقه، وأنهم السبب فى تفاقم حدة الخلاف، لكن والدتها رفضت تماما، ولم تفلح جميع المحاولات عن إثنائها عن موقفها، والأغرب من ذلك أن ابنتها تمت خطبتها لآخر، وهى ترتدى شبكتها من عريسها السابق.. ولم أعلق على هذا الموقف، وكلما حدّثنا خطيب ابنتى عما فعلته أمه بخطيب أخته السابق، نلتزم الصمت تحاشيا للقيل والقال، وقبل أن يكتمل مرور عام على خطبته ابنتى، جاءنا فى زيارته المعتادة خلال إجازته الشهرية، وغادرنا إلى عمله مع تمنياتنا له بالسلامة، وشاء القدر أن يموت فى حادث سيارة على طريق ذهابه إلى المحافظة التى يعمل بها، وجاءنا الخبر المؤلم، ولم يكن قد مر على سفره سوى بضع ساعات، وفقدت ابنتى الوعى ونقلناها إلى المستشفى، حيث ظلت فى العناية المركزة يومين، وبعد أن فاقت من غيبوبتها ظلت شاردة الذهن لا تحدِث أحدا، وأشفقت عليها من هول الصدمة، وذهبنا جميعا إلى بيت أسرته، وترددت عليهم كثيرا للاطمئنان عليهم ومواساتهم فى هذا المصاب الجلل!.. ثم حدث ما لا يخطر على البال، إذ فوجئت بأمه تزورنا، وتطلب «الشبكة» التى أهداها ابنها الراحل لابنتى عند خطبتهما، ونسيت أننا أقمنا حفلا بما يزيد على ضعف قيمتها، وأن الأمر كله لا يستحق الاهتمام، ولم أجد أى مبرر لطلبها، فاستغربت لكلامها، وقلت لها: أعيدى حساباتك، وستجدين أننا تكلفنا أكثر من ثمن الشبكة، وليس هذا ظرفا تتحدثين فيه عن شىء مثل هذا، وذكّرتها بأنها لم تُعد شبكة ابنتها إلى خطيبها، وهى تعادل أكثر من ثلاثة أمثال شبكة ابنتى، كما أنها هى التى فسخت الخطبة، وكان الأولى بها أن تعيد له شبكته بدلا من أن تطالبنى بالشبكة البسيطة التى تطلب منى إعادتها إليهم!.. وهكذا دبّت الخلافات بيننا، ودخلت المناقشات بيننا طريقا مسدودا، ولم أرضخ لإملاءاتها فى أن تفرض علينا إعادة شبكة تعلم أننا صرفنا أكثر من ثمنها بكثير، ولم تترك هذه السيدة أحدا فى العائلة إلا وتحدثت معه فى مسألة «الشبكة».. وظلت الأمور على هذا النحو قرابة عام، وتفسخت العلاقات بيننا، ولم تعد كما كانت.

وقد فوجئنا منذ أيام بأن شقيق خطيب ابنتى الراحل يطرق بابنا طالبا يد ابنتى الثالثة فى الترتيب، فرفضت بشدة، فليس معقولا أن أزوجها له بعد كل ما حدث من أمه وأهله تجاه ابنتى الثانية من جهة، ولا مقبولا أن أوافق على زواجها قبل أختيها الكبريين، بل وأشعر بأننى أخطأت فى قبول زواج الثانية قبل الكبرى.. إننى أعيش مأساة حقيقية، وأشعر أن بناتى مبتليات بعدم الزواج، وحاولت أن أعرف السبب فيما وصلت إليه أحوالهن.. ولا أدرى هل هو سوء الحظ؟.. أم أنه النصيب؟.. أم أن هناك أسبابا أخرى لا أعلمها؟.. لقد أصابنى اليأس وأخشى أن تظل بناتى بلا زواج.. لقد عشت مع زوجى حياة هادئة حتى رحيله، ولم تحدث بيننا خلافات جذرية، وكل مناوشاتنا كانت بسيطة، ولا تلبث أن تهدأ بعد قليل، ولم تصل أى مشكلات بيننا إلى أهالينا، وحافظنا على استقرار بيوتنا، فماذا تغيّر فى الدنيا؟.. وهل من سبيل لاستعادة الألفة والمحبة بين المخطوبين فى مرحلة التعارف، ثم بعد الزواج؟.. وهل أوافق على زواج ابنتى الثالثة من شقيق خطيب أختها الثانية برغم الخلافات، وقبل أن تتزوج أختاها؟.. إن الأسئلة تهرب منى، وأجدنى كلما فكرت فى سؤال لاحقنى آخر، وطار النوم من عينىّ، ولا أدرى كيف ستمضى حياتى مع بناتى على هذا النحو، فبماذا تنصحنى؟

 

> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد غاب «طائر الحب» عن حياتكم، وسيطرت المادة على أطماع الجميع، فكان طبيعيا أن تنشأ الخلافات لأتفه الأسباب، وأن يتسلل الطمع والأنانية إلى تصرفاتكم، وأن تصبح كل خطوة من جانب أى فرد فى العائلتين محسوبة بمقدار قيمتها المادية، أما الجانب المعنوى فلا وجود له، ولذلك سوف تفشل أى زيجات قائمة على المكاسب المادية وحدها دون اعتبار للعاطفة والألفة والمودة، وهى العوامل التى بدونها لا تتحقق الحياة الزوجية الناجحة، ولكن للأسف الشديد يعطى الكثيرون الأولوية لصاحب المال على من يحمل فى رصيده قدرا لا يستهان به من الحب والأخلاق، ويتمسكون بالمظاهر المادية عوضا عن الجوهر، ومن هنا أرى عدم الموافقة على عريس ابنتك الثالثة، فما حدث مع شقيقتيها الكبريين سوف يتكرر معها، وسوف يسيطر اليأس والإحباط عليهن جميعا، ولا يعنى ذلك أننى أؤيد بقاءها بلا زواج إلى أن تتزوج الأخريات، ولكن هذا العريس بالذات سوف يجر عليكم متاعب لا حصر لها، مع ضرورة تغليب الحب والارتياح على النواحى المادية، فهناك علاقات «حب» تغلبت على الصعاب، وانطلقت من الصفر إلى الاستقرار التام، وهناك تضحيات كبيرة يبذلها البعض من أجل «حب صادق وعفوي»، لكن الغالب هو طغيان المادة على غيرها من القيم النبيلة والحب والعطاء, وانعدام الحوار الهادف الذى يساهم الود المشترك فى إنجاحه.. وخلال فترة الخطبة يجب أن يسعى كل طرف إلى معرفة أكبر قدر من المعلومات عن شخصية الطرف الآخر بإظهار حب التعرف والصداقة والرغبة فى بناء الجسور دون إلحاح أو ضغط، كما يجب أن يختار الخطيبان الوقت المناسب لإجراء الحوار الفعّال، والتوقف عن الحوار إذا قرب على المشاجرة، قبل حدوث أى خسائر؛ مع تبادل أدوار المستمع والمتكلم بينهما.

وإذا كانت هناك قضايا تحتاج للحسم مثل عمل الفتاة بعد الزواج يجب أن تطرحها بأسلوب مقنع، وإيجابي، وحسم الأمر قبل الزواج، وعدم تأجيله؛ لأن كثيرين فى فترة الخطبة يؤجلون المشكلات كلها إلى ما بعد الزواج، وهذه الأمور تحتاج إلى المعالجة العاقلة والحكيمة، ووضع الخيارات بدلا من تهديد الطرف الآخر بفسخ الخطبة إذا لم يستجب لمطالبه، مع ملاحظة أن القدر المسموح به فى الخلاف هو الخلاف فى وجهات النظر، مثل الاختلاف بين الأصدقاء، فمن العجيب أننا نتقبل خلافاتنا مع أصدقائنا بصدر رحب، فى الوقت الذى نطلب فيه من شركاء حياتنا أن يكونوا نسخا منا، وأن يتطابقوا مع أفكارنا وميولنا، ومن الخطر أن يكون هناك تحفز لرأى الطرف الآخر، وتفسيره على المحمل السيئ، وإصدار أحكام مسبقة على آرائه، إذ ليس بالضرورة أن يكون الطرفان متطابقين؛ فالخلاف فى التفاصيل ضرورى لإثراء الحياة، لأننا لا يمكن أن نتزوج بمن هم نسخ منا، ولكن يجب أن نتوقف أمام بعض الصفات السلبية التى يمكن أن نكتشفها مبكرا مثل: عدم التدين، سماع الابن كلام أهله فى الكبيرة والصغيرة، رغبة الفتاة فى فرض شخصيتها بالقوة، وبخل الرجل، وغير ذلك الكثير.

ويكمن دور الأهل فى أن يتم الحوار بين المخطوبين تحت رعايتهم، وتوفير مكان مفتوح فى البيت أمام الأسرة، ودور الأم هو توعية البنت بأن فترة الخطبة ليست مجرد سماع كلمات حلوة من خطيبها، ولكنها مهمة للحوار المستمر بينهما، عملا بالقول المأثور: «تكلم لكى أراك»، فدور الأهل مجرد توجيه خارجى لشكل الحوار وأهم عناصره، ولكن على الطرفين عدم رواية تفاصيل الحوار للأهل إلا طلبا للاستشارة الضرورية ممن لديهم الخبرة فقط، وعدم استشارة الأصدقاء فى الأمور الخاصة، لأن افتقادهم الخبرة سينعكس بالضرورة على استشاراتهم، واقتراحاتهم.

إن الحوار فى فترة الخطبة يكون لطيفا حتى يحصل كل منهما على قبول واستحسان الآخر، فهو حوار للتعارف، وتكون فتراته قليلة حسب ظروف كل مخطوبين، وما تسمح به أسرة الفتاة، وهذا شيء طبيعى يحدث بين كل اثنين حتى ينال كلاهما رضا الآخر، ويكون فى اشتياق دائم للحديث معه فى حوار رقيق به بعض المجاملة، ويغلب عليه طابع العاطفة.. أما بعد الزواج فيختلف الوضع عما كان عليه سابقا، حيث إنهما يصبحان معا طوال الوقت ويستطيعان الحوار وقتما يريدان، إلا أنهما لا يستثمران ذلك فى مصلحتهما، بل قد يحدث العكس، ونحن لا نستطيع أن نعمم قاعدة بأن الزواج يؤدى إلى تغيير الحوار إلى الأسوأ، بل قد يكون إلى الأفضل ولمصلحة الزوجين ويزيد حبهما وتقاربهما، وهذا هو المطلوب، ومن هنا يجب أن يكون الحوار بينهما بعد الزواج أكثر إيجابية عما كان عليه أيام الخطبة حتى تستمر حياتهما دون ملل أو رتابة، ولكى يسود علاقتهما الحب والتفاهم.

أما النوع الآخر من التغير الذى يكون للأسوأ شأن حال الكثير من الأسر التى غاب طائر الحب عن سمائها فهو عندما يفقد الزوجان القدرة على الاستمرار فى جو خانق كئيب، لا روح فيه ولا حياة..

ومن المهم أن يتعرف كل طرف على الاهتمامات الشخصية للطرف الآخر، وتصوراته لكيفية الحياة فى المستقبل إلى جانب معلومات أكثر عن أهل الطرفين، ومناقشة الأمور المستقبلية بهدوء مثل الإقامة فى بيت أهل العريس، وعمل الفتاة، ومصير دخلها بعد الزواج، وكل ما يتعلق بحياتهما معا تجنبا لحدوث مفاجآت مستقبلية.

وفى فترة الخطبة يجب عدم إفشاء الفتاة أسرار أهلها، فلو كانت على مشكلات معهم، فالأفضل أن تمسك لسانها، وتستر هذه الخلفيات؛ حتى لا تدفع بعد الزواج ثمن هذه الاعترافات، فهناك من الأزواج من يستغلونها فى إحراج الزوجة، وكسر شكيمتها.

ومن الضرورى عدم سرد التجارب السابقة، ولو كانت هناك تجارب رسمية أخرى يجب التحدث عنها بحذر شديد جدا، لأن الماضى من حق كل منا، والتحدث عنه لشريك الحياة يفتح وابلا من التساؤلات التى لا تنتهى من جانب الطرف الآخر.

أما بالنسبة لمشكلة الشبكة الخاصة بابنتك، فإننى أعرض هذه المسألة من زاوية شرعية وقانونية، فإذا كانت قد قُدمت للمخطوبة على أساس أنها جزء من المهر، ثم فسخت الخطبة دون عقد زواج سواء أكان بسبب عدول الخاطب أو المخطوبة أو عدولهما معا، فإن ما قدمه الخاطب من الحلى له الحق فى استرداده، فإن كان قائما يجب رده إليه بعينه، وإن كان هالكا أو مستهلكا يجب رد مثله أو قيمته؛ لأنه دفع على أنه مما يجب بالزواج، وما دام الزواج لم يوجد فلا تستحق المخطوبة شيئا من هذا الواجب ، وهو حق خالص للخاطب يجب رده إليه.. وأما إذا كان ما قدم من شبكة على سبيل الهدية فإن للمالكية قول بالتفصيل بين ما إذا كان الفسخ من جهة الخاطب فليس له الرجوع فيما أهداه، وإن كان الفسخ من جهة المخطوبة فله استرداد ما أهداه لها، وهذا القول استحسنه عدد كبير من العلماء المعاصرين؛ لأنه يحقق العدل بين المخطوبين.

وأما القانون فقد أخذ بالقول الراجح فى فقه الحنفية فيما لا نص فيه، وعندهم أن ما قدمه الخاطب من الهدايا فهو هبة، وحكم الهبة أن الواهب له حق الرجوع فيها ما لم يوجد مانع من موانع الرجوع، وعلى هذا إذا كان ما أهداه الخاطب لمخطوبته قائما فى يدها لم يطرأ عليه ما يمنع الرجوع فيه  كخاتم أو ساعة أو عقد فللخاطب الحق فى استرداده، وأما إذا كان ما أهداه الخاطب لمخطوبته ليس قائما عندها على حاله بأن هلك أو استهلك أو تغيّر بالزيادة أو باعته، كأن كان خاتما فضاع أو قماشا فخيط ثوبا، ففى كل هذا ليس للخاطب الحق فى استرداد ما أهداه ولا استرداد بدل عنه.

أما دار الإفتاء المصرية فقد أوضحت أن الخِطْبَة وقراءة الفاتحة وقبض المهر وقبول الشبكة والهدايا؛ كل ذلك من مقدمات الزواج، ومن قبيل الوعد به ما دام أن عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية، وقد جرت عادة الناس بأن يقدموا الخِطبة على عقد الزواج لتهيئة الجو الصالح بين العائلتين، فإذا عدل أحد الطرفين عن عزمه ولم يتم العقد، فالمقرر شرعا أن المهر، إنما يثبت فى ذمة الزوج بعقد الزواج، فإن لم يتم فلا تستحق المخطوبة منه شيئا، وللخاطب استرداده.

أما الشبكة التى قدمها الخاطب لمخطوبته فقد جرى العرف على أنها جزء من المهر؛ لأن الناس يتفقون عليها فى الزواج، وهذا يُخرِجها عن دائرة الهدايا ويُلحِقها بالمهر، وقد جرى اعتبار العرف فى التشريع الإسلامي؛ لقوله تعالى: «خُذِ العَفوَ وأمُر بالعُرفِ» (الأعراف 199)، وفى الأثر عن ابن مسعود رضى الله عنه: «ما رَأى المُسلِمُونَ حَسَنًا فهو عند اللهِ حَسَنٌ، وما رَأَوا سَيِّئًا فهو عند اللهِ سَيِّئٌ»، فالشبكة من المهر، والمخطوبة المعدول عن خطبتها ليست زوجة حتى تستحق شيئا من المهر؛ فإن المرأة تستحق بالعقد نصف المهر، وتستحق بالدخول المهر كله، وبناء على ذلك فإن الشبكة المقدمة من الخاطب لمخطوبته تكون للخاطب إذا عدل المخطوبان أو أحدهما عن عقد الزواج، وليس للمخطوبة منها شيء، ولا يؤثر فى ذلك كون الفسخ من الخاطب أو المخطوبة.. ولذلك أرى حسم هذا الأمر بالترفع عن الشبكة «البسيطة» ـ على حد قولك ـ وسيكون هذا موقفا يضيف إلى رصيدكم الكثير لدى الجميع، وعلى الجانب الآخر لا أؤيد زواج ابنتك الثالثة من شقيق خطيب أختها الراحل، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق