أكتب عن مستشفى قصر العينى الجديد المعروف شعبيا باسم «الفرنساوى»، فلقد بدأ عمله منذ ربع قرن، وكان تتويجا لحلم قديم لدى الرواد من أساتذة جامعة القاهرة، وكانت بدايته مبهرة ومفخرة طبية، وقدمت فرنسا مساعدة جليلة لإنشائه، وتزويده بالمعدات الطبية اللازمة، وحرص هذا الصرح الطبى الجامعى على أن يضم كوكبة من ألمع الأطباء المصريين، مما جعله قبلة للمرضى المصريين والعرب، وبمرور الزمن بدأت المشكلات التى تحول معظمها إلى أزمات شبه مستعصية رغم أن معظم القائمين على إدارته من الأطباء المتميزين علمًا وحماسا، والذين لم يدخروا وسعا فى بذل ما أتيح لهم من صلاحيات للنهوض به، ولكن الإدارة فى المراحل المختلفة لم تكن بالمستوى المطلوب، مما أدى إلى تراكم الأخطاء، وتعدد الجهات التى يتعامل معها المستشفى خارج الجامعة، وأبرزها وزارة المالية التى تخلت عن دفع رواتب الموظفين، وعددهم 4500 موظف من الإداريين وعمال الخدمات الطبية والتمريض، ومازالت المفاوضات جارية بين المستشفى ووزارة المالية لتحمل النفقات ورواتب هؤلاء الموظفين، وكانوا يتلقون العلاج بالمستشفى مقابل رسوم رمزية، ولكن صدر منذ عدة سنوات قرار بحرمانهم من هذه الميزة، وصاروا يتلقون العلاج فى مستشفى المقطم التابع للتأمين الصحي، وقد وافقوا أخيرًا على دفع الاشتراكات، وعاد معظمهم إلى العلاج بالمستشفى الفرنساوي، وكان قرار حرمانهم قد صدر بسبب عدم دفع المستشفى النسبة المقررة للجامعة.
لقد بلغت ديون المستشفى 200 مليون جنيه، وهناك لجنة شكلها رئيس جامعة القاهرة لدراسة الديون وأساليب تسديدها، وتعد إدارة المستشفى جدولة لدفع ديون شركات الأدوية، كما شرعت فى إعداد خطة لاستعادة الأطباء الذين تركوا المستشفى بسبب تأخر رواتبهم، وقد بدأت بالفعل فى إعداد وتخصيص عيادات لأعضاء هيئة التدريس، واستكمال النقص فى المستهلكات الطبية مثل الخيوط الجراحية ولوازم العمليات فى التخصصات الطبية المختلفة، مثل البالونات والدعامات اللازمة لتوسيع الشرايين، وتجهيز وحدة كاملة لعلاج السكر ومضاعفاته بالتعاون مع المعهد القومى للسكر، وقد تم أخيرا استكمال وتجديد 8 غرف عمليات (جراحات عامة ومتخصصة)، وهناك محاولات لإصلاح الأدوار والأسانسيرات، وإجراء صيانة دورية للأجهزة الطبية، ورغم الجهود المشكورة من جانب الإدارة الحالية للمستشفى فى ظل الاهتمام الملحوظ من جانب رئيس جامعة القاهرة بضرورة النهوض بمستشفيات الجامعة، فإن هناك مشكلات تبدو مستعصية على الحل حتى الآن، وأبرزها مشكلة الأدوية واستعادة الرقابة على صرف الأدوية، وضرورة السعى بجدية وإصرار لفك الارتباط مع الصيدليات الموكول إليها ذلك، والتى تستنزف ميزانية المستشفى، وتتفنن فى ابتكار أساليب للتحايل على القرارات التى اتخذها رئيس الجامعة الحالى لاستعادة سيطرة المستشفى على صرف الأدوية.
لقد استأنفت صيدلية المستشفى العمل بعد توقفها عدة سنوات بسب تراكم الديون ونقص الأدوية، لكنها مازالت عاجزة عن تلبية حاجات المرضى، ولجأت إلى صيدليات خارج المستشفى الفرنساوى مما أدى إلى إهدار أموال جامعة القاهرة وانتقاص سلطة المستشفى على شئونها، فهل من تصحيح لهذا الوضع؟.
د. عواطف عبدالرحمن
رابط دائم: