رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة الليبرالية والوعى الثقافى العربى

سمير محمد شحاتة

تبدو الليبرالية من أكثر المفاهيم إثارة للإشكاليات والجدليات الفكرية. فالليبرالية مصطلح يقبل التلوين فى سياقات حضارية وفكرية مختلفة من حيث المنطلق الفكرى. فمفهومها قد يختلف من مجتمع لآخر. فالليبرالى فى أمريكا قد يبدو محافظاً فى بريطانيا أو السويد مثلاً، والمحافظ فى أمريكا قد يظهر كليبرالى فى مصر، ذلك يجعل من الليبرالية مفهوماً نسبياً، وليس فكرياً محدداً مثل العلمانية. كما يجعلها مصطلحا مرنا مطاطا يُفهم حسب سياقه الظرفى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

وفى كتابه «الليبرالية العربية .. جدلية الدين والحداثة»، الصادر عن المكتبة الأزهرية للتراث، يبرز الباحث حسن محمد شافعى كيف أن الليبرالية فكرة متفاوتة اجتماعياً عنها سياسياً واقتصادياً. فالاشتراكيون قد يُظهرون ليبرالية اجتماعية. ولكنهم اقتصادياً مع الاقتصاد الموجه أو العام، وضد الليبرالية الاقتصادية الرأسمالية، والمحافظ الرأسمالى قد يملك قناعات ليبرالية اقتصادياً، ولكنه محافظ سياسياً. والإسلاميون قد يبدون ليبراليين فى المجال السياسي، لكنهم محافظون فى المجال الاجتماعى الثقافي، وضد الليبرالية الاجتماعية التى تدعو إلى التحرر من المنظومة الأخلاقية للدين.

ويبرز شافعى كيف يمثل الوعى الثقافى لليبرالية فى عالمنا العربى أحد أبرز الإعاقات فى طريق الليبرالية العربية باعتبار أن الليبرالية هى بالأساس مشروع ثقافى قبل أن تكون نظاماً سياسياً واقتصادياً، وإذا لم تحقق قيم الليبرالية فى الوعى أولاً فلن تحقق فى الواقع، وسيظل الحديث عن الليبرالية حبيس النقاش الجدلى النظري. ولعل من أبرز إشكاليات الليبرالية العربية من المنظور الثقافى ذيوع الثقافةالأحادية المضادة لثقافة التعدد والتنوع والحوار وهى مظهر من مظاهر التسلط الثقافي، وقد تجسدت هذه الأحادية فى قصص الأدب الشعبى التى جسدت أن الخلاص عن طريق شخص واحد هو الزعيم الملهم (أبو زيد الهلالى الزناتى خليفة) وقد انعكس هذا على نمط التعليم، فصار قائما على الحفظ والتلقين، وليس الحوار والإبداع. هذا بجانب غياب الحس النقدى عن الوعى العربى الليبرالي، وهو أهم ما ميز الحداثة الغربية فى مسيرتها تجاه النهضة، فقد شكلت قدرتها على النقد الذاتى لموروثها الثقافى بل نقد قيم الحداثة ذاتها مصدرًا لحيويتها وعافيتها حتى إن قيم الحداثة لم تسلم من نقد فلاسفة الحداثة وما بعد الحداثة، وحتى العقل ذاته أهم مكونات الحداثة الغربية.

وكان من نتائج ذلك سقوط الليبرالية فى فخ أيديولوجيات القرن العشرين التى اتسمت بنوع من الصلابة، فتحولت من فضاءات الحرية والتعددية إلى قولبة صماء وهو ما جعلها تحيد عن مضمونها الحقيقي، فالليبرالية انفتاح وطرح لأسئلة جديدة، والأيديولوجية الصلبة التزام وتسليم بإجابات معدة مسبقا، والتى قد تتحول بعد فترة من التمركز حول الذات إلى إكراهات فكرية يتم التسليم بها دون مناقشة.

ويعد الوعى الثقافى هو أساس التجربة الغربية الليبرالية فى عصر الأنوار، والذى بدأ بالاعتراف بالفرد كياناً مستقلاً عن الدولة والمؤسسة الدينية، وتعود إرهاصاته إلى عصر الإصلاح الدينى على يد مارتن لوثر، وجون كالفن بتبديد أشكال الاستبداد الثقافى (الأكليروس الديني). ثم جاءت إسهامات فلاسفة التنوير أمثال توماس هوبز وروسو فى ترسيخ العقد الاجتماعى بإسقاط ادعاءات السلطة والملوك والأباطرة باستئثارهم (بالحكم الإلهى المقدس)، ورد السلطة السياسية إلى العلاقة التعاقدية بين الشعب والسلطة السياسية، وسحب ممتلكات المؤسسة الدينية لمصلحة المجتمع المدنى. وبهذا تكونت الليبرالية الغربية فى الوعى الغربى بفضل المناخ الثقافى للإصلاح الدينى، وفلسفة التنوير فى أوروبا.

وفى واقعنا العربى تتمثل إحدى إشكاليات الخطاب العربى تجاه مفهوم الليبرالية فى غياب الوعى التاريخى لتطور المفهوم، والتعاطى معه بكلاسيكيات النشأة، الأمر الذى جعله لا يخرج من نطاق السجالات الفكرية المغلقة وغيابه عن الممارسة الفعلية له.ولأن المجتمع المدنى من أبرز سمات المجتمعات الليبرالية ، لذلك يمكن القول إن وجود مجتمع مدنى قوى لدى الدول العربية هو أحد أهم التحديات للتحول الليبرالى فى شكله الاجتماعى العام، والذى ينعكس بالطبع على الحياة السياسية والثقافية للمجتمع، ويتجاوز بالليبرالية من اختزالها فى الحيز السياسي، والذى يجعل تحققها شكلاً غير مضمون إلى جعلها ثقافة للمجتمع.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق