رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

موسكو: الشراكة مع مصر هى نقطة الإنطلاق نحو القارة

موسكو ــ د. سامى عمارة

يستقبل منتجع سوتشى على ضفاف البحر الأسود أول قمة تاريخية تجمع روسيا مع بلدان القارة الإفريقية خلال الفترة 23ــ24 أكتوبر الحالى برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى بصفته رئيسا للدورة الحالية للاتحاد الإفريقى والرئيس الروسى فلاديمير بوتين وبمشاركة ممثلى ما يزيد أربعين دولة إفريقية. ومن المقرر أيضا أن تشهد سوتشى أكبر منتدى اقتصادى يجمع قرابة 3000 من كبار رجال الأعمال الروس والأفارقة حول جدول أعمال يستهدف وضع الأسس اللازمة لانطلاقة أكبر مسيرة للتعاون بين روسيا وبلدان القارة على ضوء عودة تصاعد اهتمام موسكو بهذه البلدان، بعد أن تأخرت كثيرا عن نظرائها من الصين والولايات المتحدة والعديد من بلدان القارة الأوروبية.

قمة روسيا ــ إفريقيا حدث غير مسبوق، تعيره موسكو أكبر قدر من الاهتمام بوصفه الاكثر أهمية وفاعلية على مدى تاريخ الدولة الروسية مع القارة الإفريقية، فى الوقت نفسه الذى يحظى فيه أيضا بكثير من اهتمام بلدان القارة الإفريقية استذكاراً لتاريخ مجيد طالما جمعها مع الاتحاد السوفييتى السابق. وعلى الرغم من عراقة وأهمية ذلك التاريخ وما شهده من تعاون متعدد المجالات والأبعاد، كانت موسكو قد عادت بعد انهيار الاتحاد السوفيتى لتنكفئ على نفسها على وقع تغير بوصلة قيادتها السياسية الجديدة، التى وللأسف الشديد لم تكن على مستوى الماضى التليد، حيث سرعان ما بدا واضحا جنوحها صوب الارتماء فى أحضان الغرب والانصياع لإرادته لما يزيد على عقد كامل، خلت خلالها الساحة الإفريقية من كل من عرف قدر القارة، وما تملكه من ثروات طبيعية وبشرية. وكانت الفترة القليلة الماضية قد شهدت نشاطا مكثفا من جانب الكرملين والمبعوث الشخصى للرئيس بوتين إلى إفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوجدانوف فى إطار استعدادات روسيا لاستضافة هذه القمة، وتحديد أهم بنود جدول أعمالها الذى سوف يشمل مختلف مجالات التعاون والتنسيق خلال السنوات المقبلة، انطلاقا من توافق حول دورية لقاءات القمة «روسيا ــ إفريقيا» بواقع دورة كل عامين.

وفى مؤتمرهم الصحفى الذى عقدوه فى إطار الاستعداد لاستقبال القمة الروسية الافريقية، اعترف عدد من كبار ممثلى الدولة ومؤسسات صناعة القرار فى موسكو بأن روسيا تأخرت كثيرا وآن لها تعويض ما فات. وقال إلياس أوماخانوف النائب الاول لرئيس مجلس الاتحاد (المجلس الأعلى للجمعية الفيدرالية البرلمانية) إن بلاده تعترف بأهمية علاقاتها مع البلدان الافريقية، وتؤكد عزمها على السير بخطى حثيثة، لتعويض ما طرأ من تغيرات وتراجع فى سياساتها مع بلدان القارة التى طالما ارتبطت بها بعلاقات تاريخية وثيقة. وبينما توقف عند أهمية العلاقات البرلمانية فى هذا الشأن، اعترف بأن الصين تقف منافساً قوياً مع روسيا بما اتخذته من خطوات فعالة لتوطيد علاقاتها مع بلدان القارة الإفريقية.

ولعل اعترافه بقدر مصر، وبأهمية التركيز خلال الفترة المقبلة على تطوير علاقات روسيا بها، هو ما يحدد اليوم ملامح المسيرة الروسية صوب استعادة مواقعها فى القارة الإفريقية.

ومن هنا كان تأكيده على أهمية ما صدق عليه المجلس الأعلى للبرلمان الروسى من وثائق، وفى مقدمتها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التى وقعها الرئيسان عبد الفتاح السيسى وفلاديمير بوتين فى موسكو فى أكتوبر من العام الماضى، وكذلك اتفاقية تأسيس المنطقة الصناعية الروسية فى منطقة قناة السويس، التى قال إنها سوف توفر القاعدة القانونية والصناعية التجارية لانطلاقة روسيا صوب بلدان القارة الإفريقية.

وانضمت ايرينا أبراموفا مديرة معهد افريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية (أحد أهم مؤسسات صناعة القرار فى روسيا)، وكذلك السفير أندريه باكلانوف مستشار مجلس الاتحاد والدبلوماسى الذى عمل لسنوات طويلة فى القاهرة، قبل تعيينه سفيراً لبلاده فى المملكة العربية السعودية، إلى تأكيد ما قاله أوماخانوف بشأن أهمية ما تحقق على صعيد العلاقات المصرية الروسية، بوصفه سبيلا ومُوصلاً جيدا إلى علاقات أكثر حميمية مع بلدان القارة الإفريقية، ولمواجهة ما قد ينجم من صعوبات المنافسة مع أولئك الذين سبقوا روسيا فى التغلغل داخل إفريقيا خلال العقود الماضية، فى إشارة واضحة إلى كل من الصين والولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية.

وتوقف المسئولون الروس عند موضوعية السياسة المصرية، وحفاظ مصر على تعهداتها وإلتزاماتها فى تعاونها مع روسيا. وقالوا إن مصر لم تتخل عن سداد التزاماتها والديون المستحقة عن الكثير من المشروعات الكبرى التى أُقيمت بمساعدة الاتحاد السوفييتى، بل وكانت عند مستوى «الشهامة والوفاء»، حين سارعت بتقديم الكثير من المنتجات الغذائية والصناعية الخفيفة، يوم واجهت روسيا ما لحق بها من متاعب وأزمات فى تسعينيات القرن الماضى.

كما أعادوا إلى الاذهان تجربة بناء السد العالى وما نشهده اليوم من تعاون فى مشروع إقامة محطة الضبعة النووية، لتكون خير مثال لعلاقات روسيا المستقبلية مع القارة الإفريقية، وبما يمكن أن تكون معه أكبر بوابة لروسيا الى هذه البلدان، اضطلاعا بدورها تجاه تعضيد المصالح المشتركة على الأصعدة كافة، بما فيها الاقتصادية والسياسية.

وكانت إيرينا أبراموفا مديرة معهد إفريقيا قد تطرقت فى حديثها أيضا الى ما فقدته روسيا من كوادر بشرية سبق أن أسهم الاتحاد السوفيتى فى تكوينها وتدريبها وإعدادها خلال سنوات التعاون منذ خمسينيات القرن الماضى وتزيد فى مجملها على نصف مليون من أكفأ الكوادر العلمية والثقافية، بل والسياسية. ومن هنا كان التذكير بأهمية ما وجًه به الرئيس بوتين حول زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة من جانب روسيا إلى البلدان الإفريقية، إلى جانب ما جرت الإشارة اليه حول ان البلدان الإفريقية لا تتطلع اليوم إلى تلقى المعونات أو تحقيق أعلى مستوى من التبادل التجارى، بقدر ما تعير اهتمامها الرئيسى إلى مجالات الاستثمارات المشتركة، لا سيما فى مجال التكنولوجيا الحديثة، ومن هنا تكون المنطقة الصناعية الروسية فى مصر ذات أهمية خاصة متعددة التوجهات وعميقة الأبعاد.

ومن اللافت فى هذا الصدد ما توقف عنده المسئولون الروس، بشأن ضرورة وأهمية تصحيح مسار السياسات الروسية فى إفريقيا واستعادة كل إيجابيات العقود السابقة فى علاقاتها مع القارة الإفريقية. وأعاد هؤلاء إلى الأذهان ما سبق أن أعلنه جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق حول سياسات الولايات المتحدة فى القارة الإفريقية واعترافه بانها تقوم على مواجهة سياسات روسيا والصين فى القارة الإفريقية.

وأكدوا أن إفريقيا يجب أن تكون شريكا جيوسياسيا، وجيوعسكريا لروسيا فى الفترة المقبلة، إلى جانب أهمية التعاون مع بلدانها على المستويات كافة، الثنائية منها والمتعددة الاطراف فى المنتديات الدولية ومنها الأمم المتحدة، إلى جانب التنسيق المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب فى إطار خطة شاملة طويلة الأمد. وكشف المسئولون فى روسيا عن أهمية الاستفادة من تجربة الصين، وتركيزها على تقديم القروض بالعملة الصينية «اليوان»، والتركيز على استخدام «الروبل» عملة أساسية فى التعاون مع البلدان الإفريقية.

وأشاروا أيضا إلى أهمية تنشيط دور السفارات والمؤسسات الروسية فى العواصم الإفريقية وتعزيز التعاون مع رجال الأعمال، مما يعلى أهمية وقدر المنتدى الاقتصادى الذى سوف يقام على هامش انعقاد القمة ويشارك فيها ما يزيد على ثلاثة آلاف رجل أعمال من الجانبين. وتوقفوا كذلك عند أولوية التعاون فى مجالات الطاقة بكل أوجهها، سعيا وراء تكثيف القدرات الافريقية فى هذا المجال، على ضوء فقر إنتاجها من الطاقة، حيث يكاد يقف مجمل منتوج القارة الإفريقية كلها عند مستوى ما تملكه كوريا الجنوبية وحدها.

يبقى أن نشير إلى تزايد اهتمام موسكو بتسويق أحدث نماذج صناعاتها العسكرية ولاسيما مقاتلة «ميج ــ 35» التى سوف تستعرضها أمام مدخل المنتدى فى سوتشى، جنبا إلى جنب مع نماذج المنظومات الدفاعية وفى مقدمتها منظومة «اس ــ400 تريومف»، و«انتيى ــ2500» ونظم الرادار ومراقبة المجالات الجوية الحديثة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق