عقب إصدار صندوق النقد الدولى تقرير المراجعة الاخير لبرنامج الاصلاح الاقتصادى المصرى، جاءت نهاية المرحلة الصعبة من الاصلاحات.
ومع تغير قيادة صندوق النقد الدولى وتولى كريستالينا جورجيفا ادارة الصندوق، تبدأ مصر مرحلتها الجديدة من الاصلاحات الجريئة، لتثار العديد من التساؤلات التى طرحها الشارع المصرى حول مستقبل الاقتصاد ونتائج الاصلاح، ومتى يمكن ان تنعكس على حياة المواطن ؟.
الاهرام طرحت هذه التساؤلات وغيرها على جهاد أزعور مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولى عبر حوار عن طريق الانترنت ليجيب عليها بشكل شامل ،ويحدد فيها ملامح المرحلة الجديدة عقب انتهاء القرض، والعلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولى والاجراءات اللازمة لمواصلة النجاح، وفيما يلى نص الحوار:
ما تقييمكم لمستوى أداء الاقتصاد المصرى بعد استكمال البرنامج مع الصندوق، وما توصياتكم بخصوص المرحلة المقبلة؟
شهد الاقتصاد المصرى تعافيا ملحوظا منذ عام 2016، و تمكن من استعادة استقراره بعد أن كان قد قارب الدخول فى حالة الأزمة، وقد سجل الاقتصاد تحسنا فى أهم الموْشرات، حيث ارتفع النمو إلى نحو 5.5%، وتراجعت معدلات التضخم والبطالة بشكل ملحوظ، وتقلص عجز المالية العامة والحساب الجاري، بالإضافة الى انخفاض الدين العام، وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبى إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وفى الوقت نفسه، تعززت مستويات الحماية الاجتماعية للتخفيف من حدة آثار الإصلاحات على الأسر المنخفضة الدخل.
وفى المرحلة المقبلة، من الضرورى الحفاظ على هذه الإنجازات والتأكد من مواصلة احتواء التضخم، واستمرار مستويات الدين العام فى مسارها التراجعى المطرد على المدى المتوسط، واستخدام جزء من الوفورات المتحققة من إصلاح دعم الوقود فى تقوية شبكة الأمان الاجتماعي.
ولا تزال مرونة سعر الصرف أيضا حيوية كأداة لامتصاص الصدمات التى يتعرض لها الاقتصاد وللمساعدة فى الحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات المصرية.
وباستشراف المستقبل فإن مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتحديث الاقتصاد تشكل أهمية بالغة لإطلاق إمكانات النمو فى مصر، وزيادة الاستثمار والصادرات، وإيجاد المزيد من الوظائف عالية الجودة وتخفيض البطالة، ومن ثم رفع مستويات المعيشة لكل المصريين مع ضمان توفير الحماية لشرائح السكان من محدودى الدخل.
هل استوفت مصر كل التزاماتها بموجب الاتفاق مع الصندوق؟ وهل هناك سياسات ما زالت بانتظار التنفيذ؟
يعد النجاح فى استكمال البرنامج ترجمة لقوة التزام السلطات بالبرنامج ومثابرتها على تنفيذ السياسات اللازمة التى يقتضى جانب منها اتخاذ قرارات شجاعة فى الوقت نفسه. وكما أسلفنا، هناك تقدم كبير تم إحرازه خلال السنوات الثلاث الماضية نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى والشروع فى الإصلاحات لدعم الاستثمار الخاص، وجعل النمو أكثر احتواء وتوفير فرص العمل لمختلف شرائح المجتمع. ولكن بعد انتهاء البرنامج يتعين بذل مزيد من الجهود لضمان مواصلة تحسين الاقتصاد المصرى وتحديثه. وينبغى على وجه الخصوص أن تركز الإصلاحات على تحويل مصر إلى بلد سريع النمو وينعم بالرخاء، وتواصل فيه مستويات المعيشة ارتفاعها على نحو مستديم لكل المصريين.
بعد سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التى أرهقت الشعب المصري، كيف يمكن للحكومة زيادة إجراءات الحماية الاجتماعية لتحقيق قدر أكبر من المساواة والمساعدة على تحسين مستويات معيشة الطبقة المتوسطة التى تحملت أعباء برنامج الإصلاح؟
لا تزال الحماية الاجتماعية حجر زاوية فى برنامج الإصلاح الحكومي. وقد تضمنت إجراءات تخفيف أعباء الاصلاح على الفقراء ومحدودى الدخل، استحداث تحويلات الدعم النقدى على السلع الغذائية من خلال بطاقات التموين الذكية، والتوسع فى معاشات التضامن الاجتماعى لتشمل الرعاية الطبية، والتوسع فى تغطية برنامج «تكافل وكرامة».
كما أن التعافى الاقتصادى وانخفاض التضخم يؤتيان ثمارهما عن طريق توفير مزيد من الوظائف، حيث انخفضت البطالة إلى أدنى مستوياتها على مدى العقد الماضي. ومن شأن الإصلاحات الهيكلية أن تجعل مصر أكثر جذبا للمستثمرين الدوليين والمحليين، وتدعم ريادة الأعمال فى القطاع الخاص، وتحد من مخاطر الفساد وسوف تساعد فى رفع مستويات معيشة كل المصريين، بما فى ذلك الطبقة المتوسطة.
هل لا تزال مصر تعانى فجوة تمويلية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما أفضل مصادر تمويل فجوة الميزانية فى الأجلين القصير والمتوسط؟
من المتوقع أن تحافظ مصر على فوائض فى الميزانية الأولية فى الأجلين القصير والمتوسط، مما يعنى أنه باستثناء مدفوعات الفوائد فإن إيرادات الحكومة تتجاوز نفقاتها. وهذه الفوائض ضرورية لإبقاء الدين العام على مسار تراجعي، ولإفساح حيز مالى يسمح بالإنفاق فى المجالات ذات الأولوية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
فى المقابل أسهم الأداء الاقتصادى المواتى فى مصر فى تحسن إقبال المستثمرين، مما سمح بالحصول على التمويل من أسواق السندات الدولية بأسعار مواتية نسبيا. ومع تراجع التضخم، من المتوقع أن تنخفض كذلك أسعار الفائدة المحلية، مما سيساعد الحكومة على خفض كلفة الاقتراض على المستوى المحلى أيضا.
وقد اضطلع برنامج الإصلاح الذى وضعته مصر ودعمه الصندوق بدور حيوى فى تحقيق هذه الاهداف.
كيف يمكن أن تتعامل مصر مع مستويات الدين المرتفعة دون إثقال كاهل الأجيال القادمة بمزيد من الضغوط والأعباء؟
يقاس عبء الدين غالبا بنسبته إلى إجمالى الناتج المحلي، وهى فى حالة مصر لا تزال مرتفعة بعض الشيء على الرغم من التحسن الكبير الذى تحقق فى السنتين الماضيتين. ويشكل رفع معدل نمو الاقتصاد عاملا حيويا فى تحسين القدرة على خدمة الدين وخفض نسبته إلى إجمالى الناتج المحلي، بالإضافة إلى تحقيق تقدم أكبر فى تخفيض مستويات عجز الموازنة. وسوف يتعين دعم ذلك الأمر بمواصلة زخم الإصلاحات لتعزيز الثقة فى الاقتصاد المصرى وحفز الاستثمار والصادرات، مما سيعود بالنفع على الأجيال الحالية والمقبلة.
تعمل مصر حاليا على توسيع نطاق مشروعاتها القومية ومشروعات البنية التحتية. ويتناقص فى الوقت نفسه حجم استثمارات القطاع الخاص. كيف يمكننا تشجيع القطاع الخاص على زيادة مشاركته؟
من المهم تحقيق نمو أكثر احتواء لمختلف شرائح المجتمع، حيث يقود القطاع الخاص أنشطة الاستثمار وخلق فرص العمل، وهو عامل حيوى لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل على مدى العقد المقبل.
كما أن تشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص يتطلب المحافظة على الاستقرار الاقتصادى الكلى مع الاستمرار فى تحسين بيئة الأعمال لجعلها أكثر تيسيرا لاستثمارات القطاع الخاص. وقد أطلقت الحكومة المصرية مجموعة من الإصلاحات المهمة لتحسين المنافسة، وزيادة درجة الشفافية فى المشتريات الحكومية وإتاحة التعامل فيها لكل منشآت الأعمال، وتحسين إدارة المؤسسات والشركات المملوكة للدولة.
ويبقى الاستمرار فى تنفيذ هذه الإصلاحات ضروريا للتأكد من أن هذه التغييرات القانونية ستحقق نتائج مجدية فى مناخ الأعمال. وسوف تسهم مكافحة الفساد وتقليص حجم القطاع العام فى الاقتصاد فى إيجاد الحيز اللازم لنمو القطاع الخاص وازدهاره.
هل ترى أن المؤشرات الاقتصادية الكلية فى مصر قادرة فى الوقت الحالى على توجيه دفة البلاد فى المستقبل نحو النمو والتنمية فى الميدان الاقتصادي، ومتى سيبدأ المواطن بالشعور بالتحسن فى مستوى المعيشة والدخل؟
لقد حقق برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى نتائج مبشرة. فمعدل النمو فى الوقت الحالى نحو 5.5%، وهو من أعلى المعدلات فى المنطقة، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر مع توسيع نطاق الإصلاحات الهيكلية الجارية وتعميقها.
فالنمو الأعلى بقيادة القطاع الخاص سيؤدى إلى إيجاد المزيد من فرص العمل، وهو- كما يتضح من تجارب البلدان الأخرى - بمثابة أنجح الطرق لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين على نحو مستديم من خلال زيادة دخلهم المتاح. كذلك نجد أن ارتفاع معدل النمو وانخفاض مستوى الدين العام يتيحان حيزا أكبر لزيادة الاستثمار العام فى الصحة والتعليم من أجل زيادة إمكانات رأس المال البشرى وفرص توليد الدخل. مما يمكن الأسر من إنفاق أموال أقل على الصحة والتعليم.
مصر وصندوق النقد خلال 3 سنوات
وافق صندوق النقد الدولى على تقديم مساندة مالية لمصر بقيمة 12 مليار دولار فى نوفمبر من خلال اتفاق تسهيل الصندوق الممدود.
- البرنامج يستهدف استعادة استقرار الاقتصاد وزيادة النمو القوى والمستديم وتحسين كفاءة اسواق النقد الاجنبى وخفض عجز الموازنة والدين العام وخلق فرص العمل الى جانب حماية الفئات الاقل دخلا.
الاتفاق تم تنفيذه على 3 سنوات تضمنت 5 مراجعات للبرنامج حظيت جميعها بالنجاح وبثقة المؤسسة الدولية :
المراجعة الاولى فى 13 يوليو 2017
المراجعة الثانية 20 ديسمبر 2017
المراجعة الثالثة 29 يونيو2018
المراجعة الرابعة 4 فبراير 2019
المراجعة الخامسة 24 يوليو 2019
أكدت تقارير المراجعات الخمس التزام مصر بتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى الذى وضعته الحكومة ووافق عليه البرلمان، وقدرة الاقتصاد على تحقيق الاستقرار فى مؤشراته الكلية وتحسنها وتعافى النمو .
واصل النمو الاقتصادى تحسنه ووصل إلي 5.6% فى العام المالى الماضي
سجلت ميزانية 2018-2019 فائضا أوليا 2% من اجمالى الناتج القومي.
التضخم بدأ يتخذ مسارا تنازليا واضحا مع سياسة الفائدة المرنة وتحسن المؤشرات.
البطالة انخفضت لأقل من 8% وهو أقل معدل فى 20 سنة
ارتفع حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى لمعدلات غير مسبوقة.
مستويات الدين العام فى مسار تنازلى لتصل إلى 85% خلال العام المالى الماضى غير انها لاتزال مرتفعة.
- الحماية الاجتماعية بعد أساسى فى البرنامج وتم اتخاذ إجراءات عديدة منها زيادة قيمة دعم المواد الغذائية بأكثر من الضعف من 21 الى 50 جنيها للمواطن والتوسع فى معاشات الضمان الاجتماعى لتصل إلى 2.2 مليون أسرة أى نحو 9 ملايين مواطن وزيادة المزايا التقاعدية وزيادة حد الإعفاء الضريبى والعلاوة الاستثنائية.
- تطبيق آلية التسعير التلقائى للوقود لرفع كفاءة الاستهلاك و حماية الموازنة من تقلبات الاسعار وزيادة الإنفاق الاجتماعي.
رغم صرف الشريحة الاخيرة من القرض لايزال الاتفاق ساريا حتى نوفمبر 2019 .
المرحلة الجديدة بعد انتهاء القرض تعطى اولوية لضمان استمرار مصر فى تنفيذ سياسات الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى وزيادة الانتاجية والاستثمار وإيجاد فرص العمل مع الاعتماد على زيادة الدخل من السياحة والغاز الطبيعى وزيادة الصادرات.
رابط دائم: