رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحكام كاتالونيا ..
درس إسبانى فى «السيادة» و»الهوية»

هانى عسل
ارشيفية

لا شك فى أن الطريقة التى تعاملت بها الحكومة الإسبانية مع أزمة إقليم كاتالونيا منذ بدايتها وحتى يومنا هذا، تمثل درسا بليغا فى كيفية «قتال» الدول الديمقراطية المتقدمة للدفاع عن سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها، والحفاظ على هويتها ضد محاولات التشرذم والتقسيم، مهما تكن الأسباب والمبررات.

وفى الوقت الذى كان فيه الإسبان يحتفلون بعيدهم الوطنى «ديا دى لا هسبانيداد»، يوم 12 أكتوبر، والذى يوافق أيضا يوم عذراء البيلار «القديسة الحامية لإسبانيا»، وأيضا ذكرى اكتشاف الأمريكتين على يد الأسطول الإسبانى بقيادة الأدميرال كريستوفر كولومبوس عام 1492، كان الانفصاليون فى كاتالونيا يطلقون موجة مظاهرات جديدة، تخللتها أعمال شغب، للاحتجاج على الأحكام القضائية الصادرة بحق قادتها الانفصاليين الأسبوع الماضي.

فقد أصدرت المحكمة العليا فى إسبانيا يوم الإثنين الماضى أحكاما رادعة بسجن تسعة من قياديى حركة الانفصال فى كاتالونيا، وثمانية انفصاليين آخرين، لمدة تتراوح بين تسعة أعوام و13 عاما، وذلك لدورهم فى محاولة الانفصال عن إسبانيا عام 2017، وأعاد الحكم القضائى أجواء التوتر من جديد إلى الإقليم الذى يشهد اضطرابات بالفعل منذ عقد كامل من الزمان، بسبب المطالب بالاستقلال عن مدريد.

وعلى الرغم من الاحتجاجات العنيفة التى اندلعت بعد صدور الأحكام مباشرة، فإن الدولة الإسبانية دافعت بمختلف مؤسساتها ومستوياتها عن هذه الأحكام، تماما مثلما فعلت منذ بدء تصاعد موجة الاحتجاجات الانفصالية بالإقليم قبل عامين، والسبب فى ذلك، أن إسبانيا على موعد قريب مع إجراء الانتخابات التشريعية فى 10 نوفمبر المقبل، وهو ما دعا رئيس الوزراء «الاشتراكي» بيدرو سانشيز إلى بدء ما سماه »مرحلة جديدة« فى كاتالونيا تقوم على أساس «الحوار»، وقال أيضا فى خطاب عام إنه «لا أحد فوق القانون، ولم يحاكم أحد بسبب أفكاره»، فى إشارة إلى قادة الانفصال التسعة الذين كان بعضهم محبوسا احتياطيا منذ عامين، علما بأن الرئيس الكاتالونى الانفصالى السابق كارليس بيتشديموند مقيم حاليا فى بلجيكا بعد أن كان قد فر إليها عام 2017 لتفادى ملاحقته قضائيا، وقد علق على الأحكام القضائية بوصفه إياها بـ»العمل المشين». وعلى الرغم من أن بيتشدموند تذرع بالديمقراطية، وبقسوة الأحكام، إذ قال إن الأحكام القضائية كلها تساوى مائة عام فى السجن، داعيا إلى الرد عليها، من أجل مستقبل أولادنا، ومن أجل الديمقراطية، فإن الحكومة الإسبانية دافعت عن الأحكام بقوة، مؤكدة أن الديمقراطية وسيادة القانون هما اللذان يقفان وراء هذه الأحكام. فذكرت حكومة مدريد فى ردها على اتهامات العناصر الانفصالية الكاتالونية أن الأحكام الصادرة جاءت بإجماع آراء قضاة المحكمة العليا كافة، المنوط بها تطبيق القانون والدستور، والحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها. ونوهت أيضا إلى أن عقوبة نائب الرئيس الكاتالونى السابق أوريول خونكيراس كانت الأعلى بين الانفصاليين الإثنى عشر، إذ تقرر سجنه 13 عاما، لأنه أدين بتهمتى العصيان واختلاس المال العام، فى حين لم توجه اتهامات بالتمرد إليه، نظرا لعدم وجود انتفاضة مسلحة، وهى التهمة التى كانت تستوجب معاقبته عليها بالسجن 25 عاما.

وتعد نقطة التوصيف القانونى للتهم الموجهة إلى التسعة أمرا حيويا فى تلك الأزمة، فعلى الرغم من أن النيابة العامة وصفت أحداث عام 2017 بأنها «انقلاب»، فإن المحكمة العليا اعتبرت أن ما قاموا به ليس تمردا، لعدم توافر شروط الانتفاضة المسلحة، بينما أدين بعض المتهمين بالاختلاس، وأدين آخرون بالعصيان.

وكان الانفصاليون الـ12 يحاكمون فى الأساس بتهمة رئيسية هى قيامهم بتنظيم استفتاء لتقرير مصير كاتالونيا يوم أول أكتوبر 2017 رغم صدور حكم قضائى بحظر هذا الاستفتاء وعدم مشروعيته، هذا بالإضافة إلى إعلان الانفصاليين استقلال الإقليم الغنى الواقع شمال شرق البلاد فى 27 أكتوبر من العام نفسه. وإذا كانت الأحكام القضائية الأخيرة لم ترض الكثيرين فى إسبانيا، إذ كانوا يريدون أحكاما أشد قسوة، فإن الحكومة الإسبانية ترى أن صدور الأحكام بهذه الصورة سببه أن القضاة أصدروا أحكامهم استنادا إلى مبررات قانونية بحتة، دون النظر إلى أى اعتبارات سياسية. ومع اعتراف المحكمة بأنه كان هناك عنف صاحب الحملة الانفصالية، فإنها اعتبرت أن هذه ليست هى القضية بالنسبة لها، وإنما المشكلة الرئيسية هى انتهاك الدستور، وتعريض سيادة البلاد للخطر، مؤكدة أن العنف لم يكن بدافع الحصول على الاستقلال، وهو ما يثبت، من وجهة نظر مدريد الرسمية، عدم تسييس عمل المحكمة فى تلك القضية.

وهكذا، تدافع الدول عن سيادتها، واستقلالها، وأمنها الداخلي.

وهكذا تطبق القوانين والدساتير.

وهكذا تكون الديمقراطية الحقيقية، لا المزيفة التى يصعد المارقون على أكتافها.

وهذا هو الحجم الحقيقى لـ«الشارع» فى الديمقراطيات الغربية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق