صدر حديثا عن دار «النابغة» للنشر ضمن سلسلة الإبداع العربى رواية « عاصفة على الشرق» للروائى السعودى د. نبيل المحيش.
تتناول الرواية خطة جديدة لاستعمار الشرق الأوسط من قبل القوى المهيمنة فى العالم، وتأتى وكأنها تروى لسان مجريات الأحداث الحالية فى الخليج العربى. تدور أحداث الرواية فى سياق مشوق ما بين إيران وأمريكا والبحرين والسعودية والعرق وسوريا ولبنان ومصر وتركيا وإيطاليا وقبرص.
...............................................
تقع الرواية فى 159 صفحة، وتعيدنا لأدب الحرب الذى شهد رواجا مع الحربين العالميتين وتبدأ بأحداث مثيرة وإيقاع تسجيلى إخبارى حيث يظهر الرئيس الإيرانى على التلفاز ويعلن للعالم أن إيران فجرت قنبلتها النووية الأولى وأنها تمتلك ترسانة سلاح نووى وعلى الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل أن تتعامل معها على هذا الأساس. تعم إيران الاحتفالات بينما تحاصر زهراء الأم الإيرانية مشاعر الخوف والقلق على مستقبل أبنائها. وينتقل الروائى بتقنية «الفلاش باك» إلى الثورة الإيرانية بعد أن شارك على زوج زهراء فى المسيرات الاحتفالية باستعراض إيران لقوتها.
تتحرك أمريكا للرد على إيران ويستمع الرئيس الأمريكى لمقترح بإنهاء الأمر بقصف 3 مدن إيرانية برؤوس نووية ويرسل الجنرال وليام كيندى مع مجموعة من عملاء الاستخبارات إلى إيران، والذى سيسافر مع شيرين بهلوى الأمريكية من أصل إيرانى ومن أسرة الشاه الإيرانى محمد رضا بهلوى، ومع احتدام الوضع يرصد المؤلف مشادة بين الرئيسين الأمريكى والروسى حول قصف إيران.
استعان المحيش ببناء سردى حداثى لا يخضع لقواعد الحكى أو السرد المتعارف عليها، بالرغم من استعانته فى بعض المقاطع بأسلوب الراوى العليم مع الارتكاز على الحوار بين أبطال الرواية من آن لآخر مستعينا بتكنيك سينمائى فى تقطيع المشاهد والحوارات، ما يجعل القارئ أمام فيلم تتوالى أحداثه فى تصاعد مثير، والأكثر إثارة للدهشة هو أنها تكتب الواقع أمام قارئها فأحداثها تتوافق مع حادث الاعتداء على السفن السعودية فى المياه الاماراتية وتسلسل الأحداث يكاد يكون مطابقا لما تمر به المنطقة.
تنتقل الأحداث إلى الرياض حيث دعت المملكة العربية السعودية لاجتماع عاجل لدول الخليج بمشاركة قادة مصر والأردن وتركيا، هنا يحذر أحد القادة العرب من مغبة الوقوع فى شراك الحرب التى ستتحول إلى حرب بين السنة والشيعة، ويطرح آخر الأمر كمؤامرة من الغرب لإيقاع العالم العربى فى شراك الحرب والاستيلاء على نفطه وموارده، ويطالب بإعلان العالم العربى اتحاده كدولة وقوة اقتصادية واحدة. وهنا يرصد المؤلف مخاطر الحرب على إيران التى سيتضرر فيها الخليج إثر تعطل صادراته من البترول وتضرر محطات تحلية المياه وتحول المنطقة برمتها لساحة حرب.
يأخذنا المحيش إلى أحداث على ساحل الخليج العربى مع وصول بطلى الرواية وليام كيندى وشيرين بهلوى إلى الخليج ووسط دقات طبول الحرب تبدأ قصة حب بينهما ومن خلال الحديث بينهما نتعرف على قصة حياة شيرين وتاريخ إيران والخليج العربى. وتنتقل أحداث الرواية إلى البحرين مع تسارع وتيرة الأحداث مع إعلان قصف إيران لسفينتين بحريتين أمريكيتين وإيران تنكر وتتهم أمريكا وإسرائيل، وفى الآن ذاته وليام وشيرين يحاولان التغلب على الأحداث بالشعر والحب.
تقطع بنا الرواية المسافة إلى حديقة البيت الأبيض حيث يعلن الرئيس الأمريكى مهلة أخيرة لإيران 6 ساعات قبل ضرب المدن الإيرانية وسط تخبط وإضراب عام فى إيران ونزوح جماعى ووسط ضغوط دولية تعلن إيران التخلى عن تفكيك وإلغاء برنامجها النووى حتى لا تتعرض للتدمير. ويتم تكليف وليام وشيرين بمهمة تفكيك الترسانة النووية الإيرانية وعبر الأحداث الصاخبة فالحوار بين وليام وشيرين يلطف أجواء الرواية ويتطرق للجوانب الثقافية والفكرية ما بين الشرق والغرب. يؤشر المحيش بالجمل الحوارية بين وليام وشيرين على مكامن الصراع ومنابعه فى الشرق الأوسط مستنطقا ماضى العالم العربى لاستجلاء مستقبله. ويحذر أن تدفع الدول العربية الثمن غاليا «فـالجميع خاسرون».
تستعيد الرواية أحداث الحرب العراقية- الإيرانية، واختلال العراق للكويت ثم الغزو الأمريكى للعراق وجرائم النهب لآثار العراق وسرقة الأرشيف اليهودى وإحراق المكتبة الوطنية فى بغداد، وتعرج الأحداث على كردستان العراق التى يقطعها وليام وشيرين للوصول إلى سوريا لتتبع الرءوس النووية المهربة من إيران، ويتعرضان مع مرافقتهما روناك للاختطاف من قبل عصابة مسلحة تطلب فدية ثم ينجح وليام فى الهرب وإنقاذ شيرين وروناك.
يتتبع المحيش الآلام النفسية والجسدية التى يتعرض لها البشر فى زمن الحرب والصراعات الداخلية التى يفرزها الخوف من الموت وبشاعة النهايات. وحينما يأتى السرد باختيار سوريا مكانا روائيا، أتى المحيش على كل الفظائع التى ارتكبها النظام السورى منذ عهد حافظ الأسد وحتى الآن ضد شعب سوريا، بتكثيف للأحداث وكأنه يذكرنا أن ويلات الصراعات والحروب فى الشرق الأوسط تأبى أن تترك شعوبه وتحاصرهم جيلا بعد جيل.
وبينما يتتبع وليام السيارة المحملة بالقنابل النووية التى تعبر الأراضى السورية، يأتى على لسان وليام: «هنرى كيسنجر يقول: إن الذى لا يسمع طبول الحرب العالمية الثالثة تقرع لابد أن يكون مصابا بالصمم». بينما يرد عليه الرائد سعيد، أحد قادة الجيش الحر: «العرب ليس لديهم خيار إما الاتحاد أو الفناء».
لا تغيب القدس عن الرواية كمسرح للأحداث، ويسرد الروائى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى وفى هذا الجزء من الرواية يعلن وزير الدفاع الإسرائيلى عن جاهزية جيش الدفاع الإسرائيلى لاجتياح سوريا ولبنان خلال ساعات. وينقلنا المحيش بعدسته السردية إلى واشنطن بينما تعلن المخابرات الأمريكية وصول الرءوس النووية لحزب الله، ثم يعلن حلف الناتو تحالفه مع إسرائيل فى غزو لبنان، ويحلق بنا إلى سماء القاهرة مع حديث حول سبب تسمية مصر «أم الدنيا» برشاقة وتكثيف يسرد المحيش أهمية مصر دينيا وتاريخيا لكن الأحداث الرئيسة تخفت هنا ولا نجد تركيزا على قضية الرءوس النووية ويجد القارئ نفسه مشغولا بجولات وليام وشيرين السياحية من القاهرة للأقصر وأسوان، مع تلقى وليام لاتصال يؤكد خلو السفينة الإيرانية المشتبه بها فى مياه المتوسط من السلاح النووى.
يتوجه وليام وشيرين إلى تركيا مع علمه بالقبض على خلية حزب الله هناك بعد اكتشاف المخابرات صلتهم بقضية الرءوس النووية، يحقق معهم وليام ويهددهم بترحيلهم إلى جوانتانامو ليعترفوا بتحميل الرءوس على سفينة تحمل علم قبرص، وخلال جولتهم فى تركيا يتنازل تاريخ العثمانيين الدموى والسياسة الإيرانية وقضايا المساس بدور العبادة فى تركيا واليونان والاندلس وتحويل المساجد إلى كنائس أو العكس، ما يعكس جهدا كبيرا فى البحث عن كل جزئية تطرق لها المؤلف ليعطى القارئ وجبة دسمة فكريا وتاريخيا وجغرافيا ومعماريا وعسكريا أيضا، فلم تغب عنه جزئية أنواع الأسلحة ومخاطرها وقوتها التدميرية.
يتابع وليام رحلته من إسطنبول إلى روما للوصول إلى قبرص، فى تلك الأثناء يظهر الرئيس الروسى معلنا عن تحالفه مع إيران وإرسال 30 ألف جندى إلى سوريا لحماية مصالحه فى المنطقة ويذكرنا بقتل روسيا لمليون أفغانى من قبل أثناء محاربتها للإرهاب فى أفغانستان وأن الإرهاب لم ينته بعد. ويعلن قائد الجيش السورى الحر إحتلال روسيا لبلاده، بينما يعلن الرئيس التركى رغبته بتكوين حلف إسلامى لمواجهة الروس.
يأتى الفصل الأخير فى قبرص حيث تتحرك مروحية وليام وشيرين باتجاه السفينة المحملة بالسلاح النووى فى مياه البحر المتوسط لتطلق السفينة صاروخا يدمر الجزء الخلفى من المروحية التى تنجح فى الهبوط على سطح الماء ويهرب وليام وشيرين سباحة إلى الجزيرة تنقذهما قوات أمريكية. وتذيع وكالات الأنباء تحالفا بين أمريكا وروسيا بإعلان اتفاق هيمنة وتقسيم للشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة، تتبع وصاية روسيا أو أمريكا وتقسم تركيا لتصبح تابعة لروسيا كترضية من الغرب ومنعا لنشوب الحرب بين أمريكا وروسيا، لتستعيد روسيا ما فقدته مع اتفاقية سايكس بيكو بضم إسطنبول إلى روسيا القيصرية. وتنتهى الرواية بتساؤل: «أين العرب؟» ليرد وليام: «العرب خارج التاريخ.. العرب أموات.. والتاريخ يكتبه الأحياء فقط».
هذه النهاية المفتوحة التى تخدم البناء السردى الحداثى للرواية يشرك القارئ فى مهمة التفكير والتحليل فى الوقائع والأحداث المحيطة به ويجعله مهموما بالبحث عن الحل والأكثر أنه يصيبه بالدهشة من قدرة الرواية على استشراف الأحداث واستقراء الواقع بهذا النص السهل الممتنع.
رابط دائم: