رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ترى أن الكلمات مثل الرصاص سهير المصادفة:

حوار: أمنية السيد حجاج

تواكب الحركة النسائية تطورا فكريا و ثقافيا فى مختلف المجالات. فالإبداع الفكرى ليس حكرا على الرجل، فكما أن هناك كتابا وشعراء رجالا، هناك أيضا كاتبات وشاعرات وروائيات نساء متميزات رسمت لها طريقا إبداعيا وحضورا مشهودا على الساحة الثقافية. المجال ليس تنافسياّ بين الرجل والمرأة بقدر ما هو تكاملى.. ولابد من الاعتراف بأهليتها، وبأنها شريك فاعل فى مختلف المجالات، والتحدى الذى تخوضه فى العصر الحديث يندرج تحت مفهوم احترامها لنفسها من خلال سعة فكرها وتحريرها لأدبياتها.

وقد برزت أقلام نسائية متميزة فى الشعر والرواية، مثل الأديبة الروائية الدكتورة سهير المصادفة؛ التى تتسم بأنها صاحبة مشروع تنويرى تعمل على تنفيذه من خلال موقعها كرئيسة للإدارة المركزية للمشروعات الثقافية والنشر.

فى هذه السطور، نسبر أغوار قصص وروايات الأديبة والروائية الكبيرة، ونفتح معها آفاقا أخرى للحوار عن قضايا مطروحة على الساحة الأدبية والثقافية.



بداية.. ما رأيكِ فى إسهامات المرأة فى مجال الأدب والإبداع؟

أصبحت المرأة شريكًا أساسيًّا فى المشهد الأدبى والإبداعى فى كل ثقافات العالم، وقفزت قفزات كُبري؛ لتلحق بالرجل الذى سبقها بمراحل، بينما كانت هى محبوسة ومكبلة ومقيدة فى عدة وظائف يمكننا حصرها على أصابع اليد الواحدة، وجميعها كانت بالطبع لخدمته. فمنذ مطلع القرن العشرين، أخذت المرأة على عاتقها أن تختصر مئات السنين بالمزيد من العلم، والتعلم، والعمل والسفر، وتحصيل خبرات الحياة، والقراءة، فأصبح حضورها لافتًا فى كل المجالات، وصار اسمها يزين قوائم المشهورين فى الفن،والرسم، والشعر والكتابة والرواية.

روايتكِ الأولى «لهو الأبالسة» حققت - ولا تزال تحقق- رد فعل قويا، على غيرها من الأعمال التى ليس لها تأثير لدى القارئ؟

ربما لأنها، بالفعل، لم تكن الأولى فى مشوارى الإبداعى، حيث نشرت قبلها ديوانين هما: «هجوم وديع»، و«فتاة تجرِّب حتفها»، الذى فاز بجائزة أندية الفتيات بالشارقة، وطُبع هناك، ولاقى الديوانان احتفاء كبار الشعراء آنذاك، وكنت أنشر مقاطع من «لهو الأبالسة» فى المجلات الدورية ابتداء منذ أوائل التسعينيات، وظلت حبيسة درجى لمدة عشر سنوات حتى نشرتها عام 2003، وفى الواقع كان الوسط الثقافى والقراء ينتظرون هذه الرواية تحديدًا، متسائلين: «وكيف ستكتب الشاعرة رواية»؟ وبعد شهرين من صدورها حققت أصداء طيبة مدوية، بدأها الشاعر الراحل الكبير «فاروق شوشة» بمقالته الشهيرة فى الأهرام: «سهير المصادفة وروايتها المدهشة».

استغرقت روايتكِ: «ميس إيجيبت» أربع سنوات، هذا يذكرنى بمقولة لماركيز: «مع كل الخبرة التى اكتسبتُها لم يعد لدى مشكلة فى كتابة رواية جديدة، لكن أخشى أن يلاحظ الناس أن قلبى ليس فى الرواية»، فهل تسيرين على نهج ماركيز؟

أنا قريبة جدًّا من مشاعر ماركيز، وتحديدًا عند النشر. فلقد ظل مخطوط «ميس إيجيبت» معى لمدة عام كامل، وكانت «لهو الأبالسة» لاتزال تُقرأ، وتتم مناقشتها فى كل المحافل الأدبية داخل مصر وخارجها. كنت أشعر بالقلق فأخرّت نشرها، علاوة على طبيعتى «الموسوسة» مع كل حرف يُنشر لى، حتى ولو كان جملة على صفحتى بموقع التواصل الاجتماعي: «الفيس بوك». عرفت منذ وقت مبكر أن الكلمات مثل الرصاص ما إن تخرج من فوهة البندقية لا يمكن أن تعود إليها ثانية، وما يُنشر سيظل إلى الأبد موجوداَ باسمى، ولن أستطيع التنصل منه أبدًا، وهذا يرعبنى. يرعبنى ألَّا أكون نفسى فى النص، وأن أكون مجرد صدى للآخرين، وأن تكون مشاعرى غير مكتملة وناضجة على نار هادئة، وأن يكون أبطال رواياتى غير راضين عن مصائرهم، وغير مرتاحين وأنا ألوّح لهم مودعة عند وضع النقطة الأخيرة. نعم. أخشى ألَّا يكون جزء من روحى محلقا فوق فضاء الأحداث، وألَّا يكون قلبى جالسًا هناك ينثر ضوءًا خافتًا فى أكثر أماكن الرواية حزنًا وظلمة.

العودة إلى التاريخ صار مرجعية لمعظم الروائيين والمؤلفين فى العالم العربى فى أثناء كتابتهم لأعمالهم.. كيف ترين هذه الظاهرة، فى ضوء روايتكِ: «رحلة الضباع»؟

الرواية التاريخية فخٌّ شديد الخطورة، ثمة روايات تاريخية اتكأت اتكاءً كاملًا على أحداث تاريخية كبرى، فجاءت باهتة، وظلت كتب التاريخ الأصلية أجمل منها وأكثر متعة بكثير.وثمة روايات أخرى جعلت التاريخ خلفية لها، ثم قامت بتأليف المكان والشخوص، ومنحتهم الحرية فى كتابة ما حدث من وجهة نظرهم، فكانت شديدة الأهمية والمتعة. أظن أن الواقع أشد روعة بكثير من محاولة تقليده؛ ولذلك أرفض نقل الواقع نقلًا حرفيًّا، بل أجد صعوبة فى تقبل أعمال تترجم أحد الشخوص، فمَن الذى يستطيع كتابة حياة بروعة وثراء أحد أعلامنا الكِبار مثلًا لقد صُدمت ذات يوم وأنا أحاول مشاهدة حلقة واحدة لمسلسل يصور حياة المطرب الراحل «عبدالحليم حافظ»، وهكذا الأمر بالنسبة للتاريخ، إذا تم نقله كاملًا فى رواية فستكون من أردأ الأعمال الروائية، بينما إذا تمت محاورته بشخوص متخيلة فقد ننتظر عملًا شديد الروعة. وهذا ما حاولت كتابته فى «رحلة الضباع»، حيث تعبر بطلة الرواية المتخيلة الصحراء فى القرن الأول الهجري؛ لتقوم برحلة شديدة الوعورة على خلفية أحداث تاريخية نعرفها، ولكنها ليست منقولة أو مقحمة، بل مجرد دليل لزمان ومكان الأحداث الجديدة.

فى روايتكِ: «بياض ساخن» تناولت أوجاع مصر فى السنوات الأخيرة، من خلال البطلة.. فهل النساء هن اللاتى يتحملن دائمًا نتيجة الأزمات السياسية والاجتماعية؟

نعم، تتحمل المرأة والطفل كل تبعات الحروب، والثورات، والأزمات السياسية والاجتماعية؛ لكونهما الحلقتين الأضعف فى المجتمع. فى «بياض ساخن» تُصاب البطلة بالشيزوفرينيا فى العام نفسه الذى فقدت فيه مصر هويتها المتعددة الروافد، المحبة للفنون، صاحبة الحضارة الضاربة بجذورها فى عمق التاريخ. تدور البطلة المجنونة فى شوارع مصر باحثة عن أبنائها وعن هويتها، متسائلة عمَّا حلَّ بها.

رصدت روايتكِ: «لعنة ميت رهينة» بواكير الاتجار بالفتيات القاصرات والتنقيب عن ذهب أجدادنا دون أن نحافظ على حضارتنا؟

«لعنة ميت رهينة» تدور فى قرية ميت رهينة الأثرية التى كانت أوَّل عاصمة فى مصر القديمة، بعد توحيد الملك مينا لقطرى مصر، شمالها وجنوبها. الآن هذا المكان الذى عبر أكثر من خمسة آلاف عام يعانى الإهمال، وقد أصبح قرية لا تُشبه القرى، ومدينة لا تُشبه إلا نفسها. وتعانى بعض السلوكيات الريفية، مثل زواج القاصرات، كما تُعانى تنقيب الأهالى عن الآثار، آثار الأجداد الذهبية التى تركوها لنا لنُباهى بمجدهم العالم، ونقول: مِن هذه الأرض بزغ التاريخ، وأهدتْ مصر للعالم فجر ضميره الإنسانى، وكانت باكورة البدايات وأوَّل كل شىء... أوَّل الطب، والنحت، والأدب، والجمال والعلوم، والفلك، والزراعة، والصناعة، وأوَّل المدن وأجملها. تتساءل الرواية: ما الذى حدث لنا وقد حصلنا على درجة «الأول» فى كل شيء؟ ما الذى جعلنا نكتفى بالتنقيب عن ذهب حضارتنا الأسطورية، دون أن نحاول تدشين حضارة حديثة جديدة؟!

فى آخر رواياتكِ «يوم الثبات الانفعالى» يبدو عنوانًا من غير المتعارف عليه فى تسمية الروايات، كيف فكّرت فيه؟ متى بدأت التفكير فى هذه الرواية، وكيف تبلورت؟

لا أدرى إذا كانت هناك عناوين محددة متعارف عليها للروايات. كل ما أعرفه أن الرواية تختار عنوانها الذى بالضرورة يجب أن يكون إضافة حقيقية وجديدة وغير متعارف عليه. ثمة عناوين كثيرة لروايات فارقة أصبحت فيما بعدُ متعارفًا عليها؛ لأن مبدعها أضاف عوالم جديدة يلزمها أسماء جديدة, مثل: «السيميائى» لباولوكويلهو، أو: «هل تحبين موسيقى برامز»؟ لفرانسواز ساجان، أو: «المفسرون» لكاتب نوبل الشهير: «وول سوينكا». وكان اسم: «الطاعون» لألبير- كامو الروائى الفرنسى الشهير- غير متعارف عليه آنذاك؛ حيث كانت أسماء الروايات هى: «تحت أشجار الزيزفون» أو: «حب حتى النهاية»، وهكذا... أعنى أن كل عالم جديد لا بدَّ أن يقترح اسمًا جديدًا له. وبدأتْ فكرة «يوم الثبات الانفعالى» تطاردنى منذ ثلاثة أعوام، تنطلق أحداثها من يوم واحد فقط لا غير، تتبدل فيه مصائر مجموعة من الشباب الفقراء، هم أبطال الرواية، حيث يتدربون خلال هذا اليوم تدريبات شاقة على الثبات الانفعالى، وبعدها يقفزون على سلم التفاوت الطبقى من الفقر إلى الثراء، كلٌّ بطريقته.

يؤكد البعض أهمية الجوائز فى حياة المبدع، فيما يرى آخرون أنها طوق نجاة يُلقى به إلى غريق بعد وصوله إلى الشاطئ، أى رأى تؤيدين؟

«الجوائز قسمة ونصيبٌ»، أرحت نفسى منذ سنوات من هذه القضية بهذا الاقتناع، فقد حزت جوائز وتكريمات فى بداية مشوارى الأدبى، وتفرغت بعدها لمنافسة نفسى فحسب. كلُّ ما أريده أن أنجز بقية خطواتى ورسائلى الروائية. أعرف أن الجائزة هى رأى مجموعة من القراء، مهما تبلغ أقدارهم، قد تروق لذائقتهم رواية هى أقل من روايات كثيرة مطروحة، وقد يصيبون فيختارون الأفضل بالفعل. وكم من أعمال عظيمة لم تحظَ بجوائز وظلت خالدة، فى الوقت نفسه الذى وارى النسيان أعمالًا أخرى حازت أرفع الجوائز! ونحن جميعاَ نتذكر كيف حصد الشاعر الفرنسى المجهول «رينه سولى برودوم»، جائزة نوبل للآداب فى دورتها الأولى عام 1901، ولم يحصل عليها منافسه، أهم كاتب فى العالم آنذاك، وهو كاتب روسيا الأشهر «تولستوى»، ولكن «برودوم» ذلك دُفن منذ ذلك التاريخ تحت لافتة أشهر الجوائز، بينما ظل تولستوى خالدًا حتى يومنا هذا. ورغم كل ذلك، تظل الجائزة مهمة فى عالمنا العربى، فى ظل نسبة مقروئية ضئيلة جدًّا، وسوق توزيع مرتبك للكتاب، وآليات شبه معدومة لدعم الكاتب، فإذا جاءت فهذا رائع، وإذا تأخرت فهذا أروع، حتى ينجز الكاتب نصَّه.

تعيش الثقافة العربية مرحلة حساسة تعكس ما تعيشه مجتمعاتنا من ظروف.. كيف ترين واقع التعاطى الراهن مع الثقافة بأشكالها وأنماطها المتعددة فى العالم العربى؟

تعيش الثقافة العربية أكثر مراحلها حساسية على الإطلاق، وهى مرحلة طويلة وممتدة منذ عقود. مررنا بالكثير من التحديات. وفى الواقع كنا نطرح الأسئلة الكبرى، ولا نجيب عنها، نتركها معلقة هكذا لسنوات فوق رءوسنا. مثلًا، سألنا فى بداية القرن العشرين: «هل سنستطيع اللحاق بقطار الغرب المتقدم، ذلك الذى يسير بسرعة فائقة»؟!، وتركنا السؤال معلقًا هكذا. ومع الأسف نتج عن عدم إجابتنا عنه، وعدم اجتهادنا ثقافيًّا وفلسفيًّا ومجتمعيًّا، إجابة عملية هى السبب فيما نحن فيه الآن: «لن نلحق بهذا القطار طبعًا ولذلك،علينا أن نعود إلى الوراء قرونًا، فربما وجدنا الإجابة هناك». هذه الإجابة العملية هى المصدر الرئيسى لكلِّ التيارات المتطرفة والإرهابية. ولا يوجد حلٌّ لمحاربتها إلا بالثقافة والعلم، الثقافة بمفهومها الأشمل، الذى يبدأ من البحث فى مفردات الهوية والتقدم، فى بذور حضارتين: حضارة فرعونية أنارت العالم، وحضارة إسلامية أنارت القرون الوسطى، التى عرفت بعصور الظلام فى أوروبا، وحتى نصل إلى إجادة مفردات الرقمنة الحديثة.

هل يحتاج الكاتب أو المبدع، بشكل عام، إلى مسافة زمنية تفصله عن الحدث ليستطيع ترجمته إلى رواية، أو قصة، أو إبداع ما؟

المدهش فى الأمر أن الكاتب لا يترجم الواقع ولا ينقله أو يعبر عن الأحداث الجارية أو يعيد كتابتها بشكلٍ ما، وإنما يتنبأ بالأحداث الجِسام قبل وقوعها بوقت طويل؛ لأنه ببساطة شديدة يتحاور مع الواقع، ويسائله، ويتخيله، ويتأمله وهو يؤلف عالمًا موازيًا له، من فرط تماسك بُنيانه، يرى بعض المتابعين أنه شديد الواقعية، ولكن دائمًا كان الأدب الجيد يسبق الواقع بخطوات، ويفتح آفاقًا جديدة له، مثلما فعلت روايات الخيال العلمى عندما صعدت إلى القمر قبل صعوده بسنوات فعليًا، ومثلما فعلت رواية: «كوخ العم توم»، وكل الروايات التى جاءت بعده إبَّان فترة الأبارتهيد أو التفرقة العنصرية، فأسهمت فى القضاء عليها فى الواقع كما جاء فى الأدب، ومثلما فعلت كل الروايات النسوية التى تنبأت بحرية المرأة وأنها ستكون طبيبة، ومحامية، وقاضية وعضو مجلس نواب، وهو ما حدث بعد ذلك. إن المبدع يفتح طرقًا للواقع، ويجعله ينطلق إلى أفق أرحب ليحظى بالمحبة والسلام والجمال.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق