رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تعرف على العالم الروائى للفائزة بـ«نوبل»..
أولجا توكارتشوك التى لا يعرفها العرب

هبة عبد الستار

تبدو الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك، الفائزة بجائزة نوبل للأدب «المؤجلة» لعام 2018 أقل حظاً من النمساوى المثير للجدل بيتر هاندكه الفائز بنوبل للأدب للعام الحالي، حيث ترجمت بعض أعماله إلى العربية فأصبح معروفا للقارئ العربي، على عكس توكارتشوك التى رغم شهرتها فى أوروبا وامريكا بسبب ترجمة بعض أعمالها إلى الانجليزية لم يلتفت إليها المترجمون ودور النشر العربية لترجمة أى من أعمالها إلى العربية إلا بعد إعلان فوزها بجائزة الـ «مان بوكر العام الماضى عن روايتها «رحلات» فتعاقدت معها دار التنوير لترجمة أعمالها، على أن تبدأ بـ»رحلات» التى متوقع طرح الترجمة العربية لها بالمكتبات خلال الأيام القليلة المقبلة بعنوان «رحالة» للمترجم إيهاب عبد الحميد. وبحسب لجنة تحكيم «نوبل» فإن توكارتشوك تقدم فى أعمالها «الخيال السردى الذى يصور بشغف موسوعى عبور الحدود بوصفه شكلًا من أشكال الحياة،» لذا نحاول هنا استكشاف عالم توكارتشوك الروائى وكيف أثرت خلفيتها السياسية والاجتماعية على كتاباتها من خلال بعض أعمالها التى ترجمت للإنجليزية.

لا يمكن إغفال آراء أولجا السياسية وأيديولوجيتها اليسارية التى تبرز فى كتابتها فهى معارضة قوية للنظام اليمينى المحافظ فى بولندا، ولا تتردد فى انتقاد سياسات بلادها ،لذا تسعى من خلال كتاباتها للتعبير عن المسكوت عنه فى ماضى بولنداوتاريخها وتستحضره لتربطه بالحاضر، محذرة من تكرار أخطاء الماضي، فبالنسبة لها كان الأدب دائما بمنزلة «سلاح ومهمة. كان دائما متورطا فى السياسة». تؤمن أولجا بالتنوع، لذا تكتب شخصياتها من هذا المنطلق، فمن الصعب أن تفهم شخصية دون ربط حكايتها بباقى الشخصيات، ومن الصعب أن تفهم الرواية بكاملها دون تجميع كل الشخصيات معا. ولأنها بدأت بكتابة الشعرثم تحولت إلى الرواية فاتسمت لغتها بالشاعرية والنبرة الأسطورية فى آن، حيث اتخذت من الأساطير والحكايات الشعبية والتاريخ مصدر إلهام لعدد من رواياتها. كما تأثرت بهوسها بعلم النفس وكارل يونج الذى أسهم تأثرها بمفهومه عن اللاوعى الجماعى فى انعكاس شخصياتها على بعضها البعض.

 

«رحالة»

ترجم عنوان هذه الرواية إلى «رحلات» إلا أن بعض الترجمات للغات الأخرى ومن بينها العربية حافظت على العنوان الأصلى البولندى «بيجوني» التى تعنى بالبولندية «الرحالة». وتقول توكارتشوك عن تلك الرواية :»عندما بدأت كتابتها قبل أكثر من اثنتى عشرة سنة، شرعت فى وصف عالم مختلف عن العالم الذى نعيش فيه الآن. لقد كتبتها عندما كان العالم يتطلع إلى الانفتاح على الجميع. الآن نرى كيف سيضعف الاتحاد الأوروبى بسبب سياسات دول مثل بولندا والمجر، والتى تركز على حدودها مرة أخري. برأيى هى لا تتعلق فقط بحرية تغيير الأماكن التى تعيش فيها، بل أيضًا بتغيير ثقافتك وهويتك، أعتقد أن أعمق مستوى من حريتنا هو القدرة على تغيير هويتنا».

وتدور الرواية حول امرأة تداوم على السفر وحيدة ترصد خلال رحلاتها ما يحدث فى المطارات ، والقطارات ، والفنادق كمناطق يلتقى فيها البشر ويتواصلون ثم يبتعدون ،حيث تصبح الرحلة ذاتها أكثر أهمية من الوجهة التى يتوجهون إليها. وتبرزالعلاقات الاستغلالية التى يكونها الأشخاص. تقدم «الرحالة» فسيفساء من قصص بشرية متنوعة تتكامل فى حكاية واحدة متعددة الطبقات تشكل استكشافًا لثبات الوجود والتجربة والحياة. فهناك الزوج الذى يقضى إجازته مع زوجته وابنه الصغير إلا أنه يواجه أسئلة دون إجابة بعد اختفائهم المفاجئ. والأم التى تغادر منزلها دون عودة، تعيدنا الرواية إلى القرن السابع عشر لمقابلة عالم التشريح الهولندى الذى اكتشف وتر أخيل عند تشريح ساقه المبتورة فى القرن التاسع عشر ، وتتبع الرحلة السرية التى قام بها قلب الملحن فريدريك شوبان من باريس إلى وارسو. هى تقدم سلسلة من القصص المترابطة عن جسم الإنسان وحركته وكأنها تأخذ قارئها فى جولة بأحد متاحف التاريخ الطبيعى فى الوقت نفسه الذى تقوده من صوت إلى آخر، كل هذا يجعلها مغامرة جريئة فى إمكانات سرد القصص غير الخطية.

 

«بيت النهارـ بيت الليل»

تأخذ تلك الرواية القارئ فى رحلة خيالية داخل وخارج حدود الحياة اليومية عبر «نوا رودا» مدينة خيالية صغيرة فى المنطقة التى كانت جزءًا من بولندا وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا السابقة فى الماضي. تتبع تاريخ المدينة منذ تأسيسها وحياة قديسيها ، حتى حادثة موت رجل على الحدود، مما يسبب توترا دوليا، فالجثة ترقد بساق على الجانب البولندى ، وأخرى على الجانب التشيكي. ما يبرز هنا هى الرسالة التى مفادها أن تاريخ أى مكان - بغض النظر عن مدى تواضعه - لا حدود له ، وذلك من خلال الحفر على جذور الحياة حيث يمكن للمرء أن يرى أن كل شيء متصل ليس فقط مع الذات، ولكن أيضا مع كل الكون. تستخدم توكارتشوك السريالية والواقعية السحرية فى سرد القصص المختلفة. هناك لحظات مفجعة ومأساوية وأخرى كوميدية تجتمع جميعها لتقدم بطريقة مبتكرة صورة لشعب وبلدته.

تعيش سيدة مع زوجها فى مزرعتهما الصغيرة. وتعمل على جمع وتفسير الأحلام. تقرأ بعناية العشرات من أحلام الآخرين كل صباح لتستكشف أوجه التشابه بينهما. وتغزل الرواية قصص الحالمين معا فهناك من يذهب لمطاردة الرجل من أحلامه. وآخر يعتقد أن طائرًا ضخمًا يسكن جسده. والراهب الذى يتوق إلى أن يكون امرأة. ومن يعذبه اقتناعه بأنه يتحول إلى ذئب. ومدعٍ للنبوة يبحث عن علامات نهاية العالم. وتبحث موظفة فى أحد البنوك المحلية ، عن حبيب سمعته يهمس بأذنها. وقديسة جميلة ، تستيقظ مع وجه المسيح بدلاً من وجهها. وهناك الألمان الذين يعودون إلى الوطن للموت. تتناول جميع القصص داخل الرواية التغيير والتحول، والأبعاد الخفية للوجود حيث تختلط الحياة الحقيقية مع الأحلام المتخيلة، ومع الماضى والحاضر.

 

«كتب يعقوب»

رواية تعود إلى لحظة مجهولة من تاريخ بولندا لتفسره بطريقتها الخاصة وتربطه بالسياق العام للحاضر فى بولندا وأوروبا من خلال رحلة عبر الحدود، لمناطق تضم خمس لغات وثلاثة أديان رئيسية ، يقوم بها يعقوب فرانك ، زعيم دينى بولندى من القرن الثامن عشر لجماعة منشقة يهودية تحولت إلى الإسلام ثم إلى الكاثوليكية تبحث عن الأمان. وكتبت عنها لجنة نوبل : «لقد أظهرهذا العمل القدرة الكبرى للرواية على تمثيل قضية تتجاوز التفاهم البشرى تقريبًا». بنت توكارتشوك فى روايتها تلك ملحمة تاريخية ضخمة تقترب من الألف صفحة من الأحداث المنسية. وهى أيضا قصة عالمية مناسبة لعصرنا الحالى تُقدَم عبر حشد من الشخصيات المتنوعة فى رمزيتها، فهناك زعيم دينى غامض. وزوجته وابنته ، والمؤمنون به، ومؤرخ الطائفة. وامرأة عجوز مصممة على العيش للأبد عن طريق السحر. وأسقف يعيش ويتنفس السياسة؛ ومثير للشغب توج نفسه ملكا للجزر اليونانية، وابنة عمه، سيدة مع بعض العادات غير العادية. وكاهن إقليمى يعشق سيدة تنتظره ويكتب موسوعة خاصة به ؛ جنبا إلى جنب مع مجموعة واسعة من أعضاء الطائفة ، الرجال والنساء والأطفال. فى أثناء تقديمها هذه الشخصيات التاريخية، هى تعطى صوتًا للأشخاص الذين ليس لديهم أحد: هؤلاء الذين تعرضوا لسوء المعاملة ، وهؤلاء الذين اختفوا دون أثر ، يتجمعون فى هوامش التاريخ المسجل. تستحضر الرواية روح العصر فى القرن الحادى والعشرين. هى تشجع القراء على إعادة النظر فى تاريخهم وإعادة النظر فى وجهات نظرهم حول الشكل الذى ستتخذه أوروبا فى السنوات المقبلة، وكيف تتم مواجهة مشكلة التنوع، وهى بذلك تشتبك بمهارة فى النقاشات الحالية التى تقسم أوروبا والعالم حول كيفية حماية التسامح ، وكيفية تحديد التعصب ، وكيفية تحديد حدود السيادة المعاصرة والالتزام بها ، وكذلك كيفية التعامل مع تدفق اللاجئين إلى أوروبا الوسطى من الناحيتين العملية والأخلاقية.

 

«بريميفال وأوقات أخري»

كانت تلك الرواية هى بداية السطوع الأدبى لتوكارتشوك حيث استثمرت فيها الواقعية السحرية لترسم صورة ثرية عن بلدة بولندية خيالية تدعى «بريميفال» تقع فى مركز الكون. لذا فحدودها محمية ضد القصور البشرى من قبل 4 ملائكة يرون كل شيء يحدث بطريقة مختلفة عن البشر الذين يسكنون المدينة، ومن خلال تشابك الحكايات يبرز دور الخرافات والأمثال والحكمة المسيحية التقليدية وتقاطع كل ذلك مع ما هو روحى وغير مرئي. تتبع الرواية سكان المدينة من عام 1914 إلى الثمانينيات. ويبرز الجنود الألمان والروس المحتلون فى الرواية التى تركز على عائلتى نيبيسكى وبوسكى ، ولا سيما صاحبة المطحنة جينوفا نيبيسكى وابنتها ميسيا ، لتقدم ملحمة عائلية ذات خلفية أسطورية تعمل بمنزلة صورة مصغرة تاريخية لبولندا.و تناقش قضايا مختلفة بطريقة فلسفية عبر شخصياتها فهناك: التفاؤل ، العدمية ، الحتمية ، والإرادة الحرة دون امتياز، بهدف تصويرالعالم بكامل طاقته ، مع كل تناقضاته ، ومستحيلاته ، ومعجزاته، كى ترسم من خلال ذلك كله قصة مختلفة لبولندا . كما تناقش قضايا أخرى مهمة مثل عمليات القتل، والإجهاض، والحب غير المشروع، والتعذيب، والأرستقراطيين المجندين، والحرب والإبادة الجماعية والشيوعية.

 

«مر بمحراثك على عظام الموتي»

هى رواية قائمة على الإثارة والتشويق فى قالب وجودي، نتابع فيها قصة «جانينا» امرأة عجوز غريبة الأطوار تعيش فى قرية نائية وتنقلب حياتها الرتيبة الهادئة رأساً على عقب عندما يُعثر على أحد جيرانها أولاً، ثم قائد الشرطة ورجل من أعيان المنطقة، مقتولين. تتحول القرية إلى مسرح نشط للجريمة. تتحدى ثقافة جانينا التى تشرف على الغابة ممارسات الصيد للسلطات البارزة - بما فى ذلك رئيس الشرطة والكاهن - حيث تتورط فى تحقيقات القتل. تستكشف العجوز نمط لجرائم القتل فجميع الضحايا من الذكور، وجميعهم كانوا أعضاء فى نادى الصيد المحلي. بعد تحقيق أعمق ، توصلت إلى نظرية لا تصدق عن سبب ذبح هؤلاء الرجال: «الحيوانات تنتقم منهم بسبب قيامهم بصيدها!».

تصف توكارتشوك روايتها تلك بأنها «كتاب عن الألم» وتعتبر جانينا متحدثا «رسميا لحقوق الحيوانات كمخلوقات لا صوت لها ولديها القدرة على الشعور بالألم». رفعت الرواية قضية الصيد وحقوق الحيوان للنقاش العام فى بولندا وأصبحت «جانينا» بمنزلة رمز للاحتجاج فى بولندا. ظهر اسمها على لافتات فى المظاهرات لإنقاذ إحدى الغابات المحمية من قبل اليونسكو من قطع الأشجار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق